لقد فقدت عقلها/ بقلم: آمنة بريري

لقد فقدت عقلها/ بقلم: آمنة بريري
………………..
صديقتي منهارة تماما ..لقد فقدت عقلها بعد فرار زوجها عنها إذ هاجر إلى فرنسا خلسة دون أن يعلم أحدا بما ينويه . وها قد مرّت سنتان ونصف على غيابه.
قالت في قنوط وقد ارتسمت علامات البؤس على وجهها:
ـ صدّقيني إذا قلت لك أنّ الحياة قد فقدت كلّ معنى بالنسبة لي. كلّ شيء أصبح في نظري حالك السواد ولم يعد هناك ما يسرّني أو يخفّف عنّي. لقد أصبحت حياتي مأساة دامية وكابوسا بشعا يخنق أنفاسي ويدمّر أعصابي.
فقلت لها بجدّية:
ـ أظنّك تهوّلين الأمور يا صديقتي.
نظرت إليّ نظرة مستنكرة وصاحت ثائرة:
ـ أهوّل الأمور؟ أهذا ما تظنّينه؟ خسرت زوجي وتدمّرت حياتي وغاب الفرح عن قلبي وتقولين أنّني أهوّل الأمور؟ فهل تظنّين أنّ مصيبتي هيّنة أو أنّ ما أعانيه قليل؟ إنّني في جحيم حقيقيّ وعذابي نار تتّقد داخل قلبي فلا تدع مجالا لأيّ سرور أو أيّ سعادة.
ـ عزيزتي، مهما كانت المصيبة فادحة فإنّها لن تكون قادرة على إلغاء كلّ شكل من أشكال الفرح من حياتنا. أتدرين لماذا؟ لأنّ ربّنا هو الرحمن الرحيم وهو الذي وسعت رحمته كلّ شيء. ومن مظاهر رحمته أنّه جعل مع العسر يسرا. فهو يقول في كتابه الكريم في سورة الشرح: فإنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا.
وهذا يعني أنّ كلّ نكبة من نكبات الدهر تأتي مقترنة بيسر من عند الله ولطف ورحمة تخفّف من شدّتها وحدّتها. فهذه المصيبة لو تأمّلنا جيّدا وتفكّرنا لتبيّنّا أنّها لا تمسّ إلّا جانبا معيّنا من حياتنا ولا تشمل جميع نواحيها وتبقى لنا رغم وطأتها نقاط مضيئة تحبّب إلينا العيش وتشعرنا بلذّة الوجود. فهذا أوّل الأسباب التي تحثّنا على ألا نهوّل المصيبة أو نضخّم من شأنها ونرى فيها نهاية الدنيا.
أمّا السبب الثاني فهو إدراكنا أنّ زمن نكباتنا محدود وليس مطلقا. فلا يمكن أن تكون معاناتنا منها أبديّة ما دامت مرتبطة بوجودنا في الحياة الدنيا التي هي بدورها فانية لا بدّ لها من زوال سواء طال الزمان أو قصُر.
أمّا السبب الثالث فهو الذي سنتبيّنه لو أعملنا التفكير بشكل عميق في قصّة الإنسان مع الوجود وبالتحديد علاقته بربّه .إنّ الحقيقة أنّ حياتنا الدنيا هذه بكلّ ما فيها من مراحل وأطوار وأحداث وتقلّبات ليست سوى فترة شديدة الإيجاز في مسيرة الوجود الهائلة التي أعدّها لنا الخالق .لذلك جرّبي أن تنظر إلى مدى هذه الحياة الفانية التي نعيشها الآن مقارنة بالأبد التي يمتدّ بعدها ،فهل بعد ذلك سيبقى قدرها على نفس مكانته عندك الآن ؟ثمّ قارني بين قدر ألمك من مكابدة هذا البلاء الدنيويّ المحدود وعظم الجزاء الذي ينتظرك لو صبرت عليه .إنّ نتيجة تلك المقارنة واضحة وهي تبرز بوضوح ضآلة شأن ما نختبره في الحياة الدنيا عند مقابلته بعظمة ما في الآخرة ودوامه .لذلك دعوتك صديقتي إلى عدم تهويل الأمور ووضعها في نصابها الحقيقيّ الذي يجعل تحمّلك لها أيسر وقدرتك على مواجهتها أكبر وأشدّ.