الرئيسية / خواطر ونصوص شعرية /  اختيالُ الطينِ وفلسفةُ الأنهارِ/ بقلم: مرام عطية

 اختيالُ الطينِ وفلسفةُ الأنهارِ/ بقلم: مرام عطية

 

 

 

 

 

 

 

 اختيالُ الطينِ وفلسفةُ الأنهارِ/ بقلم: مرام عطية

*****************

حين غابَ سلُّمُ القيمِ من دارةِ الفكرِ، وتلاشتْ آخرُ مؤسساتِ الحضارةِ في بلادي، انتفخَ الطينُ وجلسَ على كرسيِّ المناصبِ الرفيعةِ في انتكاسةِ الفجرِ وتأخرِ الشروقِ، استبدَّ كإمبراطور أو حاكمٍ لمملكةٍ كبيرةٍ، ونسي أنه يشربُ من ماءِ الينابيعِ والأنهارِ، جرَّ مطارفَ الغطرسةِ مختالاً كالطاووسِ على أجنحةِ الصغارِ، ما أبشع أنْ يتسلَّطَ الفرعُ على الأصلِ والأغصانُ على الأشجارِ! وهل عرفتَ أقسى من مرارةَ الحرمانِ وأشدَّ من ملوحةَ الإقصاءِ !!

أيُّها الطينُ كيفَ نسيتَ معدنكَ الترابيَّ وتعاليتَ على أسرتكَ البشريَّةِ وأقاليمكَ الرَّماديةَ ؟! الأسى !!  ترميني بتجاهلكَ تارةً، وتارةً تسدِّدُ بندقيتكَ إلى فراشاتي وعصافيري، يتعبكَ تدفقُ نهري العذبِ وانثيالِ حروفي، وتأخذكَ نيرانُ الغيرةِ وشواظُ الحسدِ إلى إحراقِ أرشيفي الثريِّ من سجلِ الحياةِ.

ألاَّ تعلمُ أنَّ لي في كلِّ جرحٍ حياةٌ ؟! وأنَّ كلَّ جرجٍ يشقُّ

خاصرةَ النهرِ ولادةٌ جديدةٌ وضفافٌ خضراءَ ؟! سأخبركَ الْيَوْمَ بأنَّي من سلالةِ الأنهارِ العاشقةِ كالنيلِ والفراتِ، والأنهارُ العاشقةُ ينابيعها لا تجف، وأسماكها لا تموتُ، فكيفَ إذا مرتْ عليها غيومُ السَّماءِ في فصلِ المطرِ ؟! عبثاً تحاولُ إطفاءَ وهجَ قناديلي، ولن ينفعكَ إضرامُ النارِ في جسدِ الماء، سأغفرُ لك آثامكَ، وأمسحُ خطاياك، ففي فلسفةِ الأنهار العاشقةِ، العطاءُ سيرورةُ حياةٍ، ميثاقُ عهدٍ، وتراتيلُ صلاةٍ، والغفرانُ واجبٌ وإلزامٌ

يا صديقي شعري منذورٌ للحبِّ، يبني قرى الَّلهفةِ بالحنينِ، ويهندسُ مدنَ الجمال في القلوبِ، ومملكتي شمسُ الكلمات، أحرثُ بالحرف الأشواق الغافية في الأفئدةِ المثلجةِ، وأوقظُ الأحاسيسَ النائمةَ عن الجمالِ، دارةٌ فيها صيدليةٌ للمريضِ ونجوى للعاشقِ وموسيقا شجيةٌ للروحِ، فلا تنتفخْ أيُّها الطينُ البائسُ كطبلٍ فارغٍ، بل عدْ أرضاً سهلةً أو ربوةً خصبةً لأرويكَ بمائي الوثيرِ، فإنَّ كنوزي الفيروزيَّةَ إذا مرتْ بصحراءَ، عاد إليها الربيعُ، واكتنزتْ بالواحاتِ.

______

مرام عطية

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

واحة الفكر Mêrga raman