الرئيسية / حوارات / حوار مع الشاعر الكردي السوري فرهاد دريعي/ أجرى الحوار: نصر محمد

حوار مع الشاعر الكردي السوري فرهاد دريعي/ أجرى الحوار: نصر محمد

فرهاد دريعي

حوار مع الشاعر الكردي السوري فرهاد دريعي

أجرى الحوار: نصر محمد

ـــــــــــــــــــــ

عندما يمنحك الله موهبة خاصة، حين تكون هذه الموهبة متعلقة بورقة وقلم الكتابة… تضعك تجربتك الذاتية أمام الاختيار الصعب والرهان الأكبر بين صنوف الكتابة. أيهم سيعبر عنك ويحوي طاقتك الإبداعية، وحين تختار الشعر، ستكون قد اخترت الرهان الأصعب. وهذا ما راهن عليه الشاعر فرهاد دريعي ضيفنا وضيفكم اليوم

 

فرهاد دريعي  21/12/ 1955 عامودا، ابن عامودا الحرائق، عاش في بيئة فقيرة جدا، وحيدا لأبويه. درس المرحلة الابتدائية والإعدادية في عامودا ثم انتقل إلى القامشلي حيث درس الثانوية بعدها التحق بكلية الآداب في جامعة حلب قسم اللغة العربية ولكن الظروف المعيشية حالت دون الإكمال.

كان اهتمامه بالأدب والفن والموسيقا مبكرا في المرحلة الإعدادية، وكان متفوقا في اللغة العربية والفصاحة بفضل إشراف والده أحمد دريعي الذي كان يستسيغ الشعر واللغة وله باع فيهما. ومن عمه عبد الرحمن دريعي الذي كان فنانا وموسيقيا وشاعرا في آن واحد. مما دفعه إلى هواية العزف والرسم إلى جانب الكتابة.

نشر في بعض الجرائد والدوريات السورية والمغربية ثم التزم بالنشر في نشرة جين الكوردية

تعرض للملاحقة والاعتقال بتهمة حيازة مطبوعات محظورة (وهنا أود الإشارة إلى أن كل ما هو كوردي فهو محظور) وتمت مصادرة معظم الكتب في مكتبته المتواضعة نسبيا بالإضافة إلى مجموعة شعرية كاملة له وعشرات القصص. وكانت النتيجة محاكمات عسكرية استمرت لسنة وأربعة أشهر.

كتب القصة القصيرة باللغة العربية، والشعر باللغتين الكوردية والعربية.

لديه مجموعتين شعريتين غير مطبوعتين بعنوان (صلاح الدين لو يدري) و (رجل بلا حنجرة) ومشروع رواية أزمع عليها منذ فترة ولم تكتمل أحداثها بعد.

 

أأصابَكَ التَريّفُ

أم الغددُ الصمُّ تاهتْ مخارجَها

أم هوَ ليّافُ الشغافِ والعضلْ

تصادرُنا/ ليستحوذَ الخنصرُ على ما للبُنصِرٍ ثمَّ ينصلُ من

هَسهَسٍ يؤمُّ مهدَ الغطيطِ

يا سيّد الرّماد

باتَ الداءُ لا سَليماً، لا حَميدا

لجفُ الحَليمةِ أعيتكَ

وأنتَ تلوكُ لبانكَ على قارعةِ

إبادةْ

قد ضَجرَتْ من كوعِكَ

الوسادةْ

متبرّجاً بدم ضحايا القضيّة

بعضٌ منهُ لخليلاتِكَ كأحمرِ شِفاهٍ

لشفاهٍ ساءتْ تشاذيبُها

فتجرّعتَّ مُرّ الشّرابْ

أعلنْ أذن

أنكَ ما والفتَ السِربَ

فانكفأتَ

تتقفّى واهِ السَّرابْ

يا سيّد الأشداق

أضربْ، إجمعْ، قَسّم، إطرحْ

هوَ شيكٌ للنفايات

أبترتَ إبهامكَ

فما عدّت آهل الإبصام

وأنتَ تقتُّ الحديثَ

جَعجعتُكَ

خرزاتُ مِسبَحةِ مومسٍ

فَرَطَتْ، تناثرَت، تدحرجت

مترِبةً غارَت في الرّكامْ

هنا

الحُرّةُ لا تتلِفُ السلالةَ

لا تُبرُمُ صَفقةً

ولا تبيعُ مُلكا

خصرُها ما حوصرَ بعقالٍ

وفِقارُها ما تَعكّزَت

على من أتى سِفاحاً

بَهيمْ

هوَ الدمُ وحدهُ مؤلَّهٌ

حَميمْ

يخضّلّ ذؤاباتِ منادِيلنا

المبللة بأغنياتِ أرملة

وزغاريدِ ثكلى

أيها السيّد الواهنُ:

القادمُ فينا أصلبُ عوداً

والأم ولودٌ حُبلى

زَلماءُ إنْ مسَّتِ الأرضَ ركبتاها

تفور

تنجبُ ريحاً سفسفاً

فاطفشْ من هنا

إذ لم يبقَ لوجهكَ

ماءْ

برتوكالاتكَ دونَ جَدوى

فبكلّ عرسِ شهيدٍ

تغدو ” زينُنا ” قَبَساً و ” شيرينُنا ”

أبهى

فرهاد دريعي

 

س _ بداية أريد منك منك نبذة مختصرة عن حياتك الشخصية، من هو فرهاد دريعي وكيف بدأ وهل بدأ فعلًا؟

 

ج _ كما ذكرت في المقدمة: فرهاد أحمد دريعي / عامودا

درست الابتدائية والإعدادية فيها ثم الثانوية في قامشلي/ قامشلو، وأكملت سنتين في جامعة حلب وتركتها لأسباب قاهرة.

عملت معلما في مدارس عديدة ثم استلمت أمانة المكتبة إلى حين التقاعد، لدي مجموعتين شعريتين وعشرات القصص بالعربية. والقصائد باللغة الكوردية الأم ومشروع رواية آمل أن أكملها بسلام.

عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا / فرع الداخل.

 

س _ تختبئ داخل كل مبدع روحه الطفولية التي تظل تلازمه وتمثل له مصدر الدهشة التي لا تنتهي. فماذا تبقى من الطفل داخل فرهاد دريعي لديك؟

 

ج _   الطفولة قاسية في ظل الفقر المدقع، حينها لم أكن أدرك ذلك لأنني كنت مجرد طفل، رغم ما كانت لي من امتيازات خاصة في الأسرة كوني وحيدا.

بعد أن نكبر ..  تكبر معنا همومنا ومشاكلنا أيضا وتصبح الحياة ثقيلة فنحن إلى طفولتنا الأولى، نتفرج على أفلام الكرتون. نحتفظ بالمقتنيات الخاصة بنا مهما صغرت، نتلعثم حينما نريد شيئا ولا نستطيع التعبير عنه، أليست هذه هي الطفولة عينها تعيش في دواخلنا معنا نحن الكبار.

مجتمع الكبار مجتمع منافق حينما يتهم كل من يحاول استرجاع بعض من طفولته فيتهمه بالطيش أو الرعونة أو اللامبالاة، أو يطلق عليه ألقابا ساخرة شتى. لذا فمعظمنا يمارس طفولته في الخفاء، في بيته المغلق، ثم نخرج إلى الآخرين بثوب الوقار والرزانة والالتزام بعادات مجتمع مغلوطة نصفها، لندخل مرض الانفصام في الشخصية وتبعاتها الأخرى.

قد تختلف المعايير من بيئة إلى أخرى لكن ما ذكرت هو السائد بكل أسف.

 

س _ البدايات الشعرية تتسم بالصعوبة دوما كونها مرحلة إثبات الذات… كيف كانت بداياتكم مع الشعر؟

 

ج _البدايات ليست واضحة، لكن ما أتذكره إنني عندما كنت تلميذا في الصف الثاني أو الثالث كنت أخلع حذائي فيرفعني المعلم فوق طاولته ووجهي نحو التلاميذ فأخطب ببغائيا ما لقنه لي أبي:

هكذا جدول الضياء تفجر

هكذا راحة الملايين تزخر

وحداء يعلو كالرعد الله أكبر

إن شعبا يريد أن يتحرر.

فيصفق الجميع لي وأنزل متباهيا.

العربية كانت لنا لغة جديدة لا بد أن نتعلمها لإكمال دراستنا. ولذلك كان معظم ما نلفظه مجرد رسم للكلمات في البداية دون معرفة المعنى.

لكن من المحاسن أننا تعلمنا الفصحى بدلًا من العامية فيما بعد.

لقد نشرت أول قصيدة لي في الملحق الثقافي لجريدة الثورة السورية. ما زلت أتذكرها بوضوح، حيث شبهت أبار النفط في الجزيرة بثدي أم تدر الحليب دون توقف لأولادها، كانت فرحتي عارمة كطفل لبس ثوبا جديدا حينما رأيتها منشورة، ورغم أن الفكرة كانت جيدة إلا إنني الآن أضحك من ركاكة المفردات وأتساءل هل هذا كنت أنا؟ .

ثم تبعتها بقصة على نفس الجريدة وكان يشرف عليها شوقي بغدادي، ولاقت استحسانا كبيرا، علق عليها المحرر بعبارة (لقد تمتعت بك يا فرهاد) وأتذكر حينها قال لي الصديق الكاتب والشاعر إبراهيم اليوسف:

(قرأت القصة التي نشرتها ولم أفرقها عن كتابات زكريا تامر).

وكنت قد تناولتها بأسلوب الخطف خلفا. مثل هذه الأحكام كانت دافعا كبيرا لي للاستمرار.

 

س _ هناك شعراء كبار برزوا وسجلوا حضورا قويا في الساحة الأدبية الكردية والسورية. قديما وحديثا لكل منهم أسلوبه ومدرسته الشعرية لمن قرأ الشاعر فرهاد دريعي وبمن تأثر من الشعراء؟

 

ج _ قرأت للكثيرين من الشعراء والأدباء السوريين وغيرهم، ولأتقيد بالسؤال أقول العملاق سليم بركات دون منازع .. حامد بدرخان .. إبراهيم اليوسف، والأسماء كثيرة والقائمة تطول.

ما أريد الإشارة اليه إن أحدنا يتأثر بأديب أو شاعر ما في مراحله الأولى، إلى أن تتبلور شخصيته الأدبية أو الفنية أو الشعرية، حيث يختص بنمط مستقل يتوافق مع ثقافته واطلاعه فيطبع كتاباته بطابعه الخاص به، أنه سلوك تحرري، وإلا فسيبقى تابعا ويدور في فلك الآخرين، أنا أفهم التأثر المستدام بأنه تقليد أعمى سواء أكان بوعي أو بدونه. أما إذا كان القصد من التأثر هو الإعجاب والتفاعل فهنا الأمر يختلف، لأن الأسماء قليلة والنصوص كثيرة.

 

س _ لماذا يشعر القارئ أحيانا أن بعض شعراء قصيدة النثر هم ظلال لكبار شعراء الغرب؟

 

ج _هذا لأن قصيدة النثر بدأت من الغرب أولا وتحديدا من فرنسا على يد الشاعر المناصر للبرجوازية بودلير في القرن الثامن عشر ومعاصريه أمثال بريتون ورامبو وتلاهم عزرا باوند من بريطانيا.

بينما شعراؤنا لم يتناولوا القصيدة النثرية إلا في القرن العشرين أمثال انسي الحاج وجبرا إبراهيم جبرا وأدونيس ومظفر النواب وحامد بدرخان وغيرهم.

وبقيت قصائدهم تدور في فلك التجربة الشخصية، لدى معظمهم كانت القصيدة النثرية مجرد تقليد لما بدأ في الغرب ،ففيه جاءت القصيدة النثرية كثورة على الكنيسة ، بخلافنا ونحن ننظر إليهم من بعيد ، وفي زمن متأخر ، وهذا ما يعترف به أنسي الحاج وهو الرقم الأول فما بالك بالآخرين ، قصائد قليلة لشعراء قلائل استطاعت التحرر من هذه التبعية والتقليد منها للمثال لا للحصر قصيدة محمود درويش  مأساة النرجس وملهاة الفضة ، في واقعيتها وجماليتها شكلا ومضمونا ، و التي رفعته إلى مرتبة العالمية ، وقد قرأتها كاملة في الموقف الأدبي السورية وكانت رائعة بحق .

 

س _ كيف تنظر بعد هذا العمر إلى ذكرياتك القديمة الأولى مع أول قصيدة كتبتها أو نشرتها؟

 

ج _ سبق أن قلت إن نشر أول قصيدة شكل لي ابتهاجا منقطع النظير. كنت أحمل قصاصتها في جيبي لأتباهى بها أمام أصدقائي.

أن رؤية اسمك في ذيل القصيدة وهي منشورة على صفحات جريدة رسمية كان حدثا استثنائيا.

كنت اعتبرها بداية الاعتراف بي ككاتب أو كشاعر. هكذا كنت أعلل حدث النشر. فتكونت لدي ثقة أكبر بالنفس بحيث احمل الميكرفون على خشبة المركز الثقافي في قامشلي وأشارك في الأمسيات والمناسبات دون خوف.

 

س _ يقول الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه… القصيدة سر وعلى القارئ أن يبحث عن مفتاح. هل للقصيدة الرومانسية أسرارها الخاصة. وهل لا بد للقارئ العاشق أن يدخل أبوابها ويبحث عن مفاتيح خاصة بها؟

 

ج _ هذا لأن مالارميه كان يؤثر الرمزية المفرطة في قصائده.

لا شك أن الرمزية مستحبة وهي من مقومات قصيدة النثر، ولكن ليست بالقدر الذي يجعل القارئ عاجزا أمام فك طلاسمها. هذه اسمها قصيدة وليست متاهة أو كلمات متقاطعة.

فالحب أو العشق مثلا لا يحتاج غموضا ومهما أتيت من مترادفات يبقى هو كما هو واضحا وجليا، هنا قد أشير إلى أنثى أحبها. ستفهمني عندما تقرأ لي، كذلك القارئ سيفهم قصيدتي وإن لم يكن من ألفه إلى يائه، لكن من هي هذه الأنثى؟ هذه هي الرمزية الأقرب إلى قلب ومشاعر القارئ فيتفاعل مع ما اكتب. هكذا هي قصيدة الحداثة لها ضوابط وأصول وقواعد وحدود متفق عليها، وإلا فستكون قصيدة ما بعد الحداثة المتهمة بالفوضى والعشوائية في المفردات والتراكيب.

أنا أفتح باب بناء القصيدة للقارئ ولكني استثني منها غرفة أو اثنتين ليخمن هو ما بداخلها. هذا مثير.

 

 س _فرهاد دريعي عاشق للأرض والوطن والجمال والمحبة والإنسانية. كيف يتجلى ذلك في كتاباته الشعرية والنثرية؟

 

ج _ الأرض، الوطن، المحبة، الإنسانية.

كلها تنصب في بوتقة واحدة، تربطها وشائج وتكمل بعضها بعضا.

كثيرون من تختلط لديهم هذه المفاهيم وأنا أحدهم، وحدها اتساع أفق الكتابة يجعلنا أن نسخر القصيدة لخدمة ما ننتقي.

وأيضا هناك من يستغل القصيدة في سرد بطولات زائفة، أو الادعاء بنضج الوعي القومي أو الوطني أو الإنساني لديه.

هذا سيء للغاية، الكلمة الهادفة الصادقة تقاتل كما الرصاصة، وتزهر كما حديقة، وتسمو كما عشق.

وهذا مقتطف من قصيدة طويلة في مجموعة رجل بلا حنجرة كمثال على التداخل والتلاحم بين هذه المفاهيم:

دورك كي ترافع عنها

إن هم سئموا القضية

إن ضجروا من القضاة

كلماتهم الكثيرة / أوراقهم القليلة

دورك

ستنبري لها

فانت الصاحب والوريث

معك أمك

تؤازرك (ميترا)

بعاضدك (دياكو )

إمضِ ..فهو الحب

مآبك الحضنُ

فاستنفرهم إذن ..

هناك من يقول إن الشعر شيء والواقع شيء آخر. أعتقد أن الكلمة عندما تكون صادقة وسلسة ستقلص من هذه الفجوة كثيرا.

 

س _ المرأة. الأنثى هي القصيدة. كيف تتجلى صورة المرأة في قصائدك؟

 

ج _ تغدو الأنثى هلاما. مزيجا من ألوان الطيف، متداخلة المعالم بين وطن وارض، بين ماء وسماء، بين أم وحبيبة وعشيقة وصديقة.

هكذا ألج الضياع في تحديد مفهوم الأنثى، أنها نظرة جمالية أقرب إلى القداسة إلى هذا الكائن.

هناك من وصفها بانها هي الله نفسه، هذه النظرة الفلسفية أميل إليها، لكن ليست كل امرأة. امرأة. مثلما ليس كل رجل. رجل، كما يقول المثل الكوردي. وتبقى الأنثى هي مصدر الإلهام الرئيس في القصيدة كيفما كانت. عاملة أو مقاتلة أو عاشقة أو ربة بيت.  وستبقى القصيدة تبحث عنها إلى نهاية القصائد.

كطيف دفء ولو حالت زمهريرا.

 

الرابع عشر من فبراير

قتل البرد عصافير قلبي

تدلت أجنحتها

كذيول واوات الندبة

وتلك الوردة الحمراء

تكسرت في القحيط

الحب عشر درجات تحت الصفر

فلانتاين لا تكشر في وجهي

سأشير اليك لاحقا

في هامش الخيبات.

 

س _الكاتب والشاعر الكردي كثير الشكوى من المعاناة والتهميش وقلة الاهتمام في سوريا أكثر من غيرها. ما السبب برأيكم؟

 

ج _أن تهميش الكاتب أو الشاعر الكوردي فيما مضى كان قرارا سياسيا، هكذا باختصار، فالسلطة الحاكمة كانت تدرك أن الشرارة التي تشعل الوعي الجماهيري أنما تأتي من المثقف بشكل خاص. فحاربته في فكره ولغته، وطبقت كل سياسات الإقصاء والتهميش والملاحقة بحقه، وحرمته من حقوقه ومصادر معيشته. كانت هذه انتكاسة ولجما لأي نشاط ثقافي كوردي، أما الكتابة باللغة الكوردية فقد كانت أفيونا، ويمثل صاحبها أمام المحاكم العسكرية دون أن يحق له توكيل محامٍ، وكنت أحدهم وشاهد على ذلك، اليوم اختلف الوضع نسبيا ولو أن المعايير لم تختلف كثيرا فالحزب الذي يمتلك القوة والسيادة على الأرض، يفرض قيودا بحيث يكون كل النتاج الثقافي -وخاصة ما يحمل فكرا سياسيا -متوافقا مع توجهاته وأهدافه، هنا لا يبقى أمام المثقف الحر سوى فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي كمتنفس وحيد.

ناهيك أن الكاتب أو الشاعر نفسه في إحباط، إذ ليس هناك قارئ جيد باستثناء الفئة المهتمة والمثقفة وهي نسبة ضئيلة جدا إذا ما قورنت بمجموع الشعب الذي معظمه بات مهتما بلقمة عيشه. ولم يصل بعد إلى اعتبار القراءة والثقافة ثورة.

95 بالمئة لا يملكون مكتبة صغيرة في بيوتهم، أو حتى ليس في مقدورهم شراء كتاب. ومثلهم لا يجيدون القراءة بالكوردية. في هذه الحالة ليس هناك رد اعتبار للكاتب أو الأديب إلا بتكريمه والاحتفاء به من قبل المؤسسات ذات الصلة.

 

س _ لحظة ولادة القصيدة كيف تتمخض عند الشاعر فرهاد دريعي وهل يفقدها أحيانا. وهو يكتب؟

 

ج _ لحظة ولادة القصيدة ….

انظر دائما أشبه الذاكرة بخزان وسد، وعندما يمتلئ الخزان أكثر من طاقته التخزينة يبدأ يفيض. هذا الفائض هو القصيدة. فهي لا تأتي دائما إلا عندما يكون الوابل غزيرا. والا فستكون القصيدة شحة وعكرة. هذه هي تجربتي، أحكيها عن نفسي، وقد لا تنطبق على الآخرين، لذا فقصيدتي لا تأتي في أي وقت ولست شاعرا تحت الطلب. أما إذا فاضت المشاعر فستلد من تلقاء نفسها. وانا لست ممن يسعون إلى إجراء العمليات القيصرية.

 

س _ الشعر الكردي له تاريخ طويل لكن إلى الآن لا نجده على خارطة الشعر العالمي. الشاعر فرهاد دريعي في رأيك ما هو السبب؟

 

ج _ بكل تأكيد الشعر الكوردي له تاريخ طويل، وإذا استثنينا الأسلاف، فان الشعر الكوردي بدأ من بابا روخ همداني وباللغة الأم. توفي عام 841 ميلادية.

ثم بدأت المسيرة الشعرية باللغة الكوردية الأم من تبعه كبابا طاهر همداني وعلي حريري والشاعرة جلالة خانم وفقي طيران وملاي جزيري واحمدي خاني وهكذا إلى تيريج وسيداي كلش وجكر خوين .. هناك العشرات من الأسماء الأخرى التي لم تسعفني الذاكرة. هؤلاء كتبوا الشعر الكلاسيكي أو قصيدة التفعيلة وأجادوا فيها. ثم بدأ عصر قصيدة الحداثة. فكان كلا من شيركو بيكس ولطيف هملنت رائدين في هذا المجال.

قصائد شيركو بيكس ترجمت إلى العديد من اللغات منها الإنكليزية والفرنسية والسويدية مما رفعه إلى مصافي العالمية. إذن فالترجمة هي الوسيلة الأولى لنقل اللغة إلى الشعوب الأخرى. ونحن الكورد نفتقر إلى مثل تلك اللجان والمؤسسات بكل اسف، ثمة مشكلة أخرى وهي تعدد اللهجات الكوردية وعدم توصلها إلى لغة أكاديمية واحدة ويعود سبب ذلك إلى تقسيم كوردستان وإلحاقها بدول عديدة. وهذا يندرج تحت البند السياسي، لا بد من مسؤولين غيورين يلتفتون إلى هذا الأمر لأهميته، سواء في جنوب كوردستان أو في غربه، أو في الشتات، ولا أظنها مهمة صعبة، فلدينا من الكوادر اليوم من هو كفؤ للقيام بهذا الواجب القومي.

 

س _ الشاعر فرهاد دريعي ما هو مفهومك للحداثة في الشعر.

وماهي معايير القصيدة الحديثة. كيف يمكن تحديد الحديث في القصيدة أن فكرنا في الموضوع كقواعد موجودة يمكن اتباعها؟

 

ج _ يصف رولان بارت الحداثة بانها انفجار معرفي، انه أبلغ تعبير لهذا المصطلح، والمتفق عليه أن الحداثة هي التجديد وتجاوز القديم.

برأيي ورأي الكثير من النقاد والدارسين أن الحداثة لها قواعدها وأصولها وقوانينها وحدودها أيضا.

فقد شملت الحداثة كافة جوانب الحياة حتى وصلت إلى الأدب. ولسوء فهم البعض من (كتبة الشعر) أقول كتبة الشعر وليس الشعراء، لهذا المصطلح الوافد عمدوا إلى كسر قواعد اللغة والتراكيب بضراوة معول وليس ببناء قلم وفكر، وأمعنوا في الرمزية المفرطة والعشوائية والفوضى العارمة في بنية القصيدة.

فهل هذه حداثة؟ .

الشاعر يكتب لمن؟ أليس للقارئ؟ . فاذا قدم قصيدة تعصى على فهم أعتى النقاد فكيف بالقارئ العادي الذي هو ليس إلها حتى يعلم ما يختلج به صدر الشاعر. وعلى هذا النحو سنقف يوما على أعتاب (قصيدة اللا قصيدة).

الحداثة كما أرى لا تعني ابدأ أن تكتب شيئا يفوق تصور العقل البشري أو يتوغل بعيدا في اغتصاب وخراب وإباحة المقدس وذاكرة المتلقي معا.

 

س _ ترجمة الشعر نجدها نشطة في كل اللغات. لكن الملاحظ أن الشعر الكردي يوجد فقر في الترجمة. الشاعر فرهاد دريعي، ما هو رأيك بذلك؟

 

ج _الحديث ذو شجون، محزن ومؤلم. إذ إننا نفتقر إلى المؤسسات التي تتبارى لهذه المهمة. بالإضافة إلى قلة عدد الأكاديميين الذين يلمون باللهجات الكوردية. هذه مسؤولية جامعاتنا ومدارسنا وأحزابنا. أنا لا أعلم عما إذا كانت جامعات جنوب كوردستان / سليمانية، هولير، دهوك /. قد افتتحت لها أقسام لترجمة النتاجات الكوردية من أدبية ومعرفية إلى اللغات الأخرى. من هنا أناشدها أن تقوم بهذه الخطوة المباركة. وكذلك جامعة روجافا في قامشلو.

كما أن لأحزابنا الكوردية دور كبير في هذا المضمار. لتمويل مثل هذه اللجان أو المؤسسات المختصة وسوف لا ينقص من ميزانيتها كثيرا.

اعلم أن هناك مساعٍ حثيثة من قبل بعض المهتمين بالشأن الكوردي واللغة الكوردية ممن يقيمون خارج الوطن للتصدي لمثل هذه المهمة الجليلة، ورغم أنها تبقى ضمن الأطر الفردية والطوعية، إلا انهم يشكرون عليها.

 

س _هناك ظاهرة شعرية في روج افا… الجزيرة السورية. ألا وهي الشعراء الكرد يكتبون بغير الكردية. ماذا نقول عن هؤلاء؟

 

ج _علمونا بلغتهم، وأصبغونا بثقافتهم، ومنعوا علينا مدارسنا وتعلم لغتنا وحاربونا فيهما. ما العمل؟

بعضنا وبمجهود فردي استطاع أن يتعلم لغته ويكتب بها -وأنا أحدهم -أما الغالبية العظمى فليس لديه سوى الكتابة باللغة التي نشأ عليها دراسيا حيث يجد فيها ساحة أرحب للتعبير والوصف.

اليوم في غرب كوردستان أقف بإجلال أمام جيل نشئٍ يكتب ويقرأ ويعبر بلغته الكوردية الأم، لقد دهشت من طفلة وهي بجانبي تسبقني في لفظ الجمل عند قراءتي في نص كوردي، أنها تباشير بغد كوردي واعد. لغويا على الأقل.

 

س _ في نهاية هذا الحوار الثري. ماهي كلمتك الأخيرة. ولمن توجهها؟

 

ج _ اللغة. اللغة، فإن لم تعجبكم المدرسة التي يذهب إليها أطفالكم، فعلموهم الكوردية قراءة وكتابة في بيوتكم، ولو كلفكم نصف رغيفكم.

هذا ندائي لكل كوردي يدرك أن لغته هويته.

ولك أيها الأخ والصديق نصر محمد كل الشكر لاستضافتي وممتن لك كثيرا.

نصر محمد

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman