الرئيسية / قصة / غمامات المسك/ بقلم: رشا السيد أحمد

غمامات المسك/ بقلم: رشا السيد أحمد

غمامات المسك/ بقلم: رشا السيد أحمد

للمجاهدين في تاريخ الأوطان تيجان تزينها ولا ترحل وإن هم رحلوا

قصتي

ورقة من صندوق الزمرد

بقلم الشريفة رشا السيد أحمد المفتي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غمامات المسك

الجو في الخارج شتوي، نعم إنها أواخر شهر كانون الثاني والثلج يتهامى من السماء وفيما صوته يتهامى على قلبي رهيفاً أرق من نفناف الثلج وهو يعانق حضن الجو أمامي وأبحرت عيناي بتساقط قطع الثلج الخفيفة ببياضها الناصع وهو يهمي للأسفل وعدت بقلبي ونفسي أنظر في قلبه وعينيه …

وراح يحدثني ورحت بشوق يضمخ حنايا قلبي استمعه، فيما روحي ترقص فرحا بحضوره

كيف حدثت المعجزة ووجدته أخيرا أمامي وهنا في هذا الكون الشاسع شريك الروح إنها محبة الله الواسعة، يختلج السؤال داخلي؟

قال اشتقتك حبيبتي مسافات لا يعلمها إلا الله سبحانه وصرت أخاف أن أقول اشتقتك كي لا تزيد المسافات بيننا أكثر

ـ وا شريك الروح …

رغم ذاك أقول لكَ اشتقتك واشتقتك أكثر مما اشتقتني من هنا حتى أبعد نجمة خلقها الله

ـ فدتك روحي ((وأحبكَ أكثر مما تحبينني حبيبتي)) ولا تجادلني في ذلك!

ـ حفظ الله لي روحك نسمة الروح …

لكن لماذا حبيبي أنت متأكد لهذه الدرجة بأنك الأكثر؟!

ـ لأن الله سبحانه يملئ قلبي وهو أكبر من هذا الكون، إذًا فقلبي أكبر من هذا الكون وأحبك ولم أحبب من قبلك بشرا بل كنت أودهم فقط

ـ أعلم ما تقصد وقلبي يملأه عشق الله فوق كل ما في هذا الكون وأنت تعرف أني عرفاتية ما رأيك الآن ؟!

أيها البهي كيف تملك حواسي العميقات بقلبكَ الرهف كيف يهرع إليك كل ما بي دون إرادتي وبإرادتي … لماذا أنت الآن ؟!

ـ يا أبهى نساء الأرض … إنك تتساءلين عن أشياء خفيات منذ بداية لقائنا لا تتساءلي عما أراده الله ستعلمين كل شيء حين يريد

ـ لسانك الجميل هذا ماذا أفعل به يفتن علي دون أن أتكلم ؟!!!

ـ لأني بقيتك أحدثك من نفسك

ـ بل كلي يا أنتَ … الله الله لعيونك المتبصرة التي تسرقني من الكون كله

 

حبيبي هل ستحضر حفل التكريم الذي ستقيمه الحكومة؟

ـ لن أحضره مع أولئك الخونة العملاء، لن أجعلهم يحتفلون بذكرى مجاهد ولن أشاركهم

والمجاهدين اللذين خاضوا الحروب دفاعا عن الأوطان يكرهون خونة الوطن ونفاقهم فكيف سأسمح لهم أن يحتفلوا بمجاهد ؟؟!!!!

لقد بقي يجاهد بجسده وبكلمته الحرة وبكل ما يستطيع حتى آخر أنفاسه، ما زال صدى كلماته يتردد فوق ألسنة الجموع بكل الاحتفالات الوطنية

لم يستطيعوا شراؤه بالدولار ولا بالدينار ولا بكل العملات لأن الوطن بالنسبة له كان قدس الأقداس كما لكل مجاهد

لن أنسى عشقه لمدينته وعيناه ترقب القدس من أعلى مدينتنا كل يوم ولوطنه كله وقصص جهاده على أرض فلسطين والوطن

لن أنسى ملاحقاته السياسية والأمنية العلنية في شبابه وفيما بعد السرية رغم أنه تجاوز حد المراقبة ورغم مكانته الخاصة لديهم، فما كان يهمه من الحكم إلا أن يكون الناس والوطن بخير ليس إلا

لن أنسى قصصه الموجعة عما عاناه بداية حياته، لن أنسى أثر السياط في جسده الطاهر حين توفي رحمه الله، فحين دخلت لغسله مع أخي وعمومتي، كانت تلك السياط القديمة جدا ما زالت ألسنتها منحوتة على جسده الطاهر ولم تمحها عنه طول السنين ولأول مرة في حياتي كنت أراها ففوجئت بوجع فوق ما بي لفراقه.

أوجعتني رؤيتها حد العمق، وما زالت الصورة محفورة برأسي إثر تعذيبه في السجن على يد الاحتلال حتى الآن، وكل ذلك فقط من أجل كلمة حق من أجل الوطن ألقاها ذات حين … كان يرفض بيع الوطن لأعداء الأمة لم يكن يخاف إلا الله

ـ يا لهم من ظلمة !!

حبيبي ما لم يحدثكم عنه حيا حدثكم عنه الجسد بعد سنين طويلة عند رحيله

ـ الوحوش لم يرحموه في السجن ولا خارجه ذاك الوقت

 

في استشراق تلك الليلة الرهفة البوح فجأة قفز لقلبي حزن العالم وغضبه وحمدت الله على كل شيء فقد قسم الله له أن يكون مجاهدا شريفاً متذ فتوته

فيما هم كانوا سراقا للوطن وستبقى أسماؤهم موشومة بذلك أبد الدهر فقد كان رحمه الله ثابتاً على مواقفه الوطنية تجاه الاحتلال الإنكليزي والفرنسي والإسرائيلي

لن أنسى غمامات المسك التي فاحت من جسده ونحن نغسله فقد كانت أكبر غمامات للمسك أشتمها في حياتي

لن أنسى جسده كيف كان يتلألأ نوراً وهو بين يدي، لن أنسى مواقفه الوطنية التي تربى عليها وأورثنا إياها

 

أخذني الضيق ألما وهو يحدثني عن سياط الظلم التي لم تفارق جسده طوال تلك السنوات، وراحت تنسكب من عيني الدموع بصمت فهرعت أرى وجه السماء ليلا، كدت أختنق فوقفت أستمع كلماته وأنظر من نافذتي الواسعة جدا بعد أن أزحت الستارة

فأصابني الدهش حينما نظرت !!!

كانت السماء ذهبية تتهامى بنثار ذهبي رقيق للغاية يضيء فضاء المدينة وينعكس على الثلج الذي غطى الأسطح القرميدية أمامي وغطى الأشجار العالية جدا في الحديقة وغطى الشوارع وكل ما حولي، انبهرت لشدة جمال المنظر وانبهرت أكثر بتلألأ السماء الذهبي الفاتن

كأن الشرفات العلوية فتحت أبوابها بهدوء فيما ذاك الغضب العارم الذي كان يجتاحني بصمت رهيب راح يهدأ، بينما السماء راحت تهمي بسكينة غريبة بين أضلعي وكأن الله يقول لي وحده نور الحق يبقى وجحافل الظلمة تندثر إلى غير رجعة ذات حين، وحدهم قناديل الحق من يضيئون الكون ووحده النور العظيم صاحب الكون فلا تحزني

أعلم كم تعزين ذاك الغريد بالحق!

لم أرى من قبل مدينة ذهبية رهفة للغاية بسمائها الشفيفة المبهرة حد الدهش بأرضها وبيوتها وشوارعها الذهبية كما الآن … لم أرى من قبل الذهب يتهامى غمامات رهفة مضيئة على الأرض كما هذه الليلة إنه الوجود يكشف عن وجهه الخفي لأحبته حين يشاء

فيما كانت الساعة تقترب من الثالثة ليلاً تدحرجت آخر دمعة تعانق ابتسامة السماء التي أومأت بطرفها لي

وكلماته ما زالت تهمي بقلبي كنثار الضوء أمامي

يا لهم لن يقتلوا الشمس، لن يشنقوا القمر، لن يطالوا بأيدهم وجه السماء، وحدها القلوب المعطاءة بصدق من تلمس وجه السماء وتصل الله ويصلها بحب .

 

التاريخ

ذات تجلي وخريدة شوق

رشا السيد أحمد المفتي/ درزدن ـ ألمانيا 15. 2 . 2019

عن Xalid Derik

تعليق واحد

  1. وكأن الله يقول لي وحده نور الحق يبقى وجحافل الظلمة تندثر إلى غير رجعة ذات حين، وحدهم قناديل الحق من يضيئون الكون ووحده النور العظيم صاحب الكون فلا تحزني
    أسلوب رائع
    وقصة أكثر روعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman