الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / تشكل الحزن وتمظهره الجمالي في قصيدة (خبايا لصيقة) للشاعرة خديجة بن عادل/بقلم: محمد كتوب المياحي

تشكل الحزن وتمظهره الجمالي في قصيدة (خبايا لصيقة) للشاعرة خديجة بن عادل/بقلم: محمد كتوب المياحي

 

تشكل الحزن وتمظهره الجمالي في نص قصيدة (خبايا لصيقة)

للشاعرة الجزائرية (خديجة بن عادل) سفيرة المرأة العربية فرنسا

بقلم: الناقد الأكاديمي محمد كتوب المياحي ـ ذي قار ـ العراق

ــــــــــــــــــــ

خَبـــــايا لَصِـــيقَةٌ

 

عَلَى نَاصِيَةِ جَسَدٍ تائه بَيْنَ الدُّرُوبِ

لا عَزَاءَ لِقَلْبٍ حَافٍ، وَاجِفٍ

يَتَنَسَّمُ رائِحَةَ الغُرُوبِ

يَتَقَلَّبُ بَيْنَ مَوَاجِعِ الغُرْبَةِ

وَنِدَاءَاتٌ تَطْرُقُ مَفَاتِحَ الغَيْبِ

جَدَائِلُ العَبَثِ تَعْوِي، تَتَلَوَّى حِبَالاً

خُمُوشُ الرُّوحِ لَهَا فِي القَلْبِ مَقْتَلَةٌ

يَتَدَفَّقُ السَّوَادُ سِجْفاً أَمَامَ نَاظِرِي.

طَلاسِمَ مُعَتَّقَةً عَلَى زُجَاجٍ مُلَوَّنٍ.

وَالخَبْءُ يَخْرُجُ احْتِضاراً

مَلامِحَ خَرْسَاءَ

تِلْكَ النُّدُوبُ تَحْكِي انْهِيَاراً

تَدُكُّ الأَرْضَ، تُهْلِكُ الحَرْثَ

تَخْنُقُ الآهَاتِ اعْتِلالاً

تَصَارِيفُ دُمُوعٍ تَنِزُّ

وَجَعاً وَاحْتِراقاً

أَصْبَحَ الخُبْزُ خَطِيئَةً

وَرَهْطٌ يَرْقُصُ عَلَى الأَرْواحِ

امْتَلأَ الصُّواعُ ذُنُوباً

أُفَتِّشُ فِي العَابِرينَ، السَّالِكِينَ، الرَّائِحينَ

الهارِبِينَ، أَحُجُّ فِي الطَّاهِرِينَ.

يَتَراقَصُ عِنْدَ قَدَمَيَّ مَسْرَحُ الخَائِنينَ…

يَتَخَطَّفُ لُقْمَةَ الجَائِعينَ، وَبُلْغَةَ المُعَذَّبِينَ.

لا مَعْنَى لِلرِّيحِ، لا قَامَةَ لِلتَّصْرِيحِ

لا ضَوْءَ لِلْبَحْرِ، لا زُرْقَةَ لِلْقَمَرِ

أَوْرَاقِي تَهْوِي مُتْعَبَةً

تَحْمِلُ الأَسْفَارَ فِي أَعْنَاقِهَا

تُخَبِّئُ الأَنْهارَ فِي أَحْدَاقِهَا

لا وُجْهَةَ، أَبْوَابٌ مُوصَدَةٌ

أَبْوَابُ السَّماءِ تَتَلَقَّفُ العَوِيلَ وَالدُّعَاءَ

ضِلْعِي مَكْسُورٌ

تَتَهَجَّاهُ أَبْجَدِيّاتٌ مَنْسِيَّةٌ

وَوَصَايَا النُّجُومِ تَدْعُو عَيْنَيَّ

لِحَجْبِ الضَّبَابِ

وَنَزْعِ الخَرَابِ

أَتَوَسَّلُ تَبَاشِيرَ الفَجْرِ قَدَاسَةً

وَأَنِينَ دَمْعَةٍ جَادَ بِهَا السُّجُودُ

يُبَدِّدُ السُّجُوفَ

وَفِرْعَوْنُ وَأَدَهُ التَّيَّارُ

أُبْصِرُ الكَوْنَ، أُرَتِّبُ وُرَيْقَاتِ الذَّاكِرَةِ

أَتَسَاءَلُ: كَيْفَ يَكُونُ التَّقْوِيمُ؟

لَمْ أَعْبَأْ بِالمَسَافَاتِ

وَلا بِالسُّفُنِ الرَّاسِيَاتِ

وَلا عُقْمِ الأَصْلَابِ

أَمُدُّ يَداً لِلرَّبِيعِ

تَتَخَلَّقُ عَلَى يَدَيْهِ سَوْسَنَةٌ

لَمْ أَدْرِ أَنَّ القَلْبَ فِي لَظَاهُ…

وَلِيمَةٌ بَيْنَ شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

تَعْبَثُ عَلَى نَحْرِهِ النُّسُورُ

يُحْرَقُ فِي أَثَرِهِ النَّسْلُ وَالصُّوَرُ

وَفِي غِيَابٍ مِنْهُ مَاتَتِ الطُّيُوبُ

هَذَا طِينٌ يُزَمِّلُنِي، يُشَكِّلُنِي

زَهْرَةً فِي عَرَائِشِ الجَنَّةِ

قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ

أُفَكِّرُ بِبَوْحِ الشَّمْسِ، بِالأَسْرَارِ

بِحِكَايَاتِ المرَايَا، بِأَوْجاَعِ النَّارِ

وَفِي دَمِي تَخْتَمِرُ سُورَةٌ

أُرَدِّدُهَا بِرَجَاءٍ وَقَلَقٍ:

‎” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ.

 

—————————————————

 

عندما نستقرئ عدداً من النصوص الشعرية المعاصرة؛ سنـجد في الأغلب -انميازها بجانب القتامة؛ وعليه أمست نغمة الوجع هو الإيقاع السائد في تلك النصوص؛ لذلك لا يختفي الحزن من قاموس قصائد هذا الجيل، من هنا أصبح الألم هو سيد الموقف دون منازع، يقول أحد الشعراء:

يا سيد الحياة

يا حزن … يا إله

ماذا إذا تركتهن

تأسيساً على ذلك؛ عند الوقوف على نص (خبايا لصيقة) للشاعرة (خديجة بن عادل)، نجد ثيمة الحزن هي المتكأ الذي قام عليه بناء النص شكلاً ومضموناً، وقطعاً هذا التمظهر للوجع له بواعثه، قد تكون إفرازاً لواقع سياسي أو انهيار قيمي اجتماعي أو عدم تحقيق أمنية أو حلم …الخ.

في البداية لو وقفنا على عنوان القصيدة (خبايا لصيقة)، وأثرنا سؤلاً:

ما هي وظيفة العنونة في هذا النص؟

لا سيما أنّنا نعرف بأن للعنوان وظيفتان، أمّا أنْ يكون نصاً موازياً، بمعنى دلالة النص برمته هي دلالة العنوان ذاته، أو قد يكون (عتبة نصية)، بمعنى مدخلاً لفهم النص؛ لما يحمل من أداة وظيفية.

وعلى هذا يبدو أنّ عنوان (خبايا لصيقة) يتمظهر ضمن الوظيفة الثانية (عتبة نصية)؛ فالشاعرة بوساطة هذه العنونة حاولتْ التمهيد لمتلقي عن فكرة النص وبشكل مسبقاً، كأنما تريد أنْ تقول ما يسفر عنه النص من دلالات هي بواعث قلق وتأزم متجذرة في ذاتها الحزينة ملتصقة في كل جزء من كيانها، وما تخطه أناملها إرهاصات في أعماق روح النازفة ألماً، هذا الحزن وليد حياة معيشة.

زد على ذلك أشار العنوان دلالياً إلى وجع الشاعرة الذي لا يمكن فصله عن كيانها بأي حال من الأحوال، بقرينة (لصيقة)، فضلا عن ذلك أن تلك الهواجس المولدة للحزن غير ظاهر للآخرين، وهذا يوحي من خلال اللفظة الأولى من العنوان (خبايا).

ولا يختلف طرح الحزن في بناء القصيدة؛ فلو تأملنا البناء الشكلي للأبيات، وحاولنا تحديد أسلوب الشاعرة في تناول ثيمة الحزن، ومن ثم كشف أبعاد الحزن، سنجد أن المستهل هو التشكل الأولي لتمظهره عند الشاعرة، تقول:

على ناصية جسد تائه بين الدروب

في هذا المقطع حلّقت صاحبة النص في بنائية الأسلوب البلاغي ,فقد حولت (الجسد) إلى جماد فيه ناصية , ولكي تؤكد الوجع والغربة الروحية استدعت لفظتين هما ( الجسد) و( تائه ), فالجسد هو ( الجثة الهامدة) , بعكس الجسم الذي يحتوي روحا , لهذا لم تقل جسما لان الجسم قرين لروح أما الجسد فلا روح فيه , ولم تكتف بذلك بل قرنته بلفظة ( تائه) , وهي إشارة لثيمة الاغتراب الروحي , فضلا عن ذلك واشجت الشاعرة البناء الموضوعي مع البنية اللغوية ؛ فذكرت ( الدروب ) , فجاءت الصيغة جمعا ؛ لتجسيد تنوع وتعدد الحزن ومظاهره , تلك المظاهر الخبية عند صاحب النص والملاصقة لذاتها .

بعد ذلك يردنا تصوير جميل وبليغ لرسم صورة الحزن التائه، فقد وظفت الشاعرة البنية البلاغية من خلال استدعاء الاستعارة، فقد جعلت من الحزن المتمثل بالجسد واستنشاقه لرائحة الغروب، من هنا جاء توظيف الزمان ذو ثيمة جمالية بلاغية، تقول:

نسيم رائحة الغروب

من ثم كشفت صاحبة القصيدة أحد حوافز الحزن، إلا وهو (الغربة)؛ فالشاعرة تعيش الحنين للوطن، وهنا لابد أن أشير إلى ما ذهب إليه النقاد حول تمظهر الغربة في النص، إذا يجد البعض من الدارسين أن مقدمة القصيدة تحولت من الطللية إلى رسم صورة الحزن والوجع، فيكاد يكون هذا ملمح في الشعر الحديث، وهذا ما جسدته الشاعرة، قالت:

يتقلب بين مواجع الغربة

وبداءات تطرق مفاتح الغيب

جدائل العبث تعوي تتلوى جبالا

خموش الروح لها في القلب مقتلة

طلاسم معتقة على زجاج ملون

 

فلو تأملنا هذا النص لوجدنا أن الشاعرة اعتمدت على بناء تراكيبها للجمل الاسمية (وبداءات، جدائل العبث، خموش الروح، طلاسم معتقة)، ومن المتعارف عند المختصين أن دلالة الجمل الاسمية الثبات؛ من هنا يمكن تأويل ذلك بأن الشاعرة ملاصقة ذاتا لثيمة الحزن المتولدة من نازع الاغتراب.

بعد ذلك تعرج صاحبة النص على بنية القلق والتأزم؛ لذلك وظفت الجمل الفعلية لدلالتها على الحركة وعدم الثبات والاستقرار، ومن اللافت أنها ولفت ما بين الصورة الحسية وغير الحسية ضمن نسق تمظهر الحزن، تقول:

أفتش في الغابرين، السالكين، الرائحين

الهاربين، أحج في الظاهرين.

يتراقص عند قدمي مسرح الخائنين

يتخطف لقمة الجائعين، وبلغة المعذبين

لا معنى للريح، لا قامة للتصريح

لا ضوء للبحر، لا زرقة للقمر

أوراقي تهوي متعبة

بوساطة استدعاء الجملة الفعلية في النص أمثال (أفتش، نراقص، يتخطف…الخ) دلالة الحركة والابتعاد عن ثيمة السكون، وهي إشارة دلالية إلى تبعثر مشاعر الشاعرة؛ فذاتها محتوشة للوجع والألم الذي لا يطاق، والذي يداهمها من كل جانب، ومن ثم يضج مضاجعها، كل هذا ورد ضمن التصوير الحسي، ثم تستدرج في تمثيل إفراز الوجع لتعرج على التصوير غير الحسي: (لا معنى للريح، لا قامة للتصريح) و (لا ضوء للبحر، لا زرقة للقمر)، وبذلك يلمح تشكل الحزن من خلال ما يكشف من معاني تصوير في هذه العبارات.

طبيعة الحزن عن صاحبة القصيدة صرخات وتأوه نازف، ومحاولات للحصول على الأمنية المفقودة، تقول:

أمد يدا للربيع

تتخلق على يديه سوسنة

لم أدر أن القلب في لظاه

وليمة بين شاهد ومشهود

تعبث على نحره النسور

ثم تقول في مقطع آخر:

أفكر ببوح الشمس، بالأسرار

بحكايات المرايا، بأوجاع النار

من خلال تحليل النص، نجد محاولة الشاعرة ومن خلال الأمنية المرجوة أن تسعى لزرع بادرة أمل بتحقيق الحلم، الحلم الذي رمزت له بلفظة(الربيع):

أمد يداً للربيع

ومن ثم ترسم لنا حجم المعاناة، والذي سببه فقد العلاقة الحقة بين (الأنا) الشاعرة، والآخر (كل ما يحيط بصاحبة النص)، بوصفها ظواهر مرتبطة بها شاءت أم أبت، كل ما طرح هو سبب تأزم فؤاد الكاتبة، تقول:

لم أدر أن القلب في لظاه.

بعد ذلك تختتم القصيدة بطبيعة الحزن ووجعه، والذي وصفته الشاعرة بأنه ناري:

بحكايات المرايا بأوجاع النار

وهنا تمظهر واضح للشعور بالغربة والحزن والضياع، وعليه لم تجد من بد للخلاص إلا من الاتكاء على المقدس (الله) جلّ علاه؛ بوصفه الطاقة التي لا غنى عنها في الشدة، فضلا عن أنها من تحقق الأمنية المفقودة وهي تميمة الأمل لفك قيود الحزن المدوي في ذاتها، من هنا تجد الشاعرة أن السعادة مرتبة بالقداسة الحقة، تقــــول:

وفي دمي تختمر سورة

أرددها برجاء وقلق

((قل أعوذ برب الفلق))

تأسيسا على ذلك من الممكن إجمال تشكل الحزن وطرحه فيما يلي:

1-أن الشاعرة وأشجت بين البنية الموضوعية المتمثلة بالحزن مع الصور البلاغية.

2-اتسام الشاعرة بما حولها من جزئيات بطابع الاغتراب الروحي الحزين؛ وعليه نلحظ في القصيدة لجزئيات زمانية تارة وأخرى مكانية.

3-أهم بواعث الحزن عند صاحب النص (الغربة)، ومنها بعد المسافات، لذلك تم توظيف ألفاظ موحية لها مثل (المسافات والأنهار والأسفار والريح والأبواب المؤصدة والسفن الراسيات)، كل هذه الألفاظ أيقونات لإرهاصات سيكولوجية متأزمة.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أسمال الفزاعة البالية للشاعر بادماسيري جاياثيلاكا / ترجمة : بنيامين يوخنا دانيال

هايكو ( 1 ) أسمال الفزاعة البالية يسحب الحباك خيوطها * من ...

في الجهة الأخرى من الخديعة / بقلم: سالم الياس مدالو

  في الجهة الاخرى من الخديعة تفرك الغربان باجنحتها الشوك العوسج والحنظل ...

حلبجة الجريحة / بقلم: عصمت شاهين الدوسكي

  هلموا اسمعوا هذا الخبر نبأ اليوم قد تجلى حضر من قريب ...

التناقض بين الحالة الإبداعية والموقف الأخلاقي/ بقلم: إبراهيم أبو عواد

       الإبداعُ الفَنِّي يَرتبط بالبُنيةِ الأخلاقية الفَرْدِيَّة والجَمَاعِيَّة ، ولُغَةُ العملِ ...

 رمــضانُ / بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

        – – – – – – – أتــى رمــضانُ يحملً كـلَّ ...

,جدارية محمود درويش بين قراءتين / بقلم: فراس حج محمد

| فلسطين “انتهت القراءة الأولى الساعة 7:45 مساء يوم الاثنين 19/6/2000” هذا ...

لم التشكيك بالأحاديث النبوية؟ / بقلم: خالد السلامي

  تعودنا بين حين وآخر ان نرى بعض التصرفات التي تتعمد الاساءة ...

  قراءة في ديوان “ضجيج كثيف” للشاعرة نبيلة الوزاني/ بقلم: بوسلهام عميمر

“بعيدا عن الهلوسات، الشعر بلوازمه قضية ومسؤولية”   “ضجيج كثيف”، ديوان نبيلة ...

واحة الفكر Mêrga raman