الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة في رواية “ليلة الهجران” للكاتبة السورية نغوين موسى / بقلم: نصر محمد

قراءة في رواية “ليلة الهجران” للكاتبة السورية نغوين موسى / بقلم: نصر محمد

قراءة في رواية ليلة الهجران للكاتبة السورية نغوين موسى

 بقلم: نصر محمد

ـــــــــــــــ

“ليلة الهجران” رواية الكاتبة السورية نغوين موسى صدرت مؤخرا عن دار كنعان للدراسات والنشر بدمشق. تقع الرواية

في 104 صفحات من الحجم المتوسط. لوحة وتصميم الغلاف للكاتبة نفسها باعتبارها فنانة تشكيلية.

حملت الرواية عنوانا لافتا مثيرا للتساؤل، من جهة إعادة توظيفه، باعتباره في الأصل عنوان قصيدة للشاعر الكردي جكرخوين، واتخذه الشاعر حامد بدرخان فيما بعد عنواناً لإحدى مجموعاته الشعرية، كما كان عنوان برنامج تلفزيوني، ولربما اقتبست الكاتبة هذا العنوان من أحد هؤلاء؟

 

قبل أن أدخل عالم القراءة على أن أبين أن الكاتبة نغوين موسى متعددة المواهب، إذ لها حضورها في مجال التشكيل، النقد، الرواية، فهي تخلق بريشتها عوالم الجمال وتكتب رؤاها بدم القلب وتصرخ ملء الفم والروح. هي ابنة عامودا الحرائق. وهل هناك من أحد لا يعرف عامودا بلد الثقافة والسياسة، وحتى المجانين. عامودا التي لا تشبه أي مدينة في العالم ببساطتها وشعبها الطيب.

بعد محطتها الأولى: في عامودا مسقط الرأس، والمدرسة الأولى استقرت في دمشق التي فتحت لها صدرها ولكن بعد جد واجتهاد وصبر جميل، لتبرز مواهبها، الواحد منها تلو الآخر.

 

يسجل للروائية نغوين أنها، في باكورة أعمالها الروائية تلتقط بعض التفاصيل الصغيرة التي تعوض عما وراءها من ملامح، على طريقة خلق اللوحة التشكيلية، إذ تبرع في تقديم هذه المنمنمات المدهشة ببراعة لغوية لا تقل عن براعة إمكاناتها في احريك الريشة، تقول في الصفجة: 74

 

جلال الدين أما زلت هنا؟

 

ابتسم جلال الدين بصعوبة وحاول التكلم، لكن اللغة كانت حاجزاً بينه وبين صديقه وقال: أحبها

ليرد جلال الدين بابتسامة أكثر حزنا من الأولى

_ لا أستطيع البكاء منذ تسعة أشهر. قالها جلال الدين، وكانت المرة الأولى التي يتحدث بها الشاب عن نفسه. ولسبب ما لم يسأل عبد الله عن السبب فقد شعر بحجم الحزن الذي عليه احترامه. فحين تعجز عن البكاء يعني أن الحزن قد فاض.

شرب الرجلان المليسة بصمت وهما يسمعان صوت انهمار المطر. فقد برقت ورعدت مما اعطى الهدوء لابن قلابة فقد كانت الطبيعة تجارية ليقرر ابن قلابة إغلاق الحانوت والذهاب إلى الحانة. اختلط الرجلان بالسكارى. طلب ابن قلابة الكثير من الخمر. يومها لم يمعن جلال الدين النظر بالشموع. بل أطفأها. وأشعل لفافته وجلس وقال: تكلم أنا لا أجيد لغتكم لكنني سأفهم

 

لا بد من الإشارة منذ البدء إلى أن جمالية نص رواية-ليلة الهجران-وأهميته المعرفية لا يمكن أن يعكسها أي نص نقدي محتمل إذ إنها لا تروي قصة ولا أحداثا متسلسلة يمكن اختزالها في نص يكتب على هامشها على غرار ما تقدمه

الرواية الكلاسيكية. أن ما يشد القارئ اليها هو جاذبية إبداع أسلوبها ودقة وسمو دلالاتها ومعانيها. حيث عمدت الكاتبة إلى آلية

اختزال الأفكار وتكثيفها لتصب في عمقها الدلالي، وتركت للقارئ فسحة واسعة للتخيل والتحليل والاستيعاب، وذلك ضمن قالب أدبي فني بديع. جمعت فيه كاتبة الرواية بين جمالية الأسلوب وعمق المعنى. إن رواية ليلة الهجران شأنها شأن الروايات المبدعة التي تنتمي إلى فترة ما بعد الحداثة. حيث أحداث الرواية تجري في أماكن محددة. مثل:

الصحراء وأسواق المدن وحاراتها. وشخصياتها ممثلة في عبد الله وروضا ومعاوية بن أبي سفيان ومع ذلك فهي لا تستعرض حدثا أو أحداثا مترابطة واقعية أو متخيلة كتلك التي عهدها القارئ في الروايات الكلاسيكية وإنما تناقش بأسلوب حواري: تقول في الصفحة 43

 

كان معاوية يذرع مجلسه ذهابا وإيابا، فمنذ أن التقى بابن قلابة أصبح هواء دمشق ثقيلا عليه، وكان قد خلق لدمشق كاهل وضع عليه الرجل. كانت قد حفرت الآبار وارتفعت الأدعية بطول عمر معاوية عبر الطريق الممتد من مكة إلى دمشق. كنت تستطيع سماع الدعاء، كلما وقفت قافلة شكرت الله على نعمته رغم كون الماء مالحا كان ماء على كل حال

فقد احترقت أقدام الحجاج وتقطع شسع النعال على الرمال

المقدسة. ومال زال معاوية يزرع المجلس جيئة وذهابا وعيون رجاله تلاحقه وقد توتر كل من في المجلس وقد طرح السؤال نفسه: ما الذي يفكر الرجل به ثانية. ومن حيث لا يحتسب القى أحدهم التحية على معاوية. توقف معاوية وسط المجلس ونظر ناحية الصوت. كان الضوء خلف صاحب الصوت قد اخفى ملامح وجهه حيث كانت الشمس تميل للغروب. كان الطيف الأسود وقد أحيط به النور القادم من الغرب قد أعتى المكان مشهدا غريبا. ظل معاوية يراقب الشبح الذي ظهر فجأة بلا استئذان وكأن الأرض انشقت عنه.

ليتجه نحو كرسيه ويجلس عليه وقد غاب عما حوله.

_ السلام عليكم يا أمير المؤمنين. جاء الصوت الناعم. اتجه رأس معاوية ناحية الصوت ليرد

 

وفي الصفحة 86 تقول:

 

إنه ملجؤك كلما تعبت، قهرت، حزنت. الجأ إليه يا صغيري ففيه شفاء لكل داء، وأوله داء القلب. لكنه لم يفهم لماذا لم يشفها الكتاب من داء القلب الذي لازمها طوال حياتها على الرغم من الكتاب المعلق في غلافه البرتقالي كان الكتاب ذو اللون البرتقالي بالنسبة له هو الشافي من أي داء. ولو حصل

عليه لكان شفاه من هذا الذي يغزوه الآن من امرأة التقى بها

في منتصف الطريق بين بلاده وبلادها. فقد كانت دمشق ملتقى هؤلاء. من جاء من الجنوب وتوقف عندها ومن جاء من الشمال وسحرته قبل إتمام رحلته.

كان جلال الدين يعلم أن القدر قد كتب له داء القلب الذي سيلازمه طوال حياته القادمة. دون أن يعلم به أحد. فالرجال لا يخبرون عن حبهم لنسائهم فكيف بنساء الغير

هكذا يربون الرجال في قريته البعيدة. يحملون دائهم داخلهم. لا يخبرون به أحدا. رغم أن أعينهم تشي بالذي في قلوبهم. هذا الداء الذي يقضي رويدا رويدا على بريق أعينهم ليتحولوا إلى أشباه عيون. كان يتذكر وقوفه أمام روضا محاولا أخبارها بأمر ما. لكنه يمنع نفسه. يمشي عدة خطوات. يلتفت خلفه. ينظر اليها. يرجع خطوتين ليتوقف حيث هو. كأن الأرض تمسك بقدميه ولسانه.

 

 

يعد هذا العمل الروائي بحق إغناء للمكتبة العربية بقالبه الإبداعي المتميز. إنها رواية جديدة تعكس خصائص رواية ما بعد الحداثة التي تمنح الكاتبة حرية التصرف في شكل بناء الرواية وأسلوبها.

 

قارئ رواية-ليلة الهجران-إلا أن يجزم في أول ملاحظاته بأنه سيجد في قراءة الرواية من يحمل هم البحث عن المعرفة ضآلته ويجد من يتوق إلى جمالية الذوق الأدبي الرفيع حساً إبداعيا فنياً يشده بشغف كبير.

 

حقيقة إن نغوين موسى-ككاتبة-تقدم نصاً روائياً حداثياً، يكاد لا يكترث ببعض مقومات النص الروائي، كما إن مشروعها يستفيد من عالم التشكيل، إذ إننا أمام نص تجريدي تقدم فيه الروائية رموزها التي تحركها في الاتجاهات كافة، لنكون أمام رواية مفتوحة على الاحتمالات، وهوما تؤسس له تناقضات الأمكنة والشخصيات المتناولة.

 

وإذا كان يمكن التساؤل: أين مسقط رأس الروائية؟ أين ذكرياتها؟ أين طفولتها؟ أين أسماء أهل مكانها الأول من هذا الكتاب الذي يتضمن قوسا قزحيا من الألوان وكان لابد من ظهور أحد ملامح أهلها في العمل بشكل أو بآخر؟ فهو يبقى أولا وأخيراً من حق الكاتبة التي لابد وأن لها رؤية وخطابا جماليا من وراء عملها المتقن الغرائبي!

نصر محمد. كاتب وشاعر سوري مقيم في المانيا

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman