الرئيسية / خواطر ونصوص شعرية / الليلُ يسطو …. على أساورِ النجومُ/ بقلم: مرام عطية

الليلُ يسطو …. على أساورِ النجومُ/ بقلم: مرام عطية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الليلُ يسطو …. على أساورِ النجومُ/ بقلم: مرام عطية

___________________________

مكثَ الشتاءُ طويلا في بلادي ، كأنهُ طابَ له المقامُ في بلاد الشمسِ ، فاكفهرَّ النهاراتُ السعيدةُ ، و وطدَّ القهرُ أوتادَ خيامهِ المسمومةِ ، سطا ليلهُ على أساورِ النجومِ ، والتهم صقيعُ حرائقهُ سبعةَ عصافيرَ  بلقمةٍ واحدةٍ ، ولم يشبعْ ومازالَ كانونُ العاتي يسفكُ الجرائمَ ، يزرعُ التسولَ على الطرقاتِ ، و يبذرُ الخوفَ في الأفئدةِ  والضلوعِ ، عشتارُ الخصبُ التي تحملتْ الأنواءَ وسياطَ الجوعِ ، و تجذَّرتْ أمامَ عصفِ الريحِ كسنديانةٍ ،صارت أرضاً قاحلةً ، وقعتْ بين فكي وحشٍ الموتُ أو التَّسولُ ، وما أصعب أن تريق ماء وجهكَ أمام الآخرين ! ، تمرُ الساعاتُ ثقيلةً على روحها اليوم ،كصخرةٍ ضخمةٍ تجثمُ على وريقاتِ حبقٍ نديةٍ، عجلاتُ الحاضرِ تطحنها كسنابلِ قمحٍ ، و تذروها كزورقٍ تتلاعبُ به أمواجُ البحر في كلِّ الاتجاهاتِ ، الحربُ شيَّعتْ الفرحَ والأمانِ في قلبها، و تركتها كسيرةَ الروحِ مع خمسةِ أطفالٍ في حضنِ العوزِ والفاقةِ، يفترشونَ أسرَّةً كالقبورِ في غرفة قاتمةٍ ، تسيجهم خيمةُ البؤسِ مموَّهةً بجدرانٍ إسمنتية و أبوابٍ مفتوحةٍ للشقاءِ ، لا نوافذَ للحياةِ فيها ، ولا ماءَ يطفئ نيرانِ الأنين.

الزمنُ الذي ابتسمَ لعينيها يوماً ، ومنحها وسامَ الأمومةِ ، وتاجَ الجمالِ ، صارَ  مرَّاً ، تناسلَ  أذىً وتنكيلاً ، سرقَ اليومَ لقمةَ عيشها ودفءَ الأمانِ ، و رماها  مع أبنائها تحتَ مقصلةِ الذلِ الوخيمةِ في مستنقعٍ آسنٍ، شربتْ من كؤوسهِ اللؤمَ والإهمالِ ، حفظتْ خطاها جيداً دروبُ المدينةِ المقفلةُ عن الإنسانيةِ ، المكتظةِ بأطباقِ النفاقِ القشيبةِ اليوميةِ،  كما تجاهلتها قلوبُ الأثرياء النحاسية ، فحولتها من نحلةٍ مجتهدةِ تقطفُ بحبورٍ العسلَ لأسرتها إلى متسولةٍ بقناعِ منجمةٍ  مستجديةٍ ، تقرأ أكفِّ المارةِ كلَّ يومٍ ،  رثاها نايُ المساءُ وهي تضمً عصافيرها الصغارَ إلى صدرها ، وتهمس في أذنِ الأثير أغنيها الحزينةَ :

أينَ أنتَ يا وطني؟ بحثتُ عنكَ كثيراً، لم أجدكَ إلا في مخيلتي، وراء سلالِ الأقنعةِ، عالمُ عقيمٌ موشومٌ بالجشعِ، وخلفَ خصبِ الاتصالاتِ صحراء الانحدارِ، تصلبتْ أوردةُ الإنسانيةِ ارتفعَ منسوبُ الأنانيةِ، وانخفضَ نبضُ الحبُّ الدافئ، وجرفني اليأسُ إلى بئرٍ عميقةٍ، ألبسني التسوُّلُ ثيابهُ، وضمني نعجةً جديدةً إلى قطيعهِ البائسِ، اعذرني إذا صارَ الاستجداءُ هو الطريقَ الوحيدَ للوصولِ إلى مرفأ أمانٍ يدفعُ عن أولادي زحفَ جيوشِ الجوعَ والبردَ والتشردَ.

ما أقساكَ أيها القدرُ الأحمقُ !! ترجم أفئدةَ الحمائمِ بحجارتكَ، وتسوقُ أطنانَ الدولاراتِ وسلالَ الياقوتِ والزمردِ للجشعين والأثرياءِ.

_________

مرام عطية

 

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman