الرئيسية / قصة / هروب بعد المغيب / بقلم: نصر محمد

هروب بعد المغيب / بقلم: نصر محمد

هروب بعد المغيب / بقلم: نصر محمد

ـــــــــــــــــــــــ

في يوم الثامن من آذار من العام 1985 مساء، وبعد انتهاء مسيرة المشاعل بالتحديد، زارني صديقي الكاتب حليم يوسف في صيدلية روجين التي كنت أعمل فيها بعد الدوام المدرسي. بعد السلام والتحية قال لي:

 

– رأيت للتو فتاة بلباس الفتوة عند مشروع الكهرباء على طريق القامشلي، كانت مستعجلة وخائفة، سألتني فيما إذا كان لدي نقودا، قالت بأنها تحتاجها للذهاب إلى القامشلي. أعطيتها خمس ليرات، استقلت باص الجمعية التعاونية وكانت مرتبكة جدا. شبهتها بأخت صديق لنا في الصف الثالث الثانوي منزله على طريق المقبرة مقابل بيت بحدي المسيحي. وقال لنذهب إن كانت هي أم لا. فقمت بإغلاق الصيدلية وذهبت معه إلى شارع المقبرة. وصلنا أمام بيت صديقنا فوجدنا الباب الخارجي مفتوحا ووالدته واقفة أمام الباب، ولم نتجرأ على سؤالها عن ابنتها لأول وهلة. أكملنا طريقنا باتجاه المقبرة وعدنا ثانية ووالدة صديقنا لازالت أمام الباب وعليها بوادر الارتباك. فسألنا إن كان صديقنا موجود بالبيت، فردت بأنه غير موجود. مشينا من عندها باتجاه السوق إلى أن وصلنا منزل مدير الناحية، ورجعنا مرة أخرى باتجاه المقبرة مصرين على إتمام المهمة الشاقة التي كلفنا أنفسنا بها. شاهدنا الأم أمام الباب وسألتنا هي هذه المرة:

 

– من أنتم؟ سألتم عن ابني وقلت لكم بأنه غير موجود وها أنا أراكم أمامي مرة ثانية.

 

قال لها حليم مستجمعا كل قواه:

 

-بصراحة خالتي التقيت بفتاة لابسة بدلة الفتوة وهي تركب باص الجمعية بعد “موتور الكهرباء” على طريق قامشلو، فشبهتها ببنتكم.

 

عندها أمسكت الأم المرتبكة يد حليم وقالت: -دخيلك يا ابني، ادخلوا البيت.

 

دخلنا المنزل، وجدنا والد صديقنا المهيب في انتظارنا. كان رجلا صارما، مفتول الشوارب وعلى رأسه كوفية ومتكئ على وسادتين كبيرتين، وأمامه مسدس بدا لي ملقما وجاهزا للاستعمال. لا أدري لماذا تذكرت وقتها صور الآغوات من العهود الغابرة في الكتب التاريخية. سلمنا عليه، فرد السلام وقال: -ماذا عندكم؟ فحكى صديقي حليم ما سبق وحكاه للأم. فقال ساخطا: -وهل عرفتم سائق باص الجمعية؟ فقال حليم: -لا والله، لكنني لمحت في نفس الباص شخصا من “حسي رومي” اسمه أحمد العابد. فقال لنا آمرا: -اذهبوا فورا إلى أحمد هذا واسألوه عن اسم سائق الباص. قمنا من عنده للذهاب إلى “حسي رومي” على طريق القامشلي بعد صوامع الحبوب حيث يسكن حليم مع أهله. وعند الوصول إلى بيت احمد سألناه عن اسم سائق الباص، فأخبرنا بأن اسمه إبراهيم أمي وبيته عند أعلاف عامودا. بعدها توجهنا إلى بيت إبراهيم أمي سائق باص الجمعية، أيقظناه من النوم وسألناه عن الفتاة، فعرفها وقال: -لقد نزلت من الباص وكانت آخر راكبة تنزل في كاراج القامشلي وتوجهت إلى تكسي الأجرة الوحيد في الكاراج. فسألنا عن اسم صاحب التكسي، فقال لنا أن اسمه فيصل، وهو يقف دوما في نفس المكان في الكاراج . بعدها عدنا إلى منزل الفتاة ووضعنا كل نتائج تحرياتنا بين يدي الأب المستنفر والأم المرتعبة. فكلف والد الفتاة خالها بالذهاب إلى القامشلي للاستفسار عن صاحب السيارة.

 

وفي صباح اليوم الثاني تبين أن الفتاة كانت قد فرت إلى بيت خالتها في الحسكة هربا من أهلها، بعدما خبرت إحدى صديقاتها الأهل بأنها كانت قد رأتها مع شاب على طريق الكورنيش وهي تخطط للهرب معه إلى مكان مجهول …!!

 

… نصر محمد ..المانيا

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman