الرئيسية / حوارات / حوار مع الشاعرة التونسية فوزية العكرمي/ أجرى الحوار: نصر محمد

حوار مع الشاعرة التونسية فوزية العكرمي/ أجرى الحوار: نصر محمد

حوار مع الشاعرة التونسية فوزية العكرمي

أجرى الحوار: نصر محمد

ـــــــــــــــــــــــ

 

تكتب النثر وتعتمد على التكثيف وعبق وعمق الجملة. لها فلسفتها الخاصة وخطها الكتابي الذي يميزها دون غيرها.

تعشق الحياة تحترم الإنسان أيا كان بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه. تعشق الوطن وتراه فوق المزايدات العرقية والطائفية وتعشق الأدب وترى أنه الموحد للأمم. فالأدب لا وطن له. أنه أممي تقرأ للجميع.

أنها الشاعرة التونسية فوزية العكرمي ضيفتنا وضيفتكم في برنامج ضيف وحوار لهذا اليوم

 

-شاعرة تونسية

-عضوة باتحاد الكتاب التونسيين -أستاذة الأدب واللغة العربية -أسّست العديد من النوادي الأدبية والثقافية. تشرف على العديد من فروع لجمعيات أدبية تونسية وعربية – نشرت جل أعمالها بالصحف والمجلات التونسية والعربية -لها مشاركات في العديد من التظاهرات الأدبية والفكرية الوطنية والعربية.

تمّ تكريمها في أكثر من ملتقى وطني وعربي (الجزائر –العراق -المغرب –مصر –إيران –)

كُتب حول تجربتها الشعرية العديد من المقالات أبرزها (كتاب ظلّ حلم الذي صدر في إيران للدكتور جمال نصارى) وقريبا سيصدر ديوان شعري مشترك في كردستان بينها وبين الشاعر الكردي “فرمان هدايت ”

-صدرت قصائدها في أكثر من ديوان شعري مشترك تونسي وعربي – ترجمت أشعارها إلى لغات عديدة …الفرنسية –الإنجليزية –الإسبانية-الفارسية-الكردية-الإندونيسية.

-من مؤلفاتها:

-وجوه أخرى للشجن(2005) -ذات زمن خجول(2011) -كان القمر لي (2014) صدر بلندن – جدير بالحياة(2017) تونس.

لها تحت الطبع:

-مجموعة قصصية (هبوط اضطراري). كما أسهمت في إنجاز بحوث عديدة تربوية خاصة ومقالات متنوعة في صحف تونسية (الشارع المغاربي) ومصرية (الاثنين …اليوم وغيرها)

 

على ضوء الشمس

 

عَلَى َضَوْءِ الشَّمسِ

تَسْلُخُ بِلادِي جِلْدَهَا

بِلادِي التِي رَبّيْتُ تَفاصِيلَ جِسْمِهَا بَيْنَ ضُلُوعِي

أَخْفَيْتُ هَشَاشَتَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّازِحِينَ

تَضْمُرُ سَماؤُهَا

تَصْغُرُ

تَسْقُطُ رُوَيْدًا

رَغْمَ كُلّ الدَّعواتِ المَحْتُومَةِ بالزّغارِيدِ

يَسْعُلُ الوَقْتُ فِي الأَثْناءِ

سُعالًا خَفِيفًا

رَأْفَةً بِقَلْبِ أُمِّي أَيُّها الوَقْتُ الغَرِيبُ

رَأْفَةً بِيَدٍ يَلْتَهِمُهَا العَراء

صَارَتْ البِلادُ خَفِيفَةً

مُوزّعَةً فِي أَكْيَاسِ مِنْ وَرَق

مَنْ يَشْتَرِي؟

لَنَا الوَحْلُ نَدْبِغُ بِهِ أَيامَنا البَعِيدَة

وَللقَادِمِين من خَلْفِ البِحارِ

رَشفَاتٌ من صَدْرِها المُتَرَهِّلِ

لَا مَعْنَى لِخَرائِطَ مُجَفَّفَةٍ كَإسْفَنْجَةٍ

مُعَلَّقَةٍ عَلَى سُلَّمِ الآهَاتِ

تَرْقُدُ بَيْنَ ماءٍ ومَاء

نَحْنُ لَعْنَةُ المَاء

يَاماءُ كُنْ حَلِيمًا بِتَائِهَا المَفْجُوعَةِ مِنَ البَتْرِ

والكَسْرِ

كُنْ سَخِيًّا حِينَ يَفْجَأُهَا الحَطّابُونَ

وَتَفْجَاُهَا نِيرانُ التّعَب

تَتَخَفَّفُ بِلَادِي مِنْ وَزْنِهَا الزَّائِدِ

مِنْ سُحُبِهَا وتِلالِهَا وأنْهارِهَا

تَتَخَفَّفُ مِنْ جُرُوحِهَا

تَعْصِبُ عَيْنَيْهَا

وَتَعُدّ كَطِفْلَةٍ مِنْ واحد لعشرة

كَيْ يَسْهُلَ خَطْفُهَا

وَتَخْتفِي فِي ظِلِّهَا

إِنَّنا مَوْعُودون بشَهْقَةٍ أُحْرَى يَابِلادِي

تُلُعْلِعُ في يَوْمِنا السّاذج

فَوْقَ رُؤوسِنا

حتّى ترُدَّنا إلى بيوتِنا

….إلى رسائلِنا المَطْوِية في جُيُوبِنا

إلى شَمْسِنا الدّافِئَةِ التِي نَكادُ نَسْمعُ ضَجِيجَهَا فِي أحْلامِنَا

 

س _ بداية ماذا تريد فوزية العكرمي من الشعر؟ وكيف تصف للقارئ الشاعرة التي بداخلها؟

 

ج _ سؤال مفاجئ والله ومحيّر في آن واحد ماذا أريد من الشعر؟ من هذا المارد الذي يسكنني ويعكّر أحيانا صفو ذهني ويهيّج انفعالاتي …أريد من الشعر أن يخلي سبيلي أن يحرّرني ويعيدني نطفة في بحر الحياة بل صرخة عفوية في حنجرة وليد يشهد النور للمرّة الأولى. أريد من الشعر أن يحلّق بي حتّى أتوه عن العودة إلى الأرض فأظلّ معلّقة بين عالمين في نوسان غريب. والسؤال المسكوت عنه ماذا يريد الشعر منّي؟ لماذا يلاحقني في كلّ مكان؟ ويسطو على أجمل أوقاتي ليحوّلني إلى ريشة في مهب الريح. لست شاعرة ولطالما نفيت عمّا أكتب صفة الشعر وعددت مخطوطاتي نوعا من الهذيان لكنّ الشعر يفضحني ويشير بأصابعه الطويلة إليّ حيثما حللت. الشاعرة التي بداخلي معتوهة ومجنونة وفوضوية وأنا أكبح جماحها بكلّ ما أوتيت من قوة وبكلّ ما منحني إياه المجتمع من قدرات على التلاعب والمراوغة أصاب بالإحباط أحيانا وأنا أحاول أن أفهم حقيقة هذه الروح الماجنة التي تسكنني والتي تصوّر لي العالم تصويرا مضحكا ومؤلما في آن واحد. ليتك تصدّقني إن قلت لك إنّني تائهة فكلّما اعتقدت أنّني عثرت على نفسي أفقدها من جديد ويطول بحثي وتتعمق حيرتي.

 

س _ بمن تأثرت بالكتابة في البدايات وماهي الموضوعات التي أخذت حيزا أكبر في قصائدك وقتها؟

 

ج _ كنت وقتها في المرحلة الابتدائية وكنت أجد متعة وأنا أتلو على مسامع أصدقائي بعض كتاباتي فأجد الاندهاش والإعجاب والتشجيع لقد تفتحت عيوني في هذه المرحلة على أصوات العديد من الشعراء التونسيين والعرب أول هؤلاء الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي ثار على المستعمر وعلى النفوس الراكدة بلغة حماسية جريئة حرّكت دواخلي وأشعرتني بقوة الكلمة وقدرتها على النفاذ إلى الأعماق ثم اطلعت فيما بعد على كتابات الشاعر السوري نزار القباني الذي كان قريبا جدّا من واقعنا العربي ومعبّرا عن هموم العربي وانشغالاته ولا أنسى أمل دنقل ومحمود درويش وفدوى طوقان ونازك الملائكة وغيرهم ..لقد ظللت طوال هذه المرحلة متابعة لما يجري في فلسطين من جرائم ومجازر وانتهاكات أمام صمت الضمير العالمي والمجتمع الدولي فثرت في قصائدي ثورة ما زلت أحتفظ ب توهّجها وبريقها لأنّني أشعر أن رسالة الشاعر لن تكون جمالية بحتة مالم يعبّر عن عصره إن تلميحا أو تصريحا …لقد كتبت عن فلسطين كلّ قصائدي الصغيرة والعفوية وعنونت ديواني الأول ب “صرخات ثائرة “ربما سيشهد ذات يوم النور.

 

س _ هناك من يصف الخطاب الشعري لدى المرأة عموما بالخطاب الذي لم يزل متعثرا، ما رد الشاعرة فوزية العكرمي على ذلك؟

 

ج _  من يصف الخطاب الشعري لدى المرأة بالخطاب المتعثر هو كمن يحاول إخفاء عين الشمس بالغربال كما يقال وهذا أمر طبيعيّ في مجتمع مازال ينظر إلى المرأة نظرة دونية وكلّ ما يصدر عنها يفتقد للمهارة والإبداع لكنّ الواقع يفنّد هذه المقولة إذ تثبت الذات الشاعرة  قدرتها على التميز والإبداع ولنا أدلّة لا تحصى ولا تعدّ عن تجارب شعرية نسائية استفاد منها الشعراء القدامى فيما بعد كأبي نواس وأبي تمام وغيرهم ناهيك عن إضافات الخنساء لقصيدة الرثاء إضافة إلى الشاعرات الصوفيات وقصائد ليلى الأخيلية التي كان لها الأثر العميق في مدونات أهم الشعراء في عصرها ولا ننسى شاعرات عصر النهضة إنّ الحديث يطول عن إبداعات المرأة العربية وإضافاتها الهامة للقصيدة العربية لذلك لا يعتدّ برأي من يستنقص من قيمة كتاباتها

 

س _ يجمع المتابعون للشأن الأدبي في تونس اليوم. إن حجم مساهمة المرأة. في الأدب تنظيرا وإبداعا. في شتى المجالات أكبر بكثير من مساهمة الرجل. وهو ما يدل بأن المرأة في تونس تجاوزت المصطلح وعانقت الإنسانية من خلال إبداعاتها. ما رأي الشاعرة فوزية العكرمي بهذا القول؟

 

ج _  إنّ المجتمعات التي لها إرث ثقيل من تبعية المرأة للرجل تحتاج إلى وقت أطول للتحرر من هذه القيود والمرأة التونسية منذ الاستقلال ومنذ سنّ مجلة الأحوال الشخصية التي صانت للمرأة حقوقها وكرامتها وحررت المرأة من ربقة الرجل تمكّنت من اقتحام كلّ المجالات التي كانت حكرا على الرجل وأظهرت من البراعة والمسؤولية ما يجعلها رائدة حتى الأدب الذي يعدّه البعض حكرا على الرجل أبدعت فيه وتفوقت ولنا في الجوائز التونسية دليل على ذلك وفي ما أثرت به المكتبة الوطنية من دراسات وبحوث وكتب ودواوين شاهد ينبئ بحجم مناخ التحرر الذي تعيش فيه المرأة التونسية وحرصها على تحمّل مسؤوليتها كاملة في المجتمع وتجاه الأجيال القادمة .وأعتقد أنّ الإبداع لا هوية له فمثلما يتفوق الرجل في صنوف إبداعية نجد المبدعة التونسية تلفت الأنظار بتميّز خاطرها ورونق حديثها وتوهج أحاسيسها

 

س _ماذا تعني فوزية العكرمي بعنوان دواوينها // وجوه أخرى للشجن // 2005 … // ذات زمن خجول // 2011 … // كان القمر لي // 2014…. // جدير بالحياة // 2017 …

هل تكشفين لنا بعض الأفكار الرئيسية عن محتويات المجموعات الشعرية؟

 

ج _ أنا مقلّة من حيث النشر مقارنة بما تنشره  الشاعرات من جيلي وأنشر الدواوين بشكل متباعد في الزمن لأنّني أريد لكلّ أثر أن يحظى بالاهتمام الذي يليق به وحتّى تأخذ التجربة أفاقا أخرى فلا تبقى في حلقة مفرغة من التكرار المملّ وانسداد الأفق فديواني الأول “وجوه أخرى للشجن “والذي صدر سنة 2005  به قصائد كتبت في المرحلة الجامعية يعني بعد عشر سنوات تقريبا نشرت مختلف القصائد التي قدّمتني لجمهور طلّابي عريض وكانت القصائد فيه خلاصة مرحلة من التجريب والنّحت للشخصية التي أروم أن أكون  ولقد كتب عن قصائدي في هذه المرحلة الكثير لأنّني مزجت فيها بين الشعر والقصّ  وأغرقتها في أيديولوجيا تشبعت بها في تلك المرحلة والعنوان يحمل الكثير من الألم والمأساة ويبطن معاناة التونسي في ظل الظلم والاستبداد وانسداد الأفاق وتفشّي الفساد تعاضدها هموم الذات وانكساراتها وشتّى أنواع الفشل الذي عشته وتصديت له بالشعر والأدب. أما ديواني الثاني “ذات زمن خجول “فلقد نشرته إبان الثورة .إنّها الثورة التي حلمت بها وتمنيتها قد صارت حقيقة وآن للقصيدة أن تتحدث بوضوح وأن تبسط وجهات نظرها ومواقفها مما يحدث وأن تعبر بشفافية عمّا يعيقها وعمّا تخطّط له مستقبلا وفي سنة 2014 نشرت ديواني الثالث “كان القمر لي “وهو ديوان صدر عن دار مؤمنت بلندن ..ربّما بحثت في هذه المرحلة عن جمهور أوسع من خلال النشر خارج الحدود وتوقا لقارئ يشاركني همومي الإنسانية بعيدا عن كل حاجز وفي ديوان “كان القمر لي ” صوّرت مختلف الخيبات التي عشتها إبان الثورة .لقد عشت الثورة بكل جوارحي وانصهرت في معمعانها حتى فقدت نفسي ولم أفهم بعد كيف آلت الأمور إلى عكس ما حلم به التونسي أمّا ديواني الأخير “جدير بالحياة “والذي صدر سنة 2017 فهو صرخة في وجه أعداء الحياة دون نسيان هموم الذات التي عادت تتخبط من جديد في رحم الحنين والألم والذكريات المرّة.

 

س _ لك قصائد مترجمة من العربية إلى الفرنسية والكردية والإسبانية والفارسية والإندونيسية. الترجمة إلى أي حد تجدينها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلى آخر؟

 

ج _ أعتقد أنّ الترجمة وإن كانت مخلة بجوانب عديدة من روح النص وانفعالات كاتبه وحميمية اللغة العربية في التعبير عن أحواله الشتى بطريقة مكثفة وقريبة من روح القارئ فهي تظلّ الطريقة المثلى لإيصال صوت الشاعر إلى عوالم ومحيطات أخرى .ولا أنكر فضل الترجمة في إثراء الفكر البشري وتحقيق التواصل المنشود بين الحضارات والثقافات .وترجمة الشعر مظهر آخر من مظاهر هذا التواصل الراقي بين الشعوب والحقيقة أنا مدينة للترجمة التي عرفتني على الكثير من الشعراء وعقدت بيننا من الصداقة والتوافق وكأننا نتكلم بلسان واحد ورفعت الحجب فأمكن لنا اليوم بفضلها متابعة كل ما يكتبه الشعراء الكبار في شتى أنحاء العالم.

 

س _قريبا سيصدر ديوان شعري مشترك في كردستان بينك وبين الشاعر الكردي فرمان هدايت.

كيف تنظر الشاعرة فوزية العكرمي إلى القصيدة الكردية الحديثة في كردستان. وهل الخط البياني لتطورها يتجه نحو الصعود أو الهبوط؟

 

ج _عرفت القصيدة الكردية كمثيلاتها مراحل عديدة من التطور والتشكّل وأرى أنّها قصيدة مغايرة ممتلئة بالروح الكردية ثرية بانفعالاتها مؤرّخة لتواريخ الأكراد عبر العصور وما عاشوه من تقلبات لذلك هي صامدة وراسخة رسوخ الجبال وتشهد شهرة لا مثيل لها لرقة مضامينها وحلاوة تعابيرها ويعود الفضل في وصولها إلينا إلى الترجمة أولا وحذق العديد من الشعراء الأكراد للغة العربية ولا أنكر انبهارنا بكتابات شيركو بيكه وسليم بركات ومن قبلهما افتتنا بشعر معروف الرصافي وبلند الحيدري واحمد شوقي

 

س _ الشاعرة فوزية العكرمي كيف تنظرين إلى التحولات الحاصلة في الساحة الشعرية في المرحلة الحالية وانعكاساتها على وعي المرأة؟

 

ج _ منذ القديم والشعر ينهض بأدوار عديدة كالرقي بالذوق الجمالي والتعبير عن الأوضاع المختلفة وهموم الفرد في مجتمع رأسمالي لا قيمة فيه للأفراد وإحلام النفوس بغد أجمل وأفضل ومحاولة بث التوعية ويبدو المرأة اليوم بحاجة أكيدة إلى خطاب توعوي يذكّرها بخطورة المرحلة وظهور قوى رجعية تسعى للالتفاف على مكاسبها وامتيازاتها وقد فشل السياسيون التقدميون في تبليغ هذه الرسالة لما في خطابهم من خشونة وترهيب وانفعال مبالغ فيه. إنّ الفنّ عموما هو المنقذ للفرد من الضياع والضلال واستلاب الذات.

 

س _ الشاعرة فوزية العكرمي ما هو مفهومك للحداثة في الشعر وما هي معايير للقصيدة الحديثة. كيف يمكن تحديد الحديث في القصيدة // أن فكرنا في الموضوع كقواعد موجودة يمكن اتباعها //؟

 

ج _  الحداثة في الشعر يعني تجديد القوالب والرؤى والمضامين بطريقة تجعل القصيدة قريبة جدا من نفس القارئ معبّرة عن سكناته ولواعجه وهواجسه .لقد خاضت القصيدة العربية الحديثة أعتى حروبها ضد القصيدة التقليدية وضد روّاد الشعر الكلاسيكي الذين استبسلوا في الدفاع عنها لأنّهم يرون أنّ المسألة تتعلق بالهوية والأصل ولا أستغرب استمرار نفس المعارك ولو بطريقة خفيّة ومن وجهة نظري أرى أن القصيدة العمودية فقدت الكثير من بريقها ولم تعد قادرة على مواكبة روح العصر حتى قصيدة الشعر الحرّ وما طالها من تهذيب وتشذيب تبقى مقصّرة في مواكبة انفعالات الذات والإلمام بالتفاصيل والجزئيات .لقد فرضت اليوم قصيدة النثر وجودها في الساحة الشعرية وافتكت مكانها كوليد شرعي لقصيدة تآكلت وهرمت وظروف بحاجة إلى نمط جديد يستوعب التحولات الطارئة في المجتمع  ويخطئ من يعتقد أنّ قصيدة النثر هي الحمار القصير الذي يعتليه كل من هب ودبّ لأنّه غير ملمّ بشروط كتابة قصيدة النثر وما تتطلبه من مجهود إضافي في البناء والإيقاع وهندسة الأسطر الشعرية وهذا كله يتطلب مهارة فائقة .

 

س _ كشاعرة تونسية كيف تنظرين إلى الناقد التونسي. هل يقوم بدوره على أكمل وجه؟

 

ج _ الناقد التونسي غير مواكب لما يعتمل في المشهد الأدبي عموما من حركية غير مسبوقة إذ نشهد يوميا ولادة عشرات الكتب في شتى صنوف الأدب شعرا وقصة ورواية ونقدا ولا نجد تقييما موضوعيا لهذه الكثرة ولا تناولا مدروسا للبعض منها لقد ظلّ النقد ومازال حسب رأيي يشتغل في مدارج الجامعات ويهتمّ كالعادة بتجارب معروفة وأسماء مشهورة لن يزيدها النقد شيئا يذكر.

 

س _ لا جدال في آن المرأة تختلف عن الرجل برقة المشاعر ورهافة الحس. برأي الشاعرة فوزية العكرمي. هل تعد القصيدة التي تكتبها المرأة هي ومضات ونبضات آتية من الحلم أم الواقع؟

 

ج _ ما تكتبه المرأة مزيج من تفاعلات كيمياوية دقيقة بين الواقع والحلم فالقصيدة مهربها من مجتمع قاس وجاحد ومنافق والقصيدة حصنها الحصين وجنّتها الأرضية التي تستعيض بها عن جحيم الواقع. إنّ مشاعر الأنثى المختلفة وما يميزها من مشاعر الحنان والأمومة ورهافة الحسّ تضفي على كتاباتها الكثير من الصدق والشفافية ويجعل تجربتها مختلفة اختلافا كبيرا عمّا يكتبه الرجل

 

س _ يربط الكثيرون الأدب النسوي بحركة تحرير المرأة من سطوة الذكورية. برأي الشاعرة فوزية العكرمي إلى أي مدى أثر هذا الفكر في خفوت وقلة الأسماء الأنثوية. قياسا للذكورية؟

 

ج _ طبيعة المجتمعات المحافظة التي تكرّس مبدأ التمييز بين الذكر والأنثى على أساس الجنس لا على أساس الكفاءة والقدرات والإمكانيات أضاعت علينا الكثير من الإبداع الأنثوي المتوهّج. أنا انتصر لجنسي ولبنات جنسي ثمّ إنّ مصطلح “نسوي ” فيه استنقاص من قيمة ما تكتبه المرأة لذلك الأصح هو القول بأدب المرأة وما تكتبه المرأة. إنّ من يحيا لقرون بين الحجب وفي الكهوف لن يرى جمال النور للوهلة الأولى ولن يستمتع بدغدغات الأشعة إلا بعد فترة من الزمن لذلك ظلت كتابات المرأة محتشمة يتمّ الاحتكام فيها للرجل فهو السبّاق حسب عرف المجتمع وبأيديه مفاتيح الإبداع والابتكار من هذا المنطلق ظلت المرأة لعقود في تبعية أدبية للرجل فالرجل هو من يقدمها للجمهور ويعطيها تأشيرة الانطلاق.

 

س _ أضحى الغموض ظاهرة شائعة في، الشعر الحديث. خلقت فجوة عميقة بين الشاعر والمتلقي. ما سر ملازمته لأغلب التجارب الشعرية الحديثة؟

 

ج _ ليس الغموض هو الإبهام أو الإلغاء. الغموض سحر وربط شفيف بين الدال والمدلول دون تعنّت أو نقصان وحسن توظيف المجاز واختيار العبارة الشعرية وحسن التخلص من معنى إلى آخر. الغموض كلمة سر مفتاحها بين روحين متصافيتين روح الشاعر وروح القارئ فكلّما وفّق الشاعر في إغراء القارئ وجذبه إلى عوالمه أمكنه قيادة السفينة وخوض المغامرة الممكنة مهما اصطخبت الأمواج وتعالت ولابدّ أن نعثر على هذا المفتاح فينا لأنّه مخفيّ بإحكام في أرواحنا

 

س _ الشاعرة فوزية العكرمي كيف تقيمين المشهد الشعري التونسي الراهن في وسط ما يبدو للمراقب البعيد المحايد اضطرابا أو تداخلا؟

ج _ المشهد الشعري التونسي لا يختلف كثيرا عن المشهد الشعري العربي من طغيان الأخوانيات واللوبيات وفق منطق الأقربون أولى بالمعروف ماعدا بعض المهرجانات اليوم التي تحسن اصطفاء ضيوفها وروادها من ذوي المواهب الحقيقية. لقد أضعنا الكثير من الشعر بتصلفنا والكثير من الشعراء بأنانيتنا وغرورنا فاختلط الحابل بالنابل والجيّد بالرديء وصارت عملية النشر لا تخضع لأيّ منطق فالمقتدر ماديا ينشر ما يريد من خزعبلات ودور النشر تشجع على هذا لأنّها دور نشر تجارية بالأساس

 

س _ الشاعرة فوزية العكرمي ما هو في رأيك. أسباب ارتفاع نسبة العنوسة بين الشباب والشابات في تونس. وهل تؤيدي حق الرجل بالزواج من مثنى وثلاث ورباع. وهل أنت مع الزواج المدني وزواج المسيار وزواج المتعة للقضاء على العنوسة؟

 

ج _  ارتفاع نسبة العنوسة أمر نسبي في المجتمعات اليوم إذ صارت العنوسة اختيارا يدخل في باب القناعات الشخصية لأسباب يطول شرحها لعلّ ابرزها ارتفاع تكاليف الزواج في ظل مجتمع بنيته الاقتصادية هشّة ويعاني من ارتفاع نسبة البطالة خاصة في صفوف الحاصلين على الشهائد أمّا عن الزواج فنحن في تونس لا نعاني من هذه المشكلة لأنّ المسألة صارت من تقاليد الأسرة التونسية وشمائلها وقد سنّ القانون والدستور ومجلة الأحوال الشخصية ذلك منذ الاستقلال .حتّى إن نظرنا إلى مسألة الزواج في الشرع فلقد حذّر الله سبحانه وتعالى من ذلك بصريح العبارة القرآنية “وإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة ” ولن يعدل الإنسان مهما سما واجتهد .لذلك تمتاز المرأة التونسية بتحمّل المسؤولية والقوّة والعزيمة وهي سعيدة في إمبراطورتيها التي لا يشاركها فيها أحد .


عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman