حقيبة …/ بقلم: ياسمين خدومة

 

 

 

 

 

 

حقيبة …/ بقلم: ياسمين خدومة

ــــــــــــــــــــــــــ

أحلام وأحاديث وأمنيات لا تنتهي كنت أرسمها منذ نعومة أظافري بحريّة كلّ الأطفال، بألوان ريشتي كنتُ أشعل الفرح دون تخطيط أو تفكير أو هدف لأنني ككلّ الأطفال لا أدرك أن الوقت الذي يذهب لا يعود٠

نكبر شيئا فشيئا وترتفع معالم لم تكن موجودة، بتقدّم العمر، تتوالد وجوه جديدة ونتعلم أكثر، تتكاثف التجارب وتتوالى الخيبات ونتنفس بين وقت وآخر بعض الفرح، جهرا نرقص طربا وسرًّا نخبئ في حقيبة دفترا بين طيّاته تنام مرآة الأعماق المحاطة بكل كبرياء وهدوء وعنفوان، بين طيّات الدفتر وجوه اختفت، مواعيد ألغيت، أحلام لاقت مصرعها اختل فيها العمر على هامشه بسبب حصاة أو حفرة انزلقت فيها القدم غيّرت كل شيء وبقيت صورته راسبة تمثل الطبقة الأعمق المتحدثة عن كل المعاني بكل معانيها بكل الأبجدية وبقايا الأبجدية وما بعد الأبجدية٠٠٠

في الحقيبة صمت كبير وبين طيات الدفتر السرّي نسجت حياة أخرى غير الحياة التي كانت، مشهد آخر يكفي لأن يغيّر كل شيء فنتحوّل به من الحياة الخارجية إلى الحياة الداخلية٠

نرجع إلى الحقيبة وملفاتها التي تعمّدنا سرّيتها خوفا على هشاشة أشيائها المتداخلة بعضها ببعض فكل ما فيها قابل للكسر٠٠ نفتحها بعدما كنا تعتقد أن الأمر صعب لضخامة المسؤولية، وبمجرد الإمساك بالأشياء نجدها تأخذنا نحو الأعماق اللانهائية عندها نقف على مرتفع ونرمي كل أثقال الدفاتر وليمة لفم الريح ونباشر بأحلام نكتبها وأحاديث وأمنيات جديدة لكن هذه المرّة – ولأننا ندرك أن الوقت الذي يذهب لا يعود – نهتم بالهدف الخيط الأوّل واختيار الألوان لذلك نراها تسأل إلى أيّ وجهة أنت ذاهب؟ يخضع لها الحرف ولا يستكين لأنه يعرف أنه من بين يدين سيخرج بقيمة صدق وفتوة قوة ومتانة حديد يتراقص على سنفونيات وإيقاعات القلب تحركه تارة إلى اليسار وأخرى إلى اليمين في طريق تاه عنا لفترات طويلة٠٠ في رسم الخيال حياة، بعض الخيال لخلق حياة شخصيات من خلال الغور داخل أفكارهم واستدعاء خواطرهم، كل ما نحتاجه لون يسيح في مجرى الصدق ليتوّج الصدق عملية تعاضد ألوان الحرّية والنقاء، في محاولة للاقتراب من الحقيقة والبحث عنها من دون كذب أو تجميل على قول شارلي شابلن “كل ما أحتاجه لصناعة كوميديا: منتزه وشرطي وفتاة جميلة ” بلغته التي كتب بها مذكراته هي شبيهة بشخصيته، بسيطة وصادقة، لذا فقد جاءت سيرته الذاتية سجلا لحياة مليئة بالمفاجآت والأحداث المتوترة٠

تبقى الكتابة موهبة، والكتابة تواضع والكتابة تحليق والكتابة هي الوعي الكبير الذي يجرّدك من أمراض الحاجة والطمع والحقد الكتابة ترفعك إلى مصاف الإنسان، سوف أستمر في الكتابة، فلا خيار لي غير أن أكتب، فعلى هذه الأرض ما يستحقّ الكتابة على حد قول صديقي طارق لحمادي.

صورة الغلاف للصديقة الرسامة Denise Eyer-Oggier


  • Related Posts

    قراءة في “ثورة غباء” للكاتبة نزيهة اليدالي الحسن/ بقلم: بوسلهام عميمر                          

    بعيدا عن نظرية  الفن للفن، قراءة في “ثورة غباء”   للكاتبة نزيهة اليدالي الحسن من موريتانيا    “ثورة غباء” أول منجز أدبي للدكتورة نزيهة اليدالي الحسن الموريتانية، كان كافيا ليمنحها…

    قراءة في القصة القصيرة “سر في صورة” للقاص الفلسطيني محمود سيف الدين الإيراني/ بقلم: فراس حج محمد

    قراءة في القصة القصيرة “سر في صورة” للقاص الفلسطيني محمود سيف الدين الإيراني فراس حج محمد| فلسطين في المجموعة القصصية للقاص محمود سيف الدين الإيراني[1] “متى ينتهي الليل”[2] وردت قصة…

    You Missed

    لا تسألني…من أكون…/ بقلم: فاطمة معروفي

    لا تسألني…من أكون…/ بقلم: فاطمة معروفي

    المحامية جيهان توماس… قبلة التائه في أمريكا / بقلم: فاطمة معروفي

    المحامية جيهان توماس… قبلة التائه في أمريكا / بقلم: فاطمة معروفي

    متى تفهموها صح؟ / بقلم: خالد السلامي

    متى تفهموها صح؟ / بقلم: خالد السلامي

    إنّما قاتلَ اللهُ الحربَ ما أبشعَها/ بقلم: فراس حج محمد

    إنّما قاتلَ اللهُ الحربَ ما أبشعَها/ بقلم: فراس حج محمد

    كتبْتُ إليكَ مِن نَبضي وقلبي/ بقلم: هدى الجاسم

    كتبْتُ إليكَ مِن نَبضي وقلبي/ بقلم: هدى الجاسم

    حتى إشعار آخر / د. بقلم: ريم  النقري

    حتى إشعار آخر / د. بقلم: ريم  النقري