الرئيسية / قصة / القتيلة …! / بقلم: أحمد الشطري

القتيلة …! / بقلم: أحمد الشطري

القتيلة …! / بقلم: أحمد الشطري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا أحد يعرف مصدر الصور التي انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي، لجثة امرأة مغطاة بالدماء، ووجه تشوهت كل ملامحه، وجمجمة مفتوحة من الأعلى، صور أثارت الاشمئزاز، والرعب، والأسى في آن واحد.

الصفحات التي بدأت تتناقل الصور، راح أصحابها يضعون قصصًا، ومبررات من مخيلاتهم عن أسباب مقتلها، وعن حياتها التي كانت تعيشها، وعن الكيفية التي تم ارتكاب الجريمة بها، فمنهم من ذكر أنها قتلت بواسطة مطرقة كبيرة، وبعضهم قال أن رشقة من بندقية هشمت راسها، وآخرون قالوا أنها قتلت بعدة إطلاقات من مسدسات كاتمة للصوت،

وكان الذين يتفاعلون مع تلك المنشورات يقترحون عدة أسباب للقتل، بعضهم ترحم على القتيلة، والبعض الآخر أطلق سيلًا من الشتائم واللعنات عليها، بعض الناشرين عزا أسباب مقتلها إلى مواقف سياسية، وبعضهم إلى مواقف دينية، وآخرون قالوا أن أهلها قاموا بقتلها غسلًا للعار، بينما افترض آخرون أن صديقها الحميم هو من قام بقتلها بسبب الغيرة، أو بسبب خيانتها له. أحدهم نشر صورًا لفتاة مغطاة الوجه تردي ملابس شبه عارية مدعيا أنها هي، وآخر نشر صورة لامرأة منقبة قائلة إنها مجاهدة، وآخر نشر صورة لفتاة أخفى ملامح وجهها تحمل لافتة في إحدى المظاهرات.

كان الجدال قد اخذ مساحة واسعة من صفحات التواصل الاجتماعي، وتجاوز إطاره المحلي؛ لتصبح قضية مقتلها رأيًا عامًا، ليس على النطاق المحلي فحسب، وإنما على النطاق العالمي، جمعيات حقوق الإنسان طالبت وبشدة الكشف عن ملابسات الجريمة، في الوقت الذي راحت بعض المواقع المتعصبة دينيًا تمجد بفعل الذي قام بقتلها، وعدته من المجاهدين الذين ستكتب لهم الجنة، بينما شنت أخرى هجوما على الفسقة الذين قتلوا السيدة المجاهدة. لم يكن لدى الأجهزة الأمنية أي معلومات عن القتيلة، أو عن القاتل، وأمام ضغط الرأي العام، والمطالبات التي بدأت تتهاطل من جهات عالمية، ومحلية متعددة، شكلت الحكومة فريق عمل متخصص؛ للبحث في ملابسات الجريمة ومعرفة مرتكبها، وقبل ذلك التحقق من هوية المجني عليها، فطلبت من الطب العدلي الإسراع بتقديم التقرير الخاص بكيفية ارتكاب الجريمة، والكشف عن هوية القتيلة.

الغريب والمثير للدهشة، إن لا أحد تقدم بشكوى تخص الحادث، ولا أحد طالب بالجثة، مع إنه قد مضى أسبوع كامل على الحادثة.

توجهت اللجنة المختصة إلى المكان الذي عثر فيه على الجثة. وهو ساحة تقع في منتصف تقاطع أربعة شوارع في وسط المدينة. تفحصوا كاميرات المراقبة للمحلات القريبة من الحادث، فلم يعثروا على أي شيء يرشد إلى طبيعة الحادث، أو كيفية وقوعه.

بعد بضعة أيام ظهر تقرير الطب العدلي، وجاء فيه: “أنها امرأة في الأربعين من عمرها ترتدي ثياباً رثةً، وأن هناك رضوض في بعض أعضاء جسدها، وأن تشوهات وجهها، والفتحة التي في الجمجمة؛ نتيجة تعرضها لضربة عنيفة بمادة صلبة، وأن الوفاة حدثت بين الساعة الرابع والخامسة فجرًا.” وأرفق مع التقرير صورة لوجه القتيلة بعد إجراء عملية التجميل عليها.

بعد عرض الصورة من قبل اللجنة التحقيقية على المحلات القريبة من الحادث، اتفق الجميع على أنها لامرأة مسكينة كانت تتسول في هذه المنطقة، ولكن لا أحد يعرف عنها شيئًا.

في اليوم التالي ظهر المتحدث باسم وزارة الداخلية أمام مجموعة من الفضائيات، ليعلن بابتسامة أن لا شيء يستحق هذه الضجة الكبيرة، فهي مجرد امرأة متسولة وأن الحادث قيد ضد مجهول. في الوقت الذي كانت صفحات التواصل الاجتماعي تتبادل الطرائف، وباقات الزهور، وتحيات الصباح، وأدعية الرزق، وحملات التكفير، ووعود السياسيين بالمستقبل الباهر، وأغنيات فيروز.

 

أحمد الشطري

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمة العرب والأمم المتحدة / بقلم: خالد السلامي

يعتبر العرب وخصوصا العراق ومصر وسوريا والسعودية ولبنان من اوائل المشاركين في ...

من عمق المجتمع، جداريات بجمالية داهشة للقاصة زلفى أشهبون/ بقلم: بوسلهام عميمر

                        ...

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

واحة الفكر Mêrga raman