الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / إضاءة وترجمة لـ”يا صفير العين …! ” للشاعرة ريم النقري/ بقلم: سي مختار حمري

إضاءة وترجمة لـ”يا صفير العين …! ” للشاعرة ريم النقري/ بقلم: سي مختار حمري

إضاءة وترجمة لـ”يا صفير العين …! ” / للشاعرة ريم النقري

بقلم: سي مختار حمري / المغرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص:

الدكتورة الشاعرة ريم النقري

يا صفير العين …!

يا صفير العين الرّاجف في مواقد الصّدى

أَخفِض صور الهزيمة

هبني حزنا حارّا مبهرا ينهش قصيدة ً

ترتّلّ زفرات الصّمت الأحدب

وتحرق دمدمة هدوئي

لأقيم مراسم الاحتفال عند أول رعدة بوح

في شرفة الرّوح

ثم أغلقُ جفون السّطور

 

#ريم النقري #

ــــــــــــــــــ

 

 

الترجمة الفرنسية: 

            sifflement d’œil…!

Oh ! œil qui siffle

Des secousses dans les poelles écho

Abaisse toi les clichés de la défaite

Donnes moi une tristesse

De chaleur  éblouissante

Pour dévorer un poeme

Qui chante des soupires

du silence bossu

Qui brule les grondement de mon calme

Pour organiser les cérémonies de célébration

Au premier énoncé tremblant

Au balcon de l’ame

Puis je ferme les paupières des lignes

                      Reem Alnukkari

الإضاءة:

1–مقدمة نظرية:

مفهوم التعددية في العمل الأدبي:

لمفهوم التعددية والاختلاف دور بارز، في الخطاب الفكري والنقدي، في تحليل النصوص الأدبية، فالتعددية تعني: تعدد الخطاب، والمعنى، والظاهر، والخفي، والقوى المتفاعلة. فلا يوجد حدث، ولا ظاهرة، ولا فكرة، ولا كلمة في نص أدبي إلا ولها معان متعددة، فأي كلمة أو صورة قد تكون هذا وذاك، أو شيئا آخر أكثر تعقيدا وتركيبا. من هنا لا يوجد معنى واحدا للنص، هناك تعددية وجهات النظر، تجاوبات مختلفة مع الأحداث، والوقائع، فالظاهرة الواحدة لها أقنعة عديدة، وخلف كل قناع يكمن قناع آخر، وهكذا على التوالي. على القارئ أن يتعامل مع هذه الأقنعة، ليعطي لكل قناع معنى جديدا، أي أن يعمل على تفجير معاني النص …هذا بعض ما أشار اليه ”رولان بارط ” في تحليله للعمل الأدبي فقد تمثلت محاولته في فهم آلية توليد المعنى من داخل النص الأدبي باعتباره سلسلة من الصور التي تولدت من خلال التراكمات الأدبية والثقافية …

2–العنوان:

النص لا يحمل عنوانا، وكما جرت العادة، نختار عامة كلمة أو كلمتين من الشطر الأول، كعنوان لكي نضع به حدا فاصلا، بين النص والعالم الخارجي، ولضرورة تسميته لتمييزه أثناء النشر والقراءات النقدية …

اخترنا كعنوان ”يا صفير العين…”

يا: حرف نداء ينوب عن الفعل أدعوك، أناديك

صفير: منادى منصوب وهو مضاف مسند إلى العين وهي مضاف إليه

الصفير: صوت نفخ الهواء بالفم بين الشفتين خال من الحروف / صفير الأذن /صفير القطار/صفير الباخرة / صفارة الإنذار/صفير الصقر / صفير النفس /صفير البلبل /صوت دعاء الدواب للماء /….

العين: عضو وهو حاسة البصر والرؤية عند الإنسان والحيوان / العين: الذي يبعث ليتجسس /ينبوع الماء ينبع من الأرض ويجري /أهل البلد/أهل الدار/رئيس الجيش /طليعة الجيش /كبير القوم /النفيس من كل شيء / أنت على عيني: في الإكرام والحفظ /قرة العين: سرور وسكون، رضا تام (ذرية صالحة) /عين نافذة: بصيرة/ نظر فكر منطق /….

إذا كان الصفير هنا غالبا ما يبقى مجرد صوت فالعين لها معاني ودلالات يصعب حصرها في معنى معين . فصفير أي العيون نعني…؟ أهو صفير حاسة البصر؟ أم الجاسوس الذي جاء لسرقة المعلومات ونقل الأخبار؟ أم صوت البصيرة؟ أم النظر، الفكر والمنطق. أم ماذا …؟

هذا ما سنحاول مساءلة النص من خلاله بالوقوف عند كل كلمة وحرف وترقيم، في محاولة لاستخلاص ما يمكن من المعاني، والدلالات المفكر فيها، واللامفكر فيها، ولم لا المستحيل التفكير فيها …

3–النص:

يا صفير العين الراجف في مواقد الصدى

أخفض صور الهزيمة

الصفير مقرون بالعين وهو صوت. هل يمكن أن نقول إن العين تصدر صفيرا إضافة لوظيفة الرؤية والإبصار …؟ هل يمكن أن نقول إن العين تتكلم. ؟! قد تكون عينا بمفهوم جاسوس، ناقلا للإخبار أو عينا بمعنى معاينة أو نظر (فكر ومنطق) وقد تكون حاسة البصر، تم توظيفها بشكل مجازي لتوليد دلالات أكثر عمقا.

كلمة ”الراجف”  تجعلنا نستدعي الآية الكريمة “يوم ترجف الراجفة  ” (النازعات 6)  الرجفان يعني  الاضطراب ، الصيحة العظيمة التي تتردد ،  فيها اضطراب كالرعد مزلزل يحرك كل ما  على الأرض ، وتموت  بسببه جميع الكائنات الحية والمقصود بها النفخة الأولى (وهي قيام الساعة ) وبالتالي نلاحظ أن كلمة  ”الراجف” التي استعملتها الشاعرة ، كلمة بؤرية تفتح لنا مجالا من المعاني والدلالات ، لا حصر لها ولا حدود لعمقها، هناك كلمات أخرى بؤرية متعددة في النص، قد تساعد على تفجير  دلالاته ومعانيه، والمدهش أن الشاعرة ربطت صفير العين الراجف، بمواقد الصدى :  كلمة موقد تطلق عامة على مكان اتّقاد النار  أو جهاز توقد فيه النار نقول موقد غاز /  كهرباء / نفط … مكان تكون به  نار  وقد يعني أيضا بيت نار المسدس أو الأسلحة الخفيفة و الثقيلة ( قاذفة للنار).  النار هنا ترد الصدى على العين مما يمكننا افتراضيا أن نقول: العين تصدر صفيرا بصوت لا حروف فيه يحدث رجفان زلزاليا والصدى المتردد يصدر من مواقد أي من مرابض النيران. إذا ما تراه العين، نارا حامية ربما حربا ضروسا قائمة الأركان تحرق اليابس والأخضر في صمت رهيب، بلا كلام عدا ما جاء في النص على شكل صفير.

الشاعرة تنادي وتدعو صفير العين بأن يخفض صور الهزائم. كفى من الصور التي تدمي العين، وتضعف الأنفس، وتجلب الشعور بالهزيمة، هناك صرخة عظيمة يمكن تشبيهها ب ”الراجفة ” مكتومة مضغوطة في الأنفس لا تجد مخرجا لها ألا من العين …

هبني حزنا حارا مبهرا ينهش قصيدة

ترتل زفرات الصمت الأحدب

وتحرق دمدمة هدوئي

يا رؤية العين التي يصدر عنها الصفير أعطينني القدرة، هبيني الحزن الحار الصادق المبهر، ليس لأكتب قصيدة لكن لأنهشها كما تنهش الحيوانات المفترسة فريستها، أو الحرب جنودها وحطبها الإنساني. هنا لغة الأظافر، والمخالب، والأنياب، والدماء، لكتابة قصيدة الحزن الحار، المبهر، العميق الصادق. ما عادت الأقلام تنفع، ولا الحروف تكفي، لقد وصل الأمر إلى مستوى يصعب تخيله، أو التعبير عنه، درجة من الخشوع الكبير (وقوف شعر الراس) ”كما أشعر الآن وأنا أكتب” .. شيء فظيع جدا، صورة بالغة التعبير عن وضع كارثي، ترسب في الأعماق، كيف نخرجه …؟!!  هل من أحد يعيد للناس ما فقدوا. ؟!

ينهش قصيدة ”ترتل زفرات الصمت الأحدب” أي الكلام المكتوم المضغوط في النفس كلمة الأحدب تعني: تشوه الظهر بوجود ورم صلب، وقد يهم التشوه مناطق أخرى. إذن لا يتعلق الأمر بصمت عادي، تأملي أو صمت حكيم، قد يكون عكس ما نعتقد وهذا يجعلني استحضر من الناحية الإنسانية رواية ”لفيكتور هيجو” اسمها ”أحدب روتردام ” الشخصية الرئيسية فيها أحدب بعاهته وتشويه جسده، أحب امرأة جميلة، وكان هدفه من وراء حبه رغم واقع العاهة الضاغط والنكران والقمع الذي يتعرض له. هي تضحياته من أجل من يحب، حفاظا على الجمال الإنساني في الحياة، (والموجود أيضا بأعماقه) فلا يحرم الوجود من الجمال، أدرك أن فناء جسده القبيح، يعني استمرارية أعماقه الإنسانية الجميلة في البقاء

وقد نفهم من الصمت الأحدب، هذه الرؤية التأملية، فالصمت هنا مشخصن في أحدب يحمل عاهة وتشويها جسديا لكن قد لا يخلو من روح إنسانية جميلة.

القصيدة بعد خروجها للوجود ”تحرق دمدمة هدوئي” جاء في القرآن الكريم:” فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ”. دمدم عليهم: أي صاح عليهم ربهم صيحة غضب. والمراد بالدمدمة صوت الصاعقة، والرجفة التي أهلكوا بها، إذا القصيدة المأمولة ستحرق هذه الدمدمة، هذه الرجفة، وهذه الصاعقة التي يسببها من يملك القوة، الغارقين في ظلمة الليل الحالكة، هؤلاء الذين يفرضون عنوة، الأمر الواقع، والهدوء المصطنع الذي يناسبهم… سيكونون في مرمى القصيدة لإعادة الأمور إلى سابق عهدها أو أفضل من ذلك…

لأقيم مراسم الاحتفال عند أول رعدة بوح

في شرفة الروح

ثم أغلق جفون السطور

لتقام  مراسم الاحتفال بأول رعدة بوح : الرعدة صوت  أو اضطراب الجسم عند الفزع أو الخوف  قد تفهم بالرعشة أو نوع من التخشع  وهنا استحضر قصة أو رواية شعرية كتبها أب الفلسفة لوجودية ”سورين كيركيغارد ” اسمها ”خوف ورعدة” وهي تحكي قصة إبراهيم الخليل وهو يسوق ابنه إسماعيل ( اسحق عند المسيحيين ) ليذبحه  وكانت الرواية عبارة عن حوار يعتمل في باطن إبراهيم حالة إيمانية خارج سلطة اللغة  ورعدة النص جاءت مقرونة بالبوح أي بالكلام  قد يكون على شاكلة ما كان يدور باطنيا عند إبراهيم الخليل وهو في موقع صعب للغاية هل يرضي ربه ؟ أم بعصاه لإنقاذ ابنه الوحيد؟ ورعدة يطابقها بلاغيا (الجناس) على مستوى الطبيعة الرعد وهو نادر نسبيا ويتولد عن ظروف جوية غير عادية ويكون مصحوبا برياح وأمطار قوية ورعد وبرق أتخيل أن القصيدة ستكون عبارة عن بوح، عن شعر، عن انفجار ضخم يهز كل الأركان. مصحوبا برعد، وبرق، وأمطار طوفانية، ومسحة إيمانية عميقة الإحساس بالجمال الإنساني، والمعاناة، والانكسارات، والإحباطات داعية إلى تقديم التضحيات، في حجم إيمان إبراهيم الخليل.

هذا سينقلنا بالطبع من المجال الحسي الحركي إلى المجال الصوري الروحاني ”شرفة الروح ”، أعلى مقام روحي حيث الإطلالة على العالم المادي في رؤية شاملة ”بانوراميه” مما يؤكد ما ذهبنا له من النزعة الإنسانية الإيمانية المتجذرة في الخطاب ….

بعدها فقط لا قبل سيتم ”إغلاق جفون السطور ” ومن الجفون نفهم أن الأمر يتعلق بعيون السطور لندرك: أنها ترى، تتوفر على حاسة الإبصار، قد نفهم أنها تعني انفتاح البصيرة، الإدراك والوعي بأمور معينة، دعوة لعدم التوقف عن الكتابة التي تتناول وتعالج ماهية الوضع ومستجداته في أفق البحث عن المخرجات، ستبقى الجفون مفتوحة والعيون مبصرة ولن تغلق إلا إذا تغير الوضع في عمقه والى الأفضل …

الملاحظ أن البداية كانت بعين تصفر والقفلة بسطور تبصر مما يعني أننا لم نخرج من مجال العين، (الرؤية ضاغطة نفسيا) وبالتالي نحن أمام فكر دائري، ينتهي حيث بدأ

وكأننا أمام فكر صوفي أو بوذي تأملي حيث يقول الحكيم البوذي: ”ننتهي دوما إلى ذلك الحضور الوحيد الخالد حيث ينعدم التمييز بين المعنى وغياب المعنى وتلك بالذات هي نقطة انطلاقنا ” ….

يبقى النص مفتوحا لأن الزمن النحوي الذي كتب فيه يفيد المستقبل بداية ب “يا” دعوة للحضور أو المثول /اخفض فعل أمر /هبني في الأمر /ترتل وتحرق وينهش أفعال في المضارع تفيد الحاضر الممتد للمستقبل / لأقيم تفيد المستقبل / ثم …. إذا المأمول أن يتغير الوضع في المستقبل أما في الوقت الراهن فعلى ما يبدو الأزمة عميقة جدا والظروف صعبة للغاية كما نستشف من النص ….

تقول أسيل سوران: ”لا تؤدي الانحدارات بالضرورة إلى الأسفل فكم محنة تكشفت عن أجنحة وكم من أزمة شكلت انطلاقة جديدة وصنعت التاريخ ”

4–الخاتمة:

نص كتب بفكرة عميقة جدا، بنفسية تنشد الخلاص، من عبء ثقيل للغاية، نص قوي جدا. مؤثر نفسيا إلى درجة قصوى، مكثف مضغوط مدهش، مستفز، قضيت معه وقتا ممتعا، مثقفا، تأمليا في حضرة صوفية ونزعة إنسانية عميقة لها أبعاد متجذرة. فشكرا لشاعرتنا العميقة التي أهدتنا هذا النص.  لا أدعي أنني فككت كل طياته فهو نص منفتح ومفتوح على قراءات متعددة، أضيف فقط أنني لمست محاولة لتجاوز اللغة والتواصل بما فوقها، بذبذبات من نوع آخر ربما التقطت بعضها فقراءته التأملية تولد أحاسيس غريبة، توصل إلى أعماق متجذرة …

سي مختار حمري 24/08/2021

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman