الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة 11/مادونا عسكر

أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة 11/مادونا عسكر

 

أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة

ذات (6)

“من ذا “يختار” حقّاً؟

مهما أجبتُ فسيكون الجواب شاهداً عليّ.” (*)

 

نتخطّى مع هذا التّأمل الذّاتيّ لأنسي الحاج مفهوم الحرّيّة والتّخيير والتّسيير لندخل رحاب الذّات المرهقة من اختبارات عديدة تخضع لها الإنسانيّة بعيداً عن قرارها الشّخصيّ وإرادتها الحرّة.

ما الّذي يختاره الإنسان تحديداً؟ وما أهميّة هذه الاختيارات الخاضعة للقرار الإنسانيّ في ظلّ الواقع المفروض بدءاً من الوجود الإنساني مروراً بالظّروف الواقعيّة الملزمة (الألم، المرض، الحروب، الحالة الاجتماعيّة، الحبّ، الزّواج…) وصولاً إلى الموت. وهل يختار فعلاً؟ أم إنّ الاختيار يكون مرحليّاً، أي اختيار يعقبه ندم، أو نضج يوقظ الرّغبة في العودة إلى الوراء لتغيير القرار؟

أن نتحدّث عن الحريّة الإنسانيّة على جميع المستويات فهذا يتطلّب الكثير من الوعي والنّضج ليتبيّن الإنسان أنّ مساحة الحريّة ضئيلة جداً نسبة للواقع المفروض. والأفضل في هذه الحال التّحدّث عن مراحل تحرّريّة حتّى بلوغ الحريّة التّامة.  إلّا أنّنا نشهد هذا التّحرّر التّدريجيّ في مراحل متأخّرة يكون فيها النّضج قد بلغ ذروته. فنعيد قراءة حياتنا ونعاين خضوعنا للظّروف، والواقع، والحياة بشكل عام، ووهمنا بحريّة الاختيار والقرارات الّتي تعبنا في اتّخاذها. هذا لا يعني ألّا نسعى إلى الحريّة، وليس أنسي بصدد الحثّ على ذلك وهو الثّوري المتمرّد على كلّ تقليديّ وموروث. بل إنّه بصدد إعادة قراءة للذّات على ضوء النّضج في المرحلة الأخيرة من العمر.

(من ذا “يختار” حقّاً؟)

قبل الإجابة على السّؤال ينبغي التّدقيق في الألم المتملّك من قلب أنسي، والتمعّن في مراحل حياته بدءاً من فقدان أمّه ثمّ زوجته، ناهيك عن كلّ الظّروف الحياتيّة الّتي واجهها، انتهاء بوحدته ومرضه.  ولم يأتِ جواب أنسي (مهما أجبتُ فسيكون الجواب شاهداً عليّ.) إلّا نتيجة لتأمّل عميق في مراحل الحياة، تحت وطأة الألم. أيّاً كان الجواب سيكون شاهداً على محطّات الوجع والألم الّذي لم يخترها أنسي، ولم يقوَ على التّمرّد عليها، جلّ ما استطاعه القبول والتّأمّل والتّألّم.  

“تستطيع أن تحدّ من آلامك ولكنّك ستأخذ أقلّ. على أنّ بيت القصيد ليس هنا. ليس في الإفراط أو الاعتدال، ولا في تجنّب الغوص. بل في تركيبتك، حيث لا تستطيع شيئاً في قدرك، إذا شئت. ولا يغرّنّك ذاك الحديث الحماسيّ عن الإرادة” (*)

 

 

—————

(*) ذات- كان هذا سهواً- أنسي الحاج- ص 74

(*) ذات-كان هذا سهواً-أنسي الحاج-ص 73

 

مادونا عسكر/ لبنان

شاعرة، ناقدة

عن Xalid Derik

تعليق واحد

  1. الحرية، والاختيار والجبر. قضايا قديمة قدم الانسان، ارقته كثيرا وما زالت سفنه لم ترسو بعد على شواطئ الاطمئنان والتسليم بفهم جامع لها.. وان دل هذا على شيء فهو يدل على ان هذا الانسان لغز كبير لا يقل تعقيدا وادهاشا من هذا الكون الفسيح.. احسنت الكاتبة مدونا عسكر حين ربطت الحرية بنضج الانسان ووعيه، فعلى قدر درجتهما فيه يكون قد حقق تقدما في اتجاه الحرية.. وبعتبير اخر.. الحرية منوطة بالمعرفة والعلم، والجبر والاذعان دائما ما يرتبطان بالجهل. الجبر ليس قدرا للانسان ولا هو ملازم له بالضرورة، بل هو حالة مرتبطة بنظرته للوجود وموقفه منه وبجهله ازاء الاسرار والخفايا التي تزحر في ثناياه وطواياه. وكلما وقف على سر من اسرار ذاته والكون الذي من حوله تهاوت بين يديه سلاسل الجبر واغلاله وقفز في الوقت عينه خطوات في اتجاه الحرية في مفهومها المطلق.. وصدق الامام الغزالي حينما قال. الانسان مخير فيما يعلم، مسير فيما لا يعلم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman