الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / الشاعرة نهاية كنعان- عرموش في ” عتبات الحنين “/ بقلم: شاكر فريد حسن

الشاعرة نهاية كنعان- عرموش في ” عتبات الحنين “/ بقلم: شاكر فريد حسن

 الشاعرة نهاية كنعان- عرموش في ” عتبات الحنين “

 

بقلم: شاكر فريد حسن

……………

ديوان “عتبات الحنين” الصادر قبل فترة وجيزة، عن دار صامد للطباعة والنشر والتوزيع في لبنان، وهو ديوانها الرابع بعد ” أريج الرذاذ والحبق “و ” وضفيرتان “، و ” وخيط عسل “.

 

جاء الديوان في 180 صفحة من الحجم المتوسط، بتصميم جميل، وطباعة أنيقة، ولوحة الغلاف بريشة الرسام العالمي العربي الفلسطيني وليد أبو شقرة. أما الإهداء فإلى ” الذين افتقدهم بحبي حتى يمدّوني بمدد يطيل عمري وانتظاري ويشغف شوقي ويزيد إصراري، بأن أكون برفقتهم في دار الدنيا ودار القرار، إلى روح الشيخ ناظم الحقاني وجميع الأولياء الصالحين في معارج النور “.

 

وكتب الدكتور سمير محمد أيوب استهلالية وتقديم للديوان، فحلّق في عالم نهاية الشعري، وغاص في عمق نصوصها، واستنتج أن عتبات الحنين ” مجموعة قصائد مشحونة بمعجم لغوي يعبر عن مفارقات واقع مهزوم مأزوم، يفضي إلى غضب مقاوم، تمثل الأدب الملتزم مضمونًا وإفصاحا بامتياز وفق غائية ترتقي إلى الوطن وحلم أهله. وهي منحازة لوعيها، تتنقل بين حنين إلى الماضي، والحنين لأمل حائر منطلق نحو مستقبل في نهاية النفق “.

 

نهاية كنعان-عرموش صوت شعري عذب ورقيق له حضوره وصداه في الساحة الأدبية المحلية وبين الأوساط والمحافل الثقافية في بلادنا، عرفناها منذ أكثر من ربع قرن من خلال ما كانت تنشره من قصائد وخواطر وصور قلمية وقصص قصيرة على صفحات جريدة ” الاتحاد ” العريقة وسواها من الدوريات والملاحق الأدبية والثقافية. وعلى امتداد هذه السنوات اشتغلت على موهبتها، وعملت على صقل شخصيتها، وتطوير أدواتها، وإثراء تجربتها حتى وصلت ما وصلت إليه وبلغته من مستوى رفيع في هذا الديوان الماتع، الذي يشتمل على قصائد في غاية الصدق والسبك والجمال الفني والتعبيري، تستهله بقصيدة فيها لوعة وحزن وشجن وشوق وذكريات صاخبة، كتبتها لروح والدها، تقول في مطلعها:

 

ما بينَ الحُبّ والمّطر

 

ذكرياتٌ صاخبةٌ

 

تَنْهل على صدريَ بالأناهيد

 

تُثقِلُ الدمع بالتفاتةِ

 

نحو الصّدى لرأيٍ سديدِ

 

يا مالكَ العمرِ

 

صدَأتْ طُرقاتي

 

مِنْ غيابِ خّطواتِك

 

بالشوقِ الأكيدِ

 

ومن يقرأ الديوان يلمس أن نهاية كنعان- عرموش ليست شاعرة تتألق في شعرها الصناعة الفنية أو تزخر بموهبة الشعر فحسب، إنما هي شاعرة كصفاء الماء، مرهفة الإحساس، حريرية الحروف، تحمل في نصوصها مع القيمة الجمالية قيمًا فكرية وإنسانية ودينية كبيره، وفنها يمتزج بإنسانيتها ووطنيها الصادقة وإيمانها العقيدي، ونصوصها مستمدة ومستلهمة من ينابيع شاعريتها الملهمة وفكرها الواعي وعقلها الناضج، ونلمح النزعة الإنسانية تُلوّن قصيدتها التي تجيء منسابة واضحة بعيدًا عن التقريرية والمباشرة، دون ترهل وضبابية وافتعال وحشو مفرط، بل بشفافية وتلقائية، وجمالية صورها الشعرية تعكس شغفًا بلغة السحر والبيان، وأسلوبها البوحي التعبيري يبلغ غاية الإتقان في الإيحاء. إنها تكتب قصيدتها بإحساسها العالي ونبضها الوجداني وروحها الشاعرية المرهفة وخيالها الخصب، وترسم كلماتها المتناسقة عبر لوحة فنية إبداعية متعددة الألوان والصور التي يستذوقها القارئ، بكل طلاوتها ورونقها ونكهتها الخاصة وصورها الفاتنة.

 

نهاية كنعان- عرموش تنساب في قصائد ” عتبات الحنين ” انسيابًا ثريًا متدفقًا سلسًا، بمضامينها وعناوينها وثيماتها، وتقدم لنا نصوصًا من الشعر الوجداني الحنيني والوطني العشقي، يجمع مواطن الجمال، ويجمع ايضًا بين العاطفة والحنين للماضي والمستقبل المنظور، والوطن، والحالة السياسية والاجتماعية، وتصوير الهم والوجع اليومي والتمسك بالثرى وتراب الوطن. وإننا نجد أنفسنا أمام شاعرة اتخذت الحرف الأنيق معبدًا ترتل فيه ترانيم العشق وأناشيد الحب والحنين لوطنها الغالي المقدس، وتعلن فيه وفاءها له، والفخر بأبنائه الصامدين فوق أرضه رغم الليل الطويل والآفاق المظلمة.

 

وبالرومانسية المتعانقة مع الطبيعة وكائناتها المتوحدة تتجلى رؤى نهاية ونظرتها إلى الحياة والوجود، ونشعر بالقلق الوجودي الطافح الذي يطفو على سطح كلماتها، المشبع بفكر وفلسفة واعية بمنطق الأشياء، وبواقعية تؤمن بالإرادة والقدرة على التعبير، وبذاتها الشعرية الوثابة المفعمة بالعنفوان، تتوهج فنيًا وجماليًا بلغتها الموحية الشفافة الشجية المترعة بالنداوة، والموسيقى الصافية الهادئة، ولنسمعها تقول في قصيدتها ” غائبة “:

 

غائبةٌ في سهادي

 

بينَ ملامحِكَ

 

أضيعُ وأضيعُ

 

وأنيني معَكَ

 

أحبُّك ولا أريدُ الا أمسحَ أدمعَكِ

 

يا بحري

 

ما أعمقَكَ

 

لؤلؤة أن أغوصَ

 

في حسرة مرادي

 

يا قيودي ..

 

ما أطيبَ معشرِكَ

 

يا حفنةَ دمعِي ..

 

يا مطرِي الشادي بعبقِي

 

والوطن في قصائد الديوان هو الحُبّ والجمال، والحُبّ هو الوطن، وما الفاصلة بينهما سوى حُبّ جدلي عميق كامن في الوجدان، فهي ” تكتب تاريخًا يضم قارورة عطر، عصارتها وطن مذاب بدمها، بالحبر الباقي في أقلامنا “، وهو الوطن ” الشامخ المعشش في ضياعنا، أينما رحلنا، وأينما غبنا “، و “نحن غاباته المتشابكة في رحمه “، وهي ” المتناسقة في آفاقه، المحلقة بعطرها في أجوائه “، تصنع ” توازنًا وأحلامًا نقيّة “.

 

وفي الديوان الكثير من الومضات الشعرية المكثفة الهامسة الطافحة بالرقة، التي تحاكي خلجات النفس، بالمقابل مع قصائد أكثر طولًا، منها على سبيل المثال لا الحصر:” أنا شمس، قدْ تمرُّ، حنين، عشقي، جناحي، حفنة دمعي، مُثْقَلونَ، نعم، مطر، عمري، أحلام ” وغيرها.

 

ونلحظ في نصوص ديوان نهاية النفس الشعري والتجلي والسمو التخيلي الشفاف، وبراعة التصوير، والتعبير الحسي من خلال السهولة والانسيابية في الألفاظ والمعاني البعيدة عن التعقيد والصعوبة والوعورة، وتجيء قصائدها كالشهد والبلسم، متشحة ومصبوغة وزاخرة بالصور الفنية الموحية العميقة بمغزاها وأبعادها وجماليتها، ولا أدل على ذلك من قصيدتها ” تراني “، حيث تقول:

 

أبحثُ عنكَ

 

في دواخلي

 

وقد ضيَّعتُكَ

 

بين أروقة عُهودي

 

التي لا تُطالُ

 

فاقتحمتَ

 

تربَّعتَ وافترشتَ روحي

 

وأقبلتَ

 

وامتلكتَ

 

أأنتَ المشتاقُ مثليَ

 

وتعلمُ بجنونِ عشقي

 

الذي به أدمنتُ؟!

 

ديوان “عتبات الحنين” لنهاية كنعان- عرموش يشي بشاعرية مرهفة، متدفقة وجياشة بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية والوطنية، وخيالٍ مجنحٍ بمنطق الإبداع القائم على التكثيف والإيحاءات والمفارقات والمعنى البديع، لا تترك أي حالة شعورية دون أن تسطرها وتصوغ لحظتها بالسبك المتين والتعبير الجمالي الحسي الحي، بصور كلامية خلّابة، وأوصاف وتشبيهات واستعارات بلاغية، وتصوير يثير الوجدان ويحرك العواطف، وهذا هو الشعر…!

 

 

 

باختصار شديد، نهاية كنعان-عرموش في ديوانها، شاعرة أنيقة بحروفها ومفرداتها وجملتها، جزلة العبارة، ولقصيدتها رونق لا يخفى، ولعلني أتفق مع الدكتور سمير محمد أيوب بأن الديوان يستحق أن يقرأ بتبصر، وحقًا أنني تبصرته واستمتعت بقراءته.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman