25 يناير، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

جزيرة القيامة / خالد بوزيان موساوي

 

 جزيرة القيامة

الفصل صيف.. و الشمس من رصاص.. النهار سرمدي.. و الليل أنيس… تختلط رائحة العرق، بفوحان عطر فواكه لم تعد تنتمي لموسمها إلا بشكلها و ألوانها.. و الهروب بعيدا  للاستجمام أصبح في هكذا وغرة ركن من أركان الحياة: حلم لمن استطاع إليه سبيلا…
كنت أكتب هذه الخواطر لما سمعت حفيف و لقلقة طائر قاطع عجت به برية حديقة بيتي من على شجرة الحور العملاقة… لقد عادت إلى بيتها بعد ستة أشهر من الغياب… اسمها سيسيليا و كانت تفضل الهجرة على أن تتغذى على فرائسها من مقالب القمامة خوفا من مغامرة الرحلة الطويلة.. ويحق فيها ما قال النابغة الذبياني:
“إذا ما التقى الجمعان حلق فوقهم … عصائب طير تهتدي بعصائب”
هي من فصيلة اللقلق الماجواري، و لها أهل غيري في منطقة غرب الشيلي القارية تسمى “جزيرة القيامة” (Isla de Pascua ).
وضع العين عندها يوسع نطاق الرؤية أو يمده كما عند الصقر.. لما رمقتني، حطت على ظهري مداعبة: تعبير عن سعادة لقاء… و لقلقت بصوت ملح و هي تومئ بمنقارها الطويل إلى إحدى رجليها… كان ملفوفا حول أعلاها كيس صغير من جلد بني.. فتحته، وجدت بداخله ورقة مطوية.. قرأت ما يشبه الاسم بالأحرف اللاتينية، مذيل بكلمة  أحد مواقع التواصل الاجتماعية المشهورة.. أرسلت طلب الصداقة… و ما تأخر القبول… كانت امرأة.
سألتني على الخاص إن كنت أستطيع التواصل باللغة القشتالية (الإسبانية قديما).. و لما علمت أني أتقنها، دار هذا الحوار بعد التحية:
قالت:
ـ لا تخف، و لا تعر اهتماما لاسم جزيرتي (جزيرة القيامة)، أنا حية أرزق، كما أنت تماما. ههههه… و لست أدعو روحك لرحلة إسراء و لا لمعراج..
أجبتها: لا أخاف من الموت، فساعته مكتوبة في لوح محفوظ ، و الآخرة من أركان إيماني… من تكونين؟
كتبت، تقول:
ـ فضولي دفعني أن أتعرف للأب الروحي للقلقي الماجواري… هي مثل ابنتي.. و أمي… و أختي… و صديقتي…  هي كل أسرتي… و لما تهجرني كل موسم..أقلق عليها من غدر سرب الطيور الكاسرة، و الطائرات الحربية، و من أمطار المياه و الرصاص، و مضدات الطائرات و الصواريخ العادية و البالستية، و من الغازات السامة… قل لي رجاءً: أتمطر قنابلا في بلدكم؟
كتبت:
ـ لا… موطني آمن، و الحمد لله… دعواتك معي.. رددي معي: ” اللهم أبعد عنا شر الفتن،ما ظهر منها وما بطن،إنك أنت سميع الدعاء.اللهم آمين”… لا تخافي.. طائر اللقلق الماجواري في أمان.. هي و صغارها أسرتي.. , و أنت… أهل أهلي، أهلي…

و سارت مراسلتنا على خطى مي زيادة و جبران خليل جبران… دامت عمر اللقلق، و استمرت مع صغارها.. و لم نلتق أبدا…

د خالد بوزيان موساوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.