الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة نقدية لمجموعة (وشم الأنا) ،للكاتبة فتيحة سبع/ بقلم: حسناء بن نويرة

قراءة نقدية لمجموعة (وشم الأنا) ،للكاتبة فتيحة سبع/ بقلم: حسناء بن نويرة

قراءة نقدية لمجموعة (وشم الأنا)

للكاتبة فتيحة سبع

بقلم: حسناء بن نويرة

ـــــــــــــــــــ

المحطات الحياتيّة وما وراء الأنا في مجموعة القاصة الجزائرية “فتيحة سبع”…

لعلّنا حين نقرأ الأدب بكلّ أجناسه، والقصص القصيرة على نحوٍ خاصّ، نسعى من خلالها إلى مرافقة مسايرة ومقاسمة جميلة تتمّثل في تحصيل المعرفة أولاً. وفي الانجذاب إلى الفن والاقتراب من الذّات الكاتبة واستشعار جوهرها ثانيًا، وذلك من أجل تحسس الدفقة الإبداعيّة، وفهم ما ترمي إليه الأصوات الداخليّة والأفكار المطروحة، فالأدب برمته مُحاكاة للآخر.. والقصة القصيرة برمتها مقرونة بالسؤال، والحقائق المتجلّية والصور الحيّة التي توحي بالبعث والتجدّد والحياة. وبناءً على هذا فإنّ القصة تحتاج إلى قارئ نوعيّ باستطاعته استنتاج المكمن الحقيقيّ للأحداث المسرودة والشخوص والإطار الزمكاني والفحوى والتفاصيل الأخرى. فقد سبق لكاتبة الخيال العلمي الأمريكية “أورسولا لي جوين” أن صرحت بذلك قائلة : “القصة غير المقروءة ليست قصة، إنّها إشارات صغيرة على الشجر، القارئ يجعلها حيّة، والشيء الحيّ قصة”. وبدوري كقارئة ارتأيت هذا المساء أن أسلّط الضّوء على مجموعة قصصيّة فارقة المعنى والمغزى، من شأنها رفع سقف الأدب الجزائريّ عاليًا، مجموعة رشيقة من 84 صفحة، صدرت عن دار “خيال للنشر والترجمة” العام الماضي، بعنوان “وشم الأنا” لمؤلفتها القاصة الجزائرية ” فتيحة سبع”. والتي قدّم لها الكاتب والنّاقد السعودي “مشعل العبادي” بشموليّة سوسيولوجيّة عارفة، كمّا خصّها بدراسة نقديّة مُتمرّسة ومُقنعة.

القاصة “فتيحة سبع” ابنة ولاية “تيارت”، قلم أنثويّ طاغ في الحظوة والمكانة، قلم مبتكر، ساخر، ومناهض ضدّ الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي، قلم ساخط على التدمير الذّاتي والعنصرية والمحسوبية بشتّى أنواعها. “فتيحة” التي تعتبر الكتابة بمثابة السلاح الذي تبارك به ثوراتها والمسلك الرّحيب والفيض السائل الذي يعكس لنا صوت أعماقها. قاصة متفرّدة عُرفت بنضج تجربتها، وبإدراكها البليغ لعناصر القصّة القصيرة، وبراعتها اللافتة في الاشتغال المُبتكر، والأسلوب المُحنك الجاد. قاصة أرخت لموهبتها حيّزا كبيرا، وارتكز تميّزها في الحقل الثّقافي بشكل جليّ، ففي رصيدها سيرة إبداعيّة عريقة، وأعمال نوعيّة متعدّدة على مدى سنوات متباعدة: كالمقالات والحوارات والإنتاجات القصصيّة. تلك التي ساهمت في تعزيز المكتبة والمنجز الأدبي الجزائري والعربي.

“وشم الأنا” عنوان أحالني إلى انزياح المفهوم العام للذّات كمعيار خاص ملموس ومحسوس، فجلّ القصص المطروحة ها هنا تتجوهرعلى خصوصية بالغة اتّسمت بالكتابة النقيضة أو العكسية، بدءًا من ذكاء القاصة في تمهيد مفهومها التحليليّ والمعرفيّ العميق بقاموس ثريّ مبنيّ على التّأويل والإيحاء والتّضاد والخروج عن العاديّ والسائد المألوف. فاتّخذت محل عناوين القصص كلمات يوميّة متدوالة لم يسبق لأحد التطرق إليها بشكل يترجم ويعكس التفسيرات الملائمة لزمن “الأنا”. هذه “الأنا” المرضية المُثقلة التي قد تلتصق بأيّ شخص منّا. ومن بين الكلمات التي تطرّقت إليها وأدلت بها في قصصها:
الصدق/ الحب/ الصداقة/ الحيلة/ النفاق/ الديمقراطية/ العمل/ الوطن/ المرأة/ الرجل/ المبدأ/ السعادة/ السياسة/ الكاتب/ والربيع.
مع تخصيصها لكلّ كلمة معنًا وبعدًا، يتماشى وفقًا لما وشمه زمن “الأنا”. فأخذت بذلك المصطلحات والمعاني في حياتنا لونا آخر، وتفسيرا آخر، وترجمة مُغايرة فرضتها مطالب النّفس وإغراءاتها وأهواؤها التي لا تنتهي في زمن تقديم المصالح الشخصيّة على حساب المصالح العامة، زمن الغش، والنّرجسيّة القاتلة. فأبدعت بذلك القاصة “فتيحة سبع” في المزج بين المصطلح والمصطلح النقيض له. ممّا استفزّت خيال القارئ، وأثارت فضوله للولوج أكثر نحو تصورات وآفاق مفتوحة على الدهشة، والمنذورة للتأمّل والحكمة والصدق في التّعاطي.

  • “وشم الأنا” مجموعة تُقرأ بعناية وبإمعان فائق، وبإصغاء دقيق، لأنّها جديرة بالانتشار والقراءات المختلفة، نظرًا لما جادت به من أفكار ورؤى وتأثير وجدانيّ وسمات إبداعيّة خلّاقة، وممّا دعت له من تغيير وسحق للذهنيات الرجعيّة المتخلّفة، والسلوكات المُفرغة من البعد الكونيّ والنزعة الإنسانيّة وقضايا الوجود.

عن Joody atasii

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

(حينَ عشِقْتُ روحَكَ… / بقلم: سلوى الغانم

كان لي مع عينيك رحلةً طويلة حكاية خيال.. ومُزُنِ حُبٍّ.. لا أرتوي ...

عاشقتي… /بقلم: سلمان إبراهيم الخليل

مدي ذراعيك وعانقي احلامي يشدني الحنين في غربتي يغوص في شغف أيامي ...

يثقلني الهدوء…/ بقلم: فوزية اوزدمير

تقتحمني حمى الليل برعونتها السردية غير المتأججة ، بعينين لامعتين حانقتين ، ...

عيناكَ… / بقلم: راميار سلمان

عَيْنَاكَ أمطار صَيْفِيَّة تراتيل عشق صوفية وَ دهشة قبلة هَارِبةٌ مِن لهفة ...

قبيل انسدال الستار/ بقلم: أنور يسر

لأحكي من السرد كل الرواية قبيل انسدال الستار ضعوا في جيوب (الأنا) ...

سأمقت كل اجزائي/ بقلم:سهام الباري

  سأمقتُ كلّ أجزائي وأدفنُ ذلك الجوهر وأنقشُ ريشتي السودا لتطمس عيده ...

يا حبيبتي../ بقلم : محمود صالح

أثِقُ بالقصيدةِ عندما تُلقي برأسِها المُجْهَدِ على صدرِك لدَيها من الوفاءِ .. ...

أجنحة اليقين / بقلم: رشا فاروق

على ثوب الليل حفرت آهتي كانت الريح تحمل وحدتي قصيدة تتلوها العواصف ...

واحة الفكر Mêrga raman