الرئيسية / قصة / رحمة وأنا / بقلم: سناء علي الداوود.

رحمة وأنا / بقلم: سناء علي الداوود.

رحمة وأنا / بقلم: سناء علي الداوود.

ـــــــــــــــــــــ

ليلة الأمس، كنتِ تبتسمين، مغمضة العينين، هل رأيتِ قلب أبيك؟ وهل سمعتِ أنفاس والدتك؟

يُحيّرني السؤال ولخوفي من موجة حزن، لم أخبر أحداً عن ابتسامتك، احتفظت بسرّها في ذاكرة عينيّ، علّها تزهر فرحاً بعودتك إلى بيتك الممتلئ بالضحكات والأحلام الفتية.

تصارعين أشواك الحياة، بعدما خرجتِ من رحمٍ ضمّك بمحبةٍ غامرة وخوف بارع بسرقة اطمئناننا.

تتخبطين، تظنّين ذرّات الأوكسجين ستؤذيكِ أكثر من حقد الأرواح الفارغة، أخطأتِ التقدير، فقط استكيني في غرفتك الزجاجية الدافئة، وقولي غداً سأعود انتظروني…

*

أفكر فيكِ ليلاً، ألم تملّ عيناكِ كل هذا البياض المشبّع من مصابيح الإضاءة، وأتخيّل أنّكِ تصرخين أطفئوا الأضواء أريد زاويةً مظلمةً أحلم بها بوجه أبي…

تخيّلتك مثلي تنشدين زاوية داكنة الضوء، كظلّ شجرةٍ مشتاقةٍ لسكونٍ تائهٍ عنكِ، لضجيجٍ مفرحٍ عائليّ، أيضاً مثلي….

*

عندما تمشيّنا سوياً، أخذتُ على عاتقي أن أعرّفك بالشمس، وشرّعت لها أغطية وجهك الغضّ، علّها تمنحكِ دفئاً أعجز عن وصفه لكِ، هل تتذكّرينه؟

لا يقارن بدفء لمسةٍ من إصبع يدي على خدّك الطريّ أنا فقط كنت أعرّفكِ بنفسي، وأختصر حبّي الذي تجهلينه بلمسةٍ واحدةٍ فقط.

أمّا عن حبّ الشمس، فقد قلتُ في نفسي علّها تشتاق لأصابع يديّ أبيها الخشنتين العامرتين بالدفء والحبّ.

*

في كلّ تلك الأوقات التي تمعّنت في وجهكِ فيها، كنت أسمع منكِ صوتاً، لماذا هذا الثقل في داخلك؟ أو هل تحقدين؟!

أُجيبك بغموضٍ، إنّك تصارعين في رحمِ الحياةِ المستجدِّ عليكِ، لتنالين نصيبك فيها.

أمّا أنا أصارع للتخلّص من أعبائها، حتّى أنني لا أذكر لماذا أحقد، سوى أنني عاجزة في بعض الأحيان عن المحبّة، طبعاً قبل لقائي بكِ، العجزُ أمرُّ وأثقلُ من أن تحمله كلمةٌ واحدةٌ يا عزيزتي…

قبلك كنت أقول عاجزةً تماماً، وبعدك صرت أقولُ في بعض الأحيان، أرأيت الفرق؟!

*

تنظرين إلى أجواء غرفتك الزجاجيّة، تتساءلين، ما كل هذه الضوضاء والضوء، مرّة أسمع آهات باكية ومرّة أسمع ضحكات عالية.

وأنا أرنو إليكِ بفضولٍ عاشقٍ لوجهِ المحبوب، انظري إليّ، لقد منحتني شعاعاً جديداً بعينيكِ الصغيرتينِ، رغم تنهيدتي المتقطّعة والمكتومة في معظم الأحيان.

أشعر أنّني أُطبق عليها كعلاجِ معصمٍ مخلوع، فمعصمي المتراخي من شدّة ثقل أعبائه، أُضمِّدهُ بلفافةٍ مطاطيّة، كقلبِ معظمِ النساءِ في هذا الزمن، أُدفئهُ، وأضمّهُ وأشدُّ ضمادته ليحظى ببعض الترميم الحار، لربّما يندفع من جديد للحياة ويمضي قدماً معي بهمّةٍ مستجمعة متجددة.

كانت أيّامي قبلكِ باهتةً كطعمِ الماءِ، كنت أُنكّهها بزنجبيل وليمون لكن شفاهي يجتاحها الذبول، ما عاد الطعم يعني لها شيئاً، كلُّ شيءٍ حولي بلا هويّة.

وكان الحقد على الرصيف المقابل، يعرض خدماته المجانيّة، حسب قوله، أنبش به قبورَ أحزاني وأجدّد ثأريَ المتراكم، من أهلي ومن الحبِّ ذاته.

من تقليدٍ خانعٍ يسمّى “الرضا”، وقبول القليل القليل..

وتقديس الفتات من كلِّ شيءٍ جميلٍ في هذه الحياة.

*

ما لنا بهذا الحديث، الوقت مبكّرٌ، هيا ابتسمي من جديد.

اضحكي من أمري أنا، سميّتك رحمة، كانوا ينادوك بدون اسم، فكرّت أنّك رحمة لأمّك، ورحمة لعائلتك.

حتّى أنّك بمرورك في حياتي كرفيقة الصدفة، منحتْني وقتاً لمراجعة ذاتي بين ألم الفقدان وفرحة الولادة، كنتِ رحمةً لي، وابتسامتك تلك منبعُ للسلام.

تعالي لنعود إليها، وابتسمي…

*

اليوم بعد غيابِ يومين، اشتقت لوجهك الغائر في الضوء، وأنا ذاهبةٌ أليكِ، قالوا أنّكِ غادرتي غرفتكِ الزجاجيّة المترفة بالدفء والوحدة.

افرحي أنتِ الآن في عمق صوتِ أبيكِ وضجيجِ إخوتكِ ولهفة أُمِّك.

كوني رحمةً لهم بعد غياب.

لن أزور الحاضنةَ بعد الآن، سألتقيكِ هناك في بيتك.

 

سناء الداوود

حمص /سورية

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman