18 فبراير، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

بلبل خارج العشّ / بقلم: لمياء نويرة بوكيل

بلبل خارج العشّ / بقلم: لمياء نويرة بوكيل

ــــــــــــــــ

 عند رأس الساعة وإثر رنين الجرس دخل يتبع رفاقه الصغار آليا، وقصد كرسيّه الصغير، وما استقرّ مرفقاه على مكتبه حتى دسّ إصبعه في فمه.

ذهبتُ نحوه، وجثوت أمامه. قلت باسمة: “دِيما صُبْعِكْ في فُمُّكْ؟”

رفع رأسه وتفحّصني برهة بتيْنِك العيْنين الصغيرتيْن الفضوليَّتيْن، ثم أزاح إصبعه وسألني بلكنة: ” إنتِ شْكُون؟”

أجبت : “نسيت؟ أنا سيّدتي لمياء، معلّمة العربيّة .”.

أردف متعجِّبا: “وِينْ كُنتْ؟”

رددت:” كنت مع تلاميذ آخرين أكبر منك، نحن لا نلتقي إلاّ مرتين في الأسبوع.”

سكت برهة يستوعب خلالها معنى كلامي، ثم سأل: “باشْ نِكْبِرْ قدْهُم؟”

رددت على الفور: “طبعا، بل ستكبر أكثر منهم، هل فهمت؟ ”

انبسطت أساريره فجأة، وأشعّت عيناه الصغيرتان ببريق جميل، فأفرج عن ابتسامة عريضة بريئة تكوّرت على إثرها وجنتاه الورديتان كتفّاحة شهية حان قِطافها، وهمس:” فهمت “.

ثمّ أعاد إبهامه إلى فمه الظريف مواصلا متعته اللذيذة .

يا ويْحي، كيف أبدأ الدرس؟ أأُعلِّمُه الألوان والأشكال وكيفيّة مسك القلم، أم آخذه في حضني أداعبه وألاعبه وأمسح على شعره وأقصّ عليه خرافات جنيّة الأماني الطيّبة، وقطّ أمي سيسي اللعين، وأبحث له عن لعب تشبه تلك التي تركها مُكرَهاً في بيته؟ أي مدْرسة ظالمة هذه؟ تسرقه من بيته الدافئ وعُشّه الأليف، وتسجنه في قسم وكرسيّ وتقنعه بدرس لا يعنيه؟ أيّ درس أقدّم لطفل جميل ظريف غائب في لذّة إصبعه، حالم بعشّه الذي غادره؟

رفع رأسه فوجد أنّي لازلت أتفحّصه، فأزاح إبهامه مندهشا ثم سألني:”تْحِبْنِي؟”. أجبت على الفور:” أفففف يا صغيري، والله نموت عليك”، فابتسم راضيا ونظر إليّ بكل حنان ثم أعاد إلى فمه أمانته، وغاص في عالمه.

لم يكن “أمين” يحتاج غير لحظة أمان وشيء يذكره بأمّه ليواصل هدوءه بانتظار ساعة الإفراج، ساعة قدوم الأمّهات التي ينتظرها كل أنداده بعيون مشدودة إلى ذلك الباب الأزرق الكبير البعيد ..

 

لمياء نويرة بوكيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.