الرئيسية / قصة / تماهٍ…/ بقلم: سهير مصطفى

تماهٍ…/ بقلم: سهير مصطفى

تماهٍ…/ بقلم: سهير مصطفى

ـــــــــــــــــــــ

لم تكن تدري أين تخبّيء خوفها، أتقبله على هونٍ أم تدسه في جيبها المثقوب، كانت أحاديث الرّعب لا تفارق خيالها، كلّما سمعت الكبار يتهامسون فيما آلت إليه أحوال البلد، والإرهاب الزّاحف نحو مدينتهم بسرعةٍ تضاهي مارثون السّباق.

بات القلق يتعمشق على حيطان البيت، يعشعش في الزّوايا على خيوط العنكبوت، أيّ حالةٍ وصلنا إليها؟ ليت ما تسمعه مجرّد كابوسٍ تصحو منه حينما تفتح عينيها، لكنّها الحقيقة ولا شيء غير ذلك.

وفي غفلةٍ من ليلٍ بهيمٍ هبّت على صراخٍ وعويلٍ، بالكاد استطاعت أن تهرع بقدميها الحافيتين لتنجو من بطش إرهاب كاد أن يحدق بها شرًا مع أسرتها.

بلا حقيبةٍ حملت معها ذكريات طفولةٍ مازالت تعربد كلّ يوم في ذاكرتها، ورائحة بارودٍ ما فتئت تزكم أنفها، وهناك في البعيد البعيد بدأت تعتاد على الحياة الجديدة، وتدرّب نفسها على نسيان الماضي، لكن هيهات هيهات أن تستطيع إغلاق ذاكرتها، فثمّة أشياء يستحيل نسيانها.

وهناك في البعيد كبرت قبل الأوان، خمس سنواتٍ إضافيّةٍ كانت كفيلةً أن تجعلها بمرحلة النّضوج العقلي، وشيخوخة الرّوح، هناك التقت بغسّانَ على رصيف الغربة، كان غسانُ ذاك الشّاب الأسمر الطّافح بالرّجولة، وهذا ما كانت تبحث عنه، لربما ارتباطها بشبيهها يعيد لها بعضًا من أحلامها الضّائعة، وهناك اتّفقا على الزّواج.

لم يكن لونها القمحي، ومسحة الحزن الموشومة في عينيها، وشعرها الفاحم كالليل الذي هربت فيه من مدينتها سوى دليلٍ على تعلّقه بها.

كبر القلبان وتحابّا، وقرّرا أن يكونا أوّل عربيين يفرقهما الوطن وتجمعهما وسادة الغربة،

شغلت نفسها بالتّجهيز لليوم الكبير وهاهي تتمّ آخر ما تبقى لها من أشياء.

وقفت بباب بائع العطور الذي استقبلها بابتسامةٍ أعادتها سنواتٍ إلى الوراء، تفضلي سيدتي

ماذا تحبّين؟ أخبريني…

هل تفضلين العطور الباريسيّة؟

أم الإنكليزيّة؟؟

ماذا تحبّين؟؟

– أريد خلطةً تشبه تلك التي خلفتها ورائي..

خلطةً تجمع رائحة البرتقال والليمون

الطّيون والرّيحان

السّنديان والغار

شيءٌ يشبه تلك الرائحة التي تركتها تختبيء في سريري الفارغ

رائحة تشبه رائحة وطني

ترقرقت دمعةٌ بعينيّ البائع… تشبه إلى حدٍّ بعيدٍ تلك التي في عينيها.

……………………………………

سهير مصطفى – سوريّة

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمة العرب والأمم المتحدة / بقلم: خالد السلامي

يعتبر العرب وخصوصا العراق ومصر وسوريا والسعودية ولبنان من اوائل المشاركين في ...

من عمق المجتمع، جداريات بجمالية داهشة للقاصة زلفى أشهبون/ بقلم: بوسلهام عميمر

                        ...

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

واحة الفكر Mêrga raman