الرئيسية / قصة / رسائل الأمهات/ بقلم: إبراهيم أمين مؤمن

رسائل الأمهات/ بقلم: إبراهيم أمين مؤمن

رسائل الأمهات/ بقلم: إبراهيم أمين مؤمن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعالتْ صرخات أمه فاطمة بنت الحق، أسرع إليها ولدها أحمد فتفجع لصراخها وارتعد رغم ارتفاع درجة حرارة الجو، فوجدها تتألم كثيراً، فقال لها مالكِ يا أمي ؟، فقالتْ كادتْ أفعال الخلْق تشقُّ رأسي يا ولدي.

وبمجرد أنْ انتهتْ من كلمتها فتكتْ بها غيبوبة السكر ففقدتْ الوعي.

وما غيبوبة السكر التى تعانيها إلا تلك المظاهر الخادعة والابتسامات الزائفة التي تبدو حُلوة على وجوه أصحابها ولكنها تتوارى خلف قلوب حَرَابِيُّ وشفاه تحمل العلقم، قلوب ماكرة من البشر.

تركها وأسرع نحو منطقة تسمى أم المدن حيث هي المنطقة الوحيدة التي كُلف بالذهاب إليها لإحضار الدواء لإنقاذ أمه بنت الحق.

دلفَ أمّ المدن، فلما أصبح في باطنها وجد الشر تغلغل في أهلها أكثر من ذي قبل، زنىً ووأد بنات وحروب عصابات وشرب خمر وتماثيل لعرايا تملأ أرجاء المدينة كلها.

فاشمئز ونفر ونأى بنفسه بقدر ما يستطيع عن هذه الفواحش كلها وأسرع دالفاً نحو مدخل البناية التي بها الدواء.

إذْ أنه يعلم علم اليقين أنّ دواء أمّه فيه الشفاء لهم ولها، فحماية الأمومة منَ الموت هو شفاء لهم كلهم.

فوجد على البناية رجلاً حسن المظهر لكنه خبيث يُدعى أبى النار، ورجل ضخم المنكبين مفتول العضلات ويدعى أبى الغضب.

فلم يثنه ذلك عن المضي قُدماً نحو الباب وبكل عزيمة وإرادة لا تُقهر، أقبل عليهما محاولاً الاقتحام لحضور رسالة الدواء.

فلما لمس أبو الغضب ذاك الصبو منه وتأففه وتسفيهه لعادات وتقاليد أم المدن التي يحكمها نهره، بينما آثر أبو النار الصمت لحين ما ستسفر عنه هذه المنازعات.

قال أحمد: أنا مرسل من أمي، تعرفونها بالطبع، تريد الدواء فاتركانى أدخل.

قال أبو الغضب بصوت جهوري: سأحول بينك وبين الدواء فأنتَ تحاول أن تعالج أمّك التي ما تكفّ أبداً عن لعننا وسبنا والتنقيص من أقدارنا.

وما زال أبو النار صامتاً لا يتكلم.

فلم يجد أحمد بُدّاً من الصراخ في القوم الذين يكرهون أبو الغضب والنار معاً ليستعين بهم على إحياء بنت الحق أمّه بالسماح له بالحصول على الدواء.

فصرخ فيهم أنْ هلمّوا إلى، فلما حضروا قال لهم أنى أريد الدواء لإحياء بنت الحق أمي، إنها على مشارف الموت، وهذا الرجل يحول بيني وبين مرادي.

فالتفوا حوله كاظمين غيظهم من فعل أبى الغضب وحاولوا مساندته بالنظرة والإشارة والإيحاء بالا يهن ولا تستكن عزيمته.

وأخيرًا تكلم أبو النار قائلاً. تبّاً لك، أتهيج علينا أهل مدينتنا من أجل دوائك، أتشغلنا عما نحن فيه من معاشرة النساء وشرب الخمر والتمتع بالنظر إلى تماثيلنا من أجل ذلك، واستطرد. إنْ لمْ تنته لنقاتلنك.

غضب أحد السادة العدول لتوعد أبى النار له ومضى قُدماً إلى أحمد ليثنيه عن ذلك والبحث عن دوائه في مكان آخر.

فردّ عليه أحمد قائلاً. والله يا أبتِ لو وضعوني في مِقلاع وألقوا بي في باطن الشمس ما تركتُ بنت الحق أمي بلا دواء، هو هنا وهم يعلمون أنه لا حيلة لي الآن. فأنا مأمور.

فكلمه لفيف ممن عاداه ساخرين بعد أن التفوا حول أبى الغضب. أتريد الدواء؟ أفجرْ لنا ينبوعًا من الماء، أو ائْتِنَا بطبيبك أو أحد رسله فنحن لا نؤمن بما تقول، نحن لا نصدقك، نحن على الصدق سائرين وأنت صابئٌ كاذبٌ ساحرٌ تريد أن تُهيج علينا أهلنا.

فلما التف حوله بعضُ أهل أمّ المدن يناصرونه لإحضار الدواء لأمّه بعد أنْ تركوا أهليهم وذويهم الذين يعادونه توعدوه، فجرى وسعوْا خلفه ليفتكوا به.

 دخل على أمّه وهي على مشارف الموت فكلمها بأنّ أكابر ومجرمي المدينة منعوه، بل وربما يأتوا هنا ليقتلوه.

فقالتْ له لابد أن نهجر المكان، إحملني إلى أرض تجد فيها دوائي. إحملني يا أحمد.

وبمجرد أن حمل أمّه على كتفيه، وهمّ بالخروج وجدهم على الباب مدججين بالأسلحة الذرية والأسلحة النارية فقال لأمّه ..

أين المخدر الذي كنتُ أخدرك به أثناء صراخك؟ فناولته إيّاه فنظر من شرفة المنزل والقى عليهم المخدر وكان كثيرًا جدًا فتخدروًا جميعًا وسقطوا تِباعاً.

 أخذ أمّه وخرج متجهاً إلى حيث بلدة أم القناديل لإحياء بنت الحق.

أفاقوا جميعًا ودخلوا المنزل فلم يجدوا فيها أحداً فعلموا أنه خرج متجهاً إلى أحد أعدائهم ليؤازروه على إحياء الحق الذي يتبناه ويجلس طاعة له، فتبعوه، لكنهم لم يدركوه حيث قد وصل وبدأوا جميعاً في إعداد العدة لصناعة الدواء كي تحيا بنت الحق أمّه.

 

                                                        إبراهيم أمين مؤمن

                        8-8-2019

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman