القُبْلَة الملعونة/ بقلم: حسين الجندي

القُبْلَة الملعونة/ بقلم: حسين الجندي
بسن القلم: قصة قصيرة
عندما شمَّ رائحتها للمرة الأولى، عَلِقت بذهنه وظل الأمر هكذا لسنوات طوال….
فقط يحبها ويحب رائحتها ولكن لا يجرؤ أن يقترب منها فبينه وبينها مسافات شاسعة وأعراف وتقاليد تمنعه منها…
بالإضافة إلي أب شديد الشكيمة لن يسمح له إطلاقا بمجرد أن يذكرها علي طرف لسانه…
فظلت في ذاكرته طيف وخاطر وأمنية وفقط…
وهاهو يتعرف علي أصدقاء لا يوجد واحد منهم يسمح له ولو بذكر اسمها…
فهي عندهم خط أحمر بل وأسود وأزرق وكحلي وجميع الألوان الداكنة القاتمة…
ووقتها شعر بأنها غير مكتوبة له وأن عليه أن ينساها للأبد…
وللحقيقة هو أيضا لم يكن مقتنعا بها علي الإطلاق فهي مجرد شهوة ونزوة بل إنه في قرارة نفسه يدرك أنها سقطة ليس بعدها سقطة..
ولكن ليس كل ما يدركه العقل يقتنع به الفؤاد…
فكم أوحلتَ أقداما أيها الفؤاد اللعين!
وفي يوم موعود غير سعيد ولا مسعود…
عادت تلح وبقوة على أحاسيسه للدرجة التي معها لم يعد بينه وبين الخطيئة سوى خطوات… نعم خطوات قلائل فاصلة ولكنها أبدا أبدا لم تكن مانعة…
فهاهو يتقدم بحذر وترقب ويتلفت حوله يمنة ويسرة…
وماهي إلا لحظات وكانت بين يديه…
ولأول مرة يمسك بها… يتحسَّسُها مباشرة دون حائل ولا عزول…
فيجدها ناعمة رقيقة لها ملمس حريري مخملي لا يوصف…
فهي برغم نحافتها وقصر قامتها إلا أنها ملأت عليه كيانه وصار معها كطفل رضيع يتوق إلى رضعته أو كصائم يتلهف لجرعة ماء يروي بها غلته…
أمسك بها بحذر شديد وتلفت مرة أخرى حواليه قبل أن يضع فمه علي فمها للمرة الأولي…
وياله من شعور لكثر ما تمناه!!!
ولأول مرة يشم رائحتها عن قرب فلطالما تشممها عن بعد ولكنها الآن ببن يديه بل بين شفتيه…
فتعجل أن يأخذ القبلة الأولي ولكنه تذكر أن عليه أولا أن يفض ختامها ويشعل جسدها فأخرج… قداحته…
وسرعان ما صارت مشتعلة بين يديه وتقول له بلسان حالها: هيت لك…
وهو بدوره لم ينتظر فقد غبَّ وملأ وسقي وروي حتى أزال الظمأ…
لم يتركها من بين يديه إلا وهي كالرماد بعد أن أزالت عنه السهاد…
وبعدها لم ينس أن يتخلص من آثار نزوته فسوف يعود أدراجه توا لمجتمعه الفاضل والذي يستنكر هذا النوع من العلاقات الآسنة…
وظل هكذا لمرات ومرات يسرق لحظات اللذات بين الفينة والفينة وهو يشعر بعد كل مرة بالحسرات…
ولكن غرامه قد ملك عليه كيانه…
بل وتطور الأمر فقد تعود على الخطيئة وتبجح بفعلها أمام بعض الناس ممن يشاركونه فيها بل وصاروا يتبادلون المحظيات…
ولكن للحق هناك صنف من الناس لا يُغَيِّر الصنف فهو لا يفضل سوي المستورد أما المحلي منها فأنفاسه مكتومة ورائحته معدومة…
وفي يوم رآه ابنه ففضح أمره عند أمه التي هي زوجته المصون والتي يحبها بجنون…
فلما لمَّحَت له بمعرفة أمره أنكر بالطبع وأقسم لها أنه من ذلك المنكر برئ…
ولكن ضميره الحي أخذ يلومه… فامتنع عنها وعن غيرها من أمثالها في أوقات العبادة والصيام…
وامتنع عن مجالسة أهل الغرام…
ولكنه ظل للحظة يتمسك بها وهو يلعن هواها ودخانها… نعم…
فلم يعد يطيق تلك الشيزوفرينيا القميئة…
فهو طاهر الفم مع أناس وملوث النَّفَس والصدر مع آخرين ومع أنهم قِلَّة لكنهم فئة مُضِلَّة وهم مثل العِلَّة…
وبينما هو يمشي في أحد شوارع المدينة إذ به يجد أحد أعز الناس الأطهار علي قلبه يأتي إليه من بعيد…
وكان وقتها يمسك بها فما لبث إلا وقد رماها غير مأسوف عليها بل مأسوف علي نفسه وقد فعصها تحت رجليه…
وتمني وقتها ألا يحتضنه فيفتضح أمره…
ومرَّ الأمر بسلام أو هكذا ظن!!!
وظل في صراع وصراع وعقله يجذبه للحق وهواه يهوي به للباطل
وبينما هو نائم إذ رأي رؤية نصفها أفزعه ونصفها الأخير أطاره من الفرح…
فقد رأي في النصف الأول أنه يسير وسط غابة مليئة بالسباع وكلها تريد أن تنهشه وهو لا يجد ملاذا سوي الجري ولا شيء غيره فأخذ يجري ويجري حتى انقطع نفسه وسقط على الأرض وحوله سباع الغابة يريد كل منها أن يدق عظامه ويضع في لحمه أنيابه…
فسُقِطَ في يديه وأدرك أنها النهاية…
إذ به يري في النصف الأخير من رؤياه طفلا صغيرا يقف أمامه مادّا إليه يده ولا يأبه بالسباع قائلا له:
أهلا بك في جنة الرحمن…
وكأنه لم يسمع جيدا فطلب منه أن يعيد على سمعه ما قال…
فأعاده عليه وهو يبتسم له ابتسامة صافية لم ير أعذب منها…
وفجأة لم يجد أثرا للسباع ولا… للطفل!!!
فاستيقظ من نومه وقد أدرك مغزي رؤياه…
فصار إلى اليوم ومنذ سنوات طوال…
لا تعرف شفتاه قُبْلة السيجارة ولا يعرف للسيجارة قِبْلَة.
بسن_القلم