في رعشة الماء آهات مسربة
بقلم: هدى الهرمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان مُشاع ولا علاقة له بضوضاء المدينة ولا صخب العابرين في قوارب غشّت مساحة من النهر، بينما كانت القوارير ترسو وتندلق مستسلمة للهواء العاصف المُمعن في دفعها بشكل عشوائي لتلتحم بالنهر الطويل المُوغل في الأحراش.
لكن حين انحدر نور الشمس في الأفق وغطى المياه، برز جوف الزجاج وهو يتأبط رسائل مُغلقة بشرائط حريرية ملونة، كأجنة مُرتجفة ومُعلقة في باطن شفيف.
ظلّت ترتب لسفرها في رعشة الماء الذي لا يكلّ في حركته، وظهرت بارزة أكثر فوق السطح، ثم تابعت مسارها ببطء حين أضحت تحت الجسر مُنعتقة من التيار الذي يتوعدها كل مرة ليجرفها دون وصاية ولا نهاية.
كان ثمّة ألوان طافية في زجاج لا يتوقف ارتجافه وهو يعدو في المياه، فطفقت تحتشد لتنسج هالات كأنها قوس قزح وهي تخوض في استدارة، ثم ترتطم ببعضها بفتحات ظليلة في أبط الماء لتحدث سمفونية في مجرى الماء وهو ينتفض من آهات نبتت في رسائل دسّها أصحابها بأثقال تلك الأفئدة المنعتقة من هدأة العمر، لتسحقها زجاجات عريضة، ثم طفرت نحو المجرى لتعاند مصائرها وتخرج عن طور أقدارها تتخلّلها حكايات حشرتها الدهشة والنزق من ملمس تفاصيل ضاربة في تعقّب النهايات المبتورة.
أنها رسائل أجفلت من شخوص مُشوشة، عارية من الواقع، تستجدي أغاريد الخيال دون استشفاف للحقيقة…كانت ملقاة في نهر السين، ناهلة لأسرار مثقلة بقامات بعيدة ترحل أعناقها في زرقة الماء.
#هدى الهرمي