الرئيسية / قصة / الانتقام…/ بقلم: أحمد الشحماني

الانتقام…/ بقلم: أحمد الشحماني

الانتقام…/ بقلم: أحمد الشحماني

……………..

متجردًا من ملابسهِ الداخلية، أنهى للتوِ جولتهُ القذرةَ في مضاجعةِ امرأةٍ عاهرةٍ؛ امرأةٍ مصابةٍ بمرضِ فقدانِ المناعةِ (الإيدز)، في غرفةِ منزلها، المنزلُ الذي حوَّلتهُ إلى ماخورٍ للقذارة.

جلسَ في ركنِ الغرفةِ, عاريًا كما خلقهُ الله, منزويًا, متكورًا كحشرةِ دودةِ القز, أخرجَ سيجارةً, أشعلها, نفذَ دُخانها إلى رئته, أحسَّ أنَّ روحهُ تحَّولت إلى ثُعبانٍ شرس.

جالَ ببصره في أرجاءِ الغرفةِ, تفحصها جيدا. الصورُ الخليعة تملأ باحةَ المكان. صورُ النساءُ المتعرياتِ بضاعةٌ رخصيةٌ تَلصَقَها العاهراتُ على الجدران, لتُثيرَ فحولةَ, وشهوةَ وشهيةَ واشتهاء المُتصيدين مقابل بعض المالِ, وربما مقابل ثمن زُجاجة بيرة أو ثمن وجبةَ طعامٍ, أو ثمن لباسٍ داخلي مطرَّز بنقوشٍ مُطعمةٍ بالإغراء أو ربما ثمنَ زُجاجةِ عطرٍ. رائحةُ المكان تعجُ بالجنس.

 

على بابِ الغرفةِ, صورةٌ لاِمرأةٍ مُتعريةٍ, يَمسكُ بها رجلان, كأنها تتوقُ لمزيدٍ من الغوايةِ والاشتهاء, حتى يبدو أن رجلا واحدًا يكادُ لا يشبعُ شهوتها ومجونها, ولا يطفىء نارَ جهنمها المختبىء بين فخذيها الآثمين.

أطلقَ ضحكةً ساخرةً, وهو يتأملُ منظرَ تلك المتعرية المُلصقة صورتها على الباب, التي يتسعُ جَهَنمها لِعشراتِ المحروقاتِ, كأنهُ قد استعادَ ذاكرتهُ القديمة, واستحضرَ مشهدًا عفا عليه الزمن, إذ تذكرَ زميلةً وقحةً, مازحتهُ ذاتَ يومٍ قبل سنواتٍ خلت, قائلةً له:

لا تلمسني, أخشى عليك من جهنمي.

ردَّ عليها بعبارةٍ أكثر وقاحةً وفجاجةً, وهو يلوكُ كلماته الوقحة بين شفتيه, قائلا لها:

لديَّ كافرٌ, دعيه يدخلُ جهنمك بأمان.

ضحكتْ زميلتهُ الملعونة وهي تعرفُ ما يرمي إليه.

 

أحسَّ بحرارةٍ تنفذُ بين أصبعيه. إنها السيجارة التي نساها تتآكل كما العمر, حتى وصلتْ إلى حافةِ نِهايتها. رمى عقبَ السيجارة. احتسى كوب شايٍ بارد مع قطعةِ بسكويتٍ كانتا قد أحضرتهما له تلك المرأة العاهرة المصابة بمرض الإيدز. أومأ إليها بحركةٍ خاطفةٍ بطرفِ عينيه إنه يريدُ المعاودة مرةً ثانية إلى وكرِ فخذيها الشهيين الآثمين, ليلوكَ جسدًا طالما لاكتهُ وقضمتهُ عشراتُ الرجال من قبلهِ حتى صارَ مثل أسفنجةٍ أمتصتْ ماء القاذورات.

 

استمهلته بِضعِ دقائقٍ. أحضرتْ قارورةَ عطرٍ. رشتْ نثيثا منها على خديها ورقبتها, ومسحتْ بيدها المبللة بالعطرِ على وجهه, ومسدتْ شعرهُ بكفها. أخذتهُ من بين ذراعيهِ وهي تتمايلُ بغنجٍ إلى وكرها, الوسادةُ التي شهدتْ لعشرات الرجال أن يضعوا بصماتهم الذكورية عليها.

بكى بمرارةٍ وهو يهمُ لمضاجعةِ العاهرة المصابة بالإيدز للمرةِ الثانية, ولعلّهُ أول مرةٍ يُسجلُ اسمه في سجلِ الآثمين, زانيًا, إذ لم يكنْ قد أرتكب خطيئةَ الزنا في حياتهِ من قبل. نظرتْ إليه المرأةُ العاهرةُ المفترشةُ جسدها بساطًا لحميًا تحت ذراعيهِ وفخذيه, ورائحةُ جسدها تَتَسللُ إلى منافذِ غوايتهِ وصاحتْ به:

  • لماذا تبكي؟
  • هل يبكي طيرٌ ظامئٌ وجدَ ساقيةَ ماءٍ ليرتوي منها؟

مرتْ كلماتها باهِتةً دون أن تزرعَ في داخلهِ أدنى إهتمام.

كررتْ تساؤلها حينَ رأيته قد انكبَّ على وجههِ باكيًا.

  • هل لك أن تخبرني لماذا تبكي؟ ..
  • هل شعرتْ بالذنبِ وأنت تمارسُ الرذيلةَ معي؟

نظرَ إليها بعينين محمَّرتين شاردتين, وابتلع حسرةً, وتأوه بألمٍ.

  • هل تعرفين لماذا مارستُ الرذيلة معكِ؟
  • هل تعرفين إنها المرة الأولى في تاريخ حياتي أمارسُ الزنا مع امرأةٍ لا يجمعني بها سقفٌ واحدٌ من المشاعرِ العاطفية, ولا عقدُ زواجٍ يبيحُ لي مضاجعتها؟

 

  • هل تعرفين؟

لقد بحثتُ عن امرأةٍ عاهرةٍ مصابةٍ بمرضِ فقدان المناعة (الإيدز) لغايةٍ في نفسِ يعقوب, وكنتُ مستعدًا أن أدفع لها أي مبلغٍ تريده مقابل أن أطأها.

  • وما هي غايتك من امرأةٍ مصابةٍ بالإيدز يا رجل؟
  • أيعقلُ أن يرمي شخصٌ نفسه في النارِ وهو يعرفُ أنها نارٌ وليس بركةُ ماءً؟
  • أيعقلُ أن تضاجعَ امرأةً مثلي مصابةً بمرضِ فقدان المناعة وأنت تعرف أنها مصابةٌ؟
  • أيحقُ لي أن أطفأ نار فضولي لأعرف لماذا ضاجعتْ امرأةً مصابةً بمرضِ فقدانِ المناعة؟

 

خنقتهُ عبرتهُ, وضجتْ به مُدُنُ عذاباتهِ وأحزانهِ, فصاحَ بها بهستيريا الوجع ..

أريدُ الانتقامَ والثأرَ لنفسي من إمرأةٍ لا تستحقُ أن تكون زوجتي وشريكتي بعد اليوم, أريدُ الانتقامَ منها والثأرَ لنفسي ولكرامتي وكبريائي بعد أن عرفت وتيقنت من خيانتها.

 

لم تنبسُ العاهرةُ ببنتِ شفة. ظلّت صامتةً خرساء, ولم تُحركُ ساكنا, كأن على رأسها الطيرُ, تسحبُ أنفاسها بصمتٍ, وعاصفةٌ من الذهولِ تخترقُ سماءَ أفكارها ..

 

*      *      *

 

ارتدى ملابسهُ, وغادرَ منزلُ المرأةِ العاهرةِ مسرعًا وهو في غايةِ الحزنِ والألمِ, يُقّلبُ أفكارهُ ذات اليمينِ وذات الشمالِ على جَمرِ آهاتهِ.

بعد أقلِ من نصفِ ساعةٍ, رجعَ إلى بيتهِ مكتويًا بالألم, اغتسلَ, تَطّهرَ, تعّطرَ ..

 

في الليلِ دخلَ إلى مخدعهِ ونادى على زوجتهِ, طلبَ منها أن تتهيأ, أن ترتدي أجملَ ما لديها من الملابس الداخلية. أنهى وطرهُ منها, ثم غادرَ البيتَ دون رجعةٍ بعد أن تركَ لها ورقةً مكتوبًا عليها:

استمتعي بجمالِ جسدكِ الطري مع عشيقكِ الذي أراكِ قد وجَدتِ فيه ضالتكِ وتؤام روحكِ في الغدرِ والخيانةِ ….

 

 

أحمد الشحماني

 

[email protected]

https://www.facebook.com/ahmed.abuzeid.7127/

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

على نكْءِ الجراحِ أرشُّ مِلحاً / بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

ولــي قــلبٌ تعاندُهُ الصّروفُ ونــهرُ الــحادثاتِ بــه يحوفُ – إذا تــركَ الــرَّبيعُ ...

غزة غزوات / بقلم: عصمت شاهين دوسكي

منى النفس غزواتها وحدها على كبد شروخها راع الصدود عادة حملت الوهن ...

غزة الأمة وأمة غزة/ بقلم: خالد السلامي

منذ نكبة فلسطين في ١٩٤٨ تلك السنة العجفاء بل وقبلها حين بدأ ...

الظل والقرين/ بقلم: فاطمة معروفي

قصيدة من ديوان “نفس الماء” ضوضاء الصمت…… من حولي تكبل نقطي تمسح ...

أسمال الفزاعة البالية للشاعر بادماسيري جاياثيلاكا / ترجمة : بنيامين يوخنا دانيال

هايكو ( 1 ) أسمال الفزاعة البالية يسحب الحباك خيوطها * من ...

في الجهة الأخرى من الخديعة / بقلم: سالم الياس مدالو

  في الجهة الاخرى من الخديعة تفرك الغربان باجنحتها الشوك العوسج والحنظل ...

حلبجة الجريحة / بقلم: عصمت شاهين الدوسكي

  هلموا اسمعوا هذا الخبر نبأ اليوم قد تجلى حضر من قريب ...

واحة الفكر Mêrga raman