عالمٌ أصمُّ … يشيِّعني/ بقلم: مرام عية
_______________
أتعرفونَ من أكونُ ؟!
أنا فطيرةٌ شهيَّةٌ تناهشتها أنيابُ جوعكم، وقطفةُ حبقٍ مسكونةٌ بالعطرِ دهستها عرباتكم الفارهةُ القسوةِ، أنا طوقُ زمرُّدٍ يزيّنِ جيدكم أضاعتْهُ أيادي الإهمالِ، أنا حديقةُ صنوبرٍ وارفةُ الروعةِ حوَّلتها مناجلُ إهمالكم إلى صحراءَ قاحلةٍ
وحقلُ قمحٍ سرقَ سنابلَهُ الإقطاعيون فجاعت عصافيرهُ.
أنا وطنُ العذارى اغتصبتهُ جيوشُ شهواتكم وأهوائكم . أنا جزيرةُ ماسٍ جرفتها رياحكم العاتيةُ إلى قاعُ يمٍ عميقٍ، وقصيدةٌ على غرةٌ الأبجديةِ هشَّمت معانيها الذائقةُ الرديئةُ وبدَّد صورها شتاءٌ موحشُ الرحمةِ. أنا سلالةُ الفراشُ أبادتها بنادقُ صراعاتكم على الكراسي وجمعِ الكنوز وسياساتِ القطبِ الواحدِ
أنا شهيدةُ الطفولةِ، على منضدةِ مؤتمراتكم كانت خريطةُ إعدامي، وبين مقاعدِ مجالسكم كان توثيقُ غيابي، على خشبةِ ثرائكم كانَتْ تواقيع صُلبي، مصانعُ حرمانكم المترعةُ بألوانِ الغذاءِ ومسراتِ المقاهي والفنادقِ تحتفي بجوعي مطاعمكم عجزتْ عن لقمةُ عيشي، غلبها رغيف مشطورٌ يسدُّ رمقَ ضلوعي
حافلاتُ غناكم العتيدةُ وارتني القبرَ حيَّةً لقمةً سائغةً للذئابِ، ورشتْ علي ماء الغيابِ بألفِ لعنةٍ؛ لترتاحَ عساها تبلغُ برزخ أحلامها في الخلودِ.
أيُّها العالمُ الأصمُ، يا لكَ من قطارٍ أعرجَ تسيرُ
في طريقِ الضلالِ بإرادتكَ ، لا أندم لأَنِّي تركتُ عالماً أبله ، فالترابُ الذي يضمني إلى أسرة القرنفلِ والعشبِ ترتيلةَ صفاءٍ، وطفلةَ ماءٍ، أحنى عليَّ من مخالبِ تجاهلكمِ التي نهشتْ لحمي الطري ، ومدياتِ أعينكم التي قدَّت جسدي الغضِّ بلا ورعٍ أو وازعٍ من صميرٍ ، لقد رحلتُ بنصفٍ مني إلى السَّماءِ ، وتركتُ نصفاً آخرَ ليكون شاهداً على ظلمكم ، سأشكوها قهركم وعتوكم ، سأخبرها عن حضارةِ القفرِ والجوعِ ، وفي عصرِ القريةِ الكونيةِ الصغيرةِ ، سأكونُ طعنةً قاسيةً في صدرِ العالمِ ، شوكةً في حلقهِ ، وصفعةَ عارٍ على جبين الإنسانيةِ .
_____
مرام عطية