الشاعر ممدوح البريفكاني وفرحة السلام
السلام مغزى إنساني وأخلاقي بعد صبر طويل
جزء / 16
عصمت شاهين دوسكي
تعتبر حياة الشاعر ممدوح البريفكاني ثرية في كل المجالات الاجتماعية والعلمية والأدبية، فقد درس في مساجد عديدة وفي مناطق عدة ينهل العلوم المختلفة إلى إن نال الإجازة العلمية وعينته الحكومة العراقية ” واعظ سيار ” وأصبح كثير السفر بين كردستان العراق وتركيا، استفاد من التراث الكردي كالجزيري وخاني وطيران، فقد كانت لديه رغبة في نظم الشعر واللغة فتكونت لديه ثروة لغوية جيدة كما صقل موهبته الشعرية منذ فترة الشباب فقد ذكر ابنه عبد السلام في مقال في جريدة ” بزاف ” بغداد عدد يوم 24 – 4 – 1990م إن الشاعر ممدوح البريفكاني كتب قصيدته الأولى في عام 1928م أس عندما كان في السابعة عشر من عمره واشتهر كشاعر كلاسيكي في المنطقة وبدأ ينشر بعض قصائده في صحف البدرخانيين التي كانت تصدر في الشام في الأربعينات مثل ” روناهي وهاوار “،
تزوج الشاعر ثلاث مرات ورزقه الله ” 16 ” ولداً ” 11 ” منهم من الذكور و ” 5 ” من الإناث ، تنقل بين تأسيس وعضوية ورئاسة الاتحاد الكرد في بغداد ودهوك ،كان الشاعر كنزا ثميناً للشعر الكلاسيكي الكردي فقد تجمعت لديه مخطوطات دواوين الشعراء القدامى أمثال الجزيري وخاني وطيران والباته يي، وكانت هذه بمثابة ثروة شعرية هائلة أضافت على قصائده شيئاً كبيراً من الجمالية وقوة الأداء وحسن اختيار الكلمة الشعرية الجميلة مع رقة الإحساس في البناء الشعري إضافة إلى مهارته في الفضاء السحري للشعر فغزلياته رقيقة وسلسة وينبع منها الرونق الجمالي للشعر.
((جميلة وحلوة ذات دلال
برعمية الفم تشبه وردة ” به لازك ”
أصبحت روحنا كالملقط
من داء الحب مرة أخرى))
وبعد إعلان اتفاقية 11/ آذار /1970م بين ثورة أيلول الكردستانية والحكومة العراقية هزت الشاعر من الأعماق فخرج الشاعر بقصيدة شعرية جميلة عبر بلغته الشعرية عن فرحته وفرحة الكرد بحلول السلام في 11/آذار/1970م فيدمج بين فرحة الكرد وفرحة الطبيعة وهذه الفكرة الأكثر شيوعاً في عالم فرحة الروح والذات وعالم الطبيعة الكردستانية عندا يحل السلام فالسلام هو صلب النص الشعري من خلاله يستدرج الشاعر بأسلوبه المميز القلوب والعقول أثر وجود روح جديدة في ظل سلام جديد متأهب للظهور بشكل عام في ظروف سانحة لها ” جعلت من كردستان جنة الفردوس ” وهي ليست حالة غريبة تستند إلى تصور غريب فالسلام يحفظ الأرواح والأرض ويجعل من الجبل والسهل والجنان ربيعاً دائماً .
((صبيحة الحادي عشر من آذار
أضاءت لنا الجبل والسهل
وهذا الفرح في مفتتح الربيع
جعلت من كردستان جنة الفردوس))
يخترع السلام بوجوده علاجاً نشطاً فعالاً للتجديد والتغيير والإبداع في ظل الأمان وينجح الإنسان إن يكون حراً نوعاً ما ويتمتع بالتنقل والشعور بالسمو ويصبح واجهة مثالية للآخر والتغيير يتنوع وما من أحد يحدد ماهيته والتغيير في الشخصية ينطوي على تحول حتى وإن كان في المظهر قبل الجوهر يحسها الجميع لأن فرحة ظاهر السلام تفرضها روح السلام على الإنسان والأرض رغم تناول الناس الفرحة بصور عديدة وقد تكون محاطة بالنفور بدلاً من القبول وما يهم الشاعر حل البهاء في كردستان وأصبح العيد عيدين ” عيد نوروز وعيد الحادي عشر من آذار ” يكشف الشاعر أثر السلام على الروح والطبيعة فلا بد من المشاركة في هذا الفرح الشامل وإن إطلاق المشاركة أكثر شمولية ويأمل الشاعر إنقاذ الكثير من خلال السلام وعلى الجميع إن يميل للسلام بأي شكل من الأشكال ولا يخفق في إدراك المعنى الجوهري للسلام لأنه سيتغير من استمرار السلام إلى الارتقاء وبالتالي عليه أن يتعود على الرقي والتطور والإبداع ويرمي عباءة الجهل والظلام ويتحكم بعوالم السلام الدفينة بعد انطلاقها من أسرها .
((أصبح العيد عيدين في هذا الربيع
عيد نوروز وعيد الحادي عشر من آذار
فانهض لنذهب إلى المشاركة
فقد حل رأس السنة لدينا))
بفرحة السلام في كردستان يعقد الكرد حلقات الدبك والرقص حيث تبرز مفاتن الطبيعة ومفاتن الألوان وجمال النساء والابتسامات المشرقة بهذا الفرح يعود الشاعر ممدوح البريفكاني ليوضح دور الشباب الذين رحلوا ولم يروا هذا السلام ” أنا أندب أولئك الشباب ” يبدي أسفه وندبه من خلال وجود مظاهر الفرح وفاعلية اللام التي اثبت الشاعر من خلالها فاعلية الإنسان هذا النص المفرح بالسلام لا يمكن أن يكون إلا منهجاً سليماً للحياة رغم ما تركه الراحلون عنا من آلام.
((أنا أندب أولئك الشباب
وأنوح لهم في الليل والنهار
إذ قد دونت أسماؤهم جميعاً
ولم يتركوا لنا غير الآلام))
غير أن الشاعر بلغته الذكية المبدعة وبوفاء عظيم لمن رحل ولم يحظوا بالسلام واحتراماً لهم ” قفوا ثلاث دقائق صامتين ” يسعى من خلالها إيجاد وسيلة للمشاركة الروحية فلا يستطيع إخفاء ما يشعر لأنه يدرك صورة السلام وصورة الراحلين الذين ضحوا وتمنوا بصبر رؤية فرحة السلام، إن هذا التحرر الذهني الخلاق فخر للتمكن والتحكم والقدرة والإخلاص والوفاء.
((قفوا لثلاث دقائق صامتين
مرابطة معهم واحتراماً لهم
واقرؤوا عليهم الفاتحة
وأصبح الأخلاطي ثمانية وتسعون))
وكلمة الأخلاطي الواردة في نهاية القصيدة هي اللقب المخصص للشاعر ممدوح البريفكاني أسوة بغيره من الشعراء الكرد الذين كان لكل منهم لقبه أما رقم ثمانية وتسعون فهو الحساب الأبجدي لأسم الشاعر ” ممدوح ” إن فرحة السلام لا تقسم الذات بين الخير والشر ويحملان السلام ذاته ونلاحظ دور الضمير والإحساس والفكر يعكس ما يخالج الناس إذ تعتبر وسيلة للإقناع الشامل ليكون سلاماً حقيقياً مؤثراً وناهضاً ومتطوراً ومبدعاً على مر الزمن وهو يوضح خلالها حكاية رمزية تنطوي على مغزى إنساني وأخلاقي وكفاحي ومغزى صبر طويل لتحقيق السلام كون السلام يخضع للواقع الذي يريده وينتظره من أجل حرية وكرامة وأمن الإنسان .
***************************************
ممدوح البريفكاني
- ولد ممدوح بن الشيخ محسن البريفكاني في قرية “بادي” قرب دهوك بـكردستان ـ العراق عام 1911م.
- درس كأولاد ذلك الزمان في مساجد قرية سبيدار وأتروش وكمكه ثم توجه إلى زاخو ليدرس لدى العالم الملا أحمد العقراوي إمام الجامع الكبير في زاخو.
- نال الإجازة العلمية المعروفة لدى رجال الدين ثم درس لفترة في بعض المدارس في بغداد مثل مدرستي ” آل البيت والحكمة ” .
- عينته الحكومة العراقي بصفة ” واعظ سيار “.
- كان كثير السفر بين كردستان العراق وتركيا.
- حضر المؤتمر التأسيسي لاتحاد أدباء الكرد في بغداد الذي عقد يومي 23 و24 حزيران عام 1970م.
- انتخب كعضو في الهيئة الإدارية المركزية لاتحاد أدباء الكرد.
- انتخب رئيساً للأدباء الكرد فرع دهوك التأسيسي لأدباء المحافظة في 12/8/ 1971م لغاية شباط 1974م.
- طبع ولده زاهد مجموعة من قصائده في ديوان سمي ” لاله شين “في السويد.
- وطبع ولده الثاني عبد القادر ديوانه في دار ” ئاراس ” في أربيل عام 2001 م.
- ومن نتاجه اللغوي كان يعمل في ترتيب قاموس كردي عربي ووضع أساس القاموس وقد نشر بين دفتي ديوانه الشعري.
- توفي في 11/ نيسان / 1976م في بغداد ودفن في دهوك.
**********************************************
كتاب – فرحة السلام – من الشعر الكردي الكلاسيكي، دعوة للمؤسسات الثقافية والشخصيات الثقافية المعنية لطبعه، لعدم إمكاني طبعه. عصمت شاهين دوسكي