حينما مكثتُ لساعاتٍ قليلة بلا حزنٍ / بقلم: عطا الله شاهين

حينما مكثتُ لساعاتٍ قليلة بلا حزنٍ
بقلم: عطا الله شاهين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاجأتني ذات مساء امرأة بكلامها، حينما قالت لي: أنتَ رقيق المشاعر، رغم الحزن القابع في عينيكَ، فمن عينيك أرى حزنا سرمديا جاثما هناك، فلماذا أنت حزينٌ.. أذكر بأنني التقيتها في طريقي، بينما كنت سائرا تحت الثلج ،ودنت مني، وطلبت سيجارة، كانت ترتجف من البردِ، وقالت: أنتظر حافلة، لكن الثلج على ما يبدو يعيق حركتها.. أشعلت لها السيجارة، وكانت تقول: أين تلك الحافلة؟ لقد تجمدت هنا، فقلت لها: ولهذا أنا لا أطيق الانتظار في جو كهذا، أحب السير تحت ندف الثلج، فلماذا لا ترافيقيني في سيري، سأقص عليك قصة حزني، ترددت المرأة في البداية، لكنها قالت يبدو من وجهكَ بأنك إنسان عصري، وراق، سأسير معك حتى أعرف سببَ حزنك، فأنا لا أحبُّ رؤية أي إنسانٍ حزين، فسرنا سوية، وقصصْتُ لها قصّتي بالتفصيل، حزنت لسماعها قصتي المحزنة، وقالت:
لا، ونسينا الحافلة، وظللْنا نسير تحت الثلج، وتجمدنا في جو بارد، وعند وصولي إلى منزلي، الذي استأجرته قبل زمن من امرأة عجوزٍ قلت لها: سأذوقكِ قهوة عربية.. ترددت وقالت: في يوم آخر، وأصررْتُ على دعوتها لاحتساء فنجان قهوة، قالت: لا بأس، سأقبل دعوتكَ، لكن بلا حزن، انسى الماضي.. أعددت القهوة وناولتها الفنجان، وأشعلت لها سيجارة في جوّ الغرفة الدافئ، وساد الصمت لفترة من الزمن، وقالت ألا تملل من وحدتك هنا؟ فقلت بلى، لكنني أعيش مع أحزاني، ها هي أحزاني أعلقها على حيطان غرفتي، فقالت كان شَرطي قبل دخولي إلى هنا بلا أي حزن، فلماذا تعيدني إلى حزنك؟ دعك من الماضي، فاعتذرت منها وقلت لها: بحضوركِ غاب الحزن، فابتسمتْ، وقالت: أتدري الوقت متأخر، ففهمت بأنها تريد الذهاب إلى وجهتها، لكن العاصفة الثلجية اشتدت، فقلت لها: لا يمكن السير الآن، فلماذا لا ترقدين هنا؟ فقالت لا بأس ، وظللنا ساهرين، وعند طلوع الفجر، قالت سأغادر، فقلت لها: بحضوركِ هربت من حزني، ولو لحين.. كانت السهرة معك مختلفة وعلى الأقل عشت جوا مغايرا، وفررت من حزني المجنون، فقالت: ولهذا فضلت المجيء إلى عندكَ كي أخرجك من جوّك الحزين.. كانت هذه الحادثة قبل عقود من الزمن بينما كنت طالبا في بلد تعشق الثلج.. يا لسهرة جنونية أنذاك مع امرأة جعلتني أنسى الحزن لساعاتٍ، لكن بمجرد مغادرتها عاد الحزن مرة أخرى واستقر في عيني …