الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة لفيلم قدمي اليسرى /بقلم: فوزية اوزدمير

قراءة لفيلم قدمي اليسرى /بقلم: فوزية اوزدمير

قراءة لفيلم قدمي اليسرى /بقلم: فوزية اوزدمير

ـــــــــــــ

كيف نعيش الحياة بقدم واحدة قد تكفي دون بقية الجسد .. ؟

وكيف لقدم واحدة بأمكانياتها المحدودة أن تنقل صراعات الإنسان الداخلية وأن ترسم رحلته في الحياة .. ؟

كيف لقدم واحدة الاستطاعة في تحويل حياة شخص ما من ظل للآخرين إلى بؤرة الضوء والاهتمام .. ؟

هي جملة من الأسئلة تخطر على بال من يعتقد أن الإعاقة بالجسد فقط ، فهو ولا ريب شخص جاهل لا يعرف بعد ما تعنيه الحياة داخل كل خلية من خلايا جسدنا بالتفصيل بل وأيضا لأرواحنا ..

هكذا يطرح لنا المخرج ” جيم شيريدان ” المتحصل على جائزة الروح المستقلة لأفضل فيلم أجنبي والمرشح للأوسكار كأفضل إخراج وجائزة البافتا وجائزة نقاد الأفلام في نيويورك لأفضل فيلم سيناريو مقتبس من رواية ” قدمي اليسرى ” للكاتب الإيرلندي ( كريستي براون ) بأسلوب شيق لا يستطيع إتقانه سوى مخرج متمكن بنقل حروف نص كاتب بارع ، فيجعلها تحفة بصرية ، تجمع بين المتعة والحرفية في سبك الحدث السينمائي ، عبر الموسيقي ” إلمر بيرنشتاين ” صورة الإنسان بسعيه لترجمة صراعاته وشعوره وإحساسه من خلال سرد زمني يناسب تفسير الواقعة ..

” اضطررت إلى أن أعيش داخل نفسي ، معزولا عن كل الأشياء ”

ومحاولة صياغتهما عبر أسلوب كاميرته السردية ل اللامرئي داخل كينونة هذا الكيان الجسدي المعاق حين تتوسع الأفكار والعواطف ويملأ الزوايا بين البداية والنهاية غير المتوقعة بين الرائي والمرئي

حيث يفتتح فيلمه بلقطة زوم متناهية القرب لقدم تقبض على إحدى الأسطوانات الموسيقية لوضعها في الجرامافون لتطلق ألحان ” موزارت ” بغناء ” ريتا جوزيف ” مصاحبة تعابير عيني صاحب القدم ” كريستي ” ( دانييل دي لويس ) الغارق في سحر الموسيقى والذي بدوره يعير المشاهد عينيه ، ليبصر الأشياء كما يراها هو ، لتنتج رؤية ذاتية تؤكد هذه المساحة للذات في هذه المشاهد عبر تعبير ” كريستي ” اليائس وعبر الكاتب المشارك ” شين كانتون ” المرشح لجائزة الأوسكار المؤطرة للمشهدية المرئية لمشهد سقوط رأسيّ الأب والأبن متجاورين ويكون الأب قد فارق الحياة ، عن هذه الفكرة الحاملة بأسمى معاني الحب القدسي المفتوح من قبل والديه

” نحن نحاول بكل طاقاتنا المتوفرة لدينا على التواصل مع هذا العالم ومع من فيه ، بأعيننا ، بأيدينا أو بابتساماتنا وربّما بأفكارنا ..

” ثمة من المشاعر والعواطف ما لا يمكن أن تنقل أو يحس بها غير الكلمة المكتوبة فقط ، الكتابة خالدة ، لكن من الصعب أن تجسر الفجوة التي تفصل بين اثنين من البشر كما يفعل الصوت ”

وما أنا إلا أحد من الذين ولدوا في أسرة فقيرة ، وهم يحملون داخل جسدهم المفعم بالانفعالات والاختلاجات ، متلازمة الشلل الدماغي حين قال الأطباء لأمّي آن ذاك ..

أني سأكون عبئا ثقيلا على الأسرة .. !

لم تمتثل أمّي ( بريندا فريكير ) الحائزة على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة لقدرها، بل أصرت على إيمانها الأمومي الراسخ في جوانيتها أن تعتني بي أشد إعتناء ، يوم شاهدتني وأنا أمسك بين أطراف قدمي اليسرى قطعة طباشير صفراء وهو الطرف الوحيد المتحرك فيّ ، من بين أطرافي الأربعة وكتبت كلمة ” MOTHER ” على الأرض ، لأجد من بعدها وجودي الإنساني في الفن والأدب نافذة أنفذ منها إلى العالم الآخر

أنا كريستي براون متعدد الأبعاد ؛ شاعر يفيض بالمشاعر ذو الجسد الراصد لمشاعر العزلة والغضب ، الوحدة والحب ، الرفض والأمل ، عندما تنهار جسور التواصل بيني وبين الآخر ، تتلاطم فيّ أمواج بحر شعور لن يبرح جسدي وتلك المشاعر حتى تنحسر في حزن هادئ دفين ، وجدت قدرتي على تعويض النقص النفسي لدي وإسكات هاجسه عبر الفرشاة والكتابة ، الذي جسد دوره الممثل ” دانييل دي لويس ” الحائز على جائزة الأوسكار كأفضل ممثل رئيسي ، وجائزة البافتا وجائزة الأفلام الأوربية وجائزة الغولدن غلوب ، هذا الشخص الذي ولد معاقا بشلل دماغي ولم تمنعه الإعاقة من ممارسة حياته بشكل نوعي أقرب إلى الموضوعي من الرسم والكتابة واللعب كغيره من الأولاد ، حتى أنه وقع في حب فتاة من الحي فرسم لها رسمة يعبر لها عن مدى حبه لها ، ولكنها لم تقبله ..

هكذا بكل بساطة تروح الأيام وتجيء ويتعرف على ” إيلين كول ” وهي طبيبة تملك مدرسة لمرضى الشلل الدماغي ، تقوم بإهدائه مسرحية ” هاملت ” لشكسبير ودعوته له للتبصر في المشهد الذي تقال فيها العبارة الشهيرة

” أكون أو لا أكون ”

الدور الذي لعبته الممثلة ” فيونا شو ” المرشحة لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة مساعدة ، فتأخذه وتبدأ بعلاجه

– كنت لين الطباع جميل المعشر وصرت قادرا على الكلام بشكل أوضح وفي ذات الوقت يظل في داخلي ثنائية

الشر / والخير

تحيط بثناياي كنت أود الخروج ولكني لم أستطع بالاقتباس من الممثل ” براين فراي ” الذي أصيب باضطراب ثنائي القطب :

” أنا فخور بما أكونه وقتما أكون جيدا ، وخجل مما أكون عندما أكون سيئا ”

وهأنذا المشاكس على كرسي متحرك قد وقعت بحب ( إيلين ) على الرغم من أني كنت على دراية بأنها مخطوبة وأن زواجها قد قرب وقته ؛ فغضبت كثيراً وحاولت الانتحار ولكنني أيضا لم أستطيع ..

وفي وقت سابق تطلب ” إيلين كول ” من صديق لها أن يرعى معرضا لرسوماتي فيقبل ذلك الأخير ، ويصبح لي هناك معرضا يضم لوحاتي التي تلقى نجاحا منقطع النظير، عقب ذلك قررت أن أكتب قصة حياتي وكان من المقترح أن أطلق على مخطوطي تسمية ب ” ذكريات رجل معاق ” لأنه سيرتي الواقعية والإنسانية الذاتية بامتياز ولكني غيرته ل ( قدمي اليسرى )

وأثناء الحفلة الخيرية لكتاب كريستي براون ، ينهي شيريدان فيلمه بمشهد رومانسي ، حينما يأخذ ” براون ” وردة حمراء بين أصابع قدمه اليسرى ويقدمها ل ( ماري ) كدليل موجز للتعبير الشغوف وتوقه للحب

” لقد كانت متعة أن أضعت نفسي قليلا في عالم الأحلام ، في فردوس مستحيل ”

عن Joody atasii

x

‎قد يُعجبك أيضاً

(حينَ عشِقْتُ روحَكَ… / بقلم: سلوى الغانم

كان لي مع عينيك رحلةً طويلة حكاية خيال.. ومُزُنِ حُبٍّ.. لا أرتوي ...

عاشقتي… /بقلم: سلمان إبراهيم الخليل

مدي ذراعيك وعانقي احلامي يشدني الحنين في غربتي يغوص في شغف أيامي ...

يثقلني الهدوء…/ بقلم: فوزية اوزدمير

تقتحمني حمى الليل برعونتها السردية غير المتأججة ، بعينين لامعتين حانقتين ، ...

عيناكَ… / بقلم: راميار سلمان

عَيْنَاكَ أمطار صَيْفِيَّة تراتيل عشق صوفية وَ دهشة قبلة هَارِبةٌ مِن لهفة ...

قبيل انسدال الستار/ بقلم: أنور يسر

لأحكي من السرد كل الرواية قبيل انسدال الستار ضعوا في جيوب (الأنا) ...

سأمقت كل اجزائي/ بقلم:سهام الباري

  سأمقتُ كلّ أجزائي وأدفنُ ذلك الجوهر وأنقشُ ريشتي السودا لتطمس عيده ...

يا حبيبتي../ بقلم : محمود صالح

أثِقُ بالقصيدةِ عندما تُلقي برأسِها المُجْهَدِ على صدرِك لدَيها من الوفاءِ .. ...

أجنحة اليقين / بقلم: رشا فاروق

على ثوب الليل حفرت آهتي كانت الريح تحمل وحدتي قصيدة تتلوها العواصف ...

واحة الفكر Mêrga raman