الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة في ديوان وساوس عطشى للشاعر بشير أسعد الزعلان / بقلم: نصر محمد

قراءة في ديوان وساوس عطشى للشاعر بشير أسعد الزعلان / بقلم: نصر محمد

بشير أسعد الزعلان

قراءة في ديوان وساوس عطشى للشاعر بشير أسعد الزعلان

بقلم: نصر محمد / ألمانيا

 ـــــــــــــــــــــ

قبل أن تتحول الأشياء إلى كلمات تقولها كلمات أخرى.

قبل انحياز الأمكنة إلى الجهات وانحياز الجهات إلى المسافة. والمسافة لتأويل الزمن. قبل أن تقيد اللغة بشرط التفكير

وقبل أن تضاء عتمتها بالعبارة كان الشعر وكانت الحرية أيضا

هما الكلمة التي كانت في البدء. الكلمة التي تشكل الحقيقة من وجودنا. الشعر هو الحرية وهي الحرية. والحرية هي الشعر وهو الشعر. لا يمكن تقيدهما ولا إطلاقهما عصيان على التصنيف والتعريف مشرعان للاجتهاد في التأويل. التباس لذيذ وموجع في الوقت ذاته. كأن يسأل أحدنا لماذا

وجدت نفسي هنا أو لماذا أوجدتها. وفي الحالتين ما لذي يفسر وجودنا أكثر من الشعر والحرية.

 

ومع تزاحم الشعراء ونموهم وتسامقهم غير المعهود، تولد عندي إحساس قوي بأن الشعر بات أكثر غياباً عن أي وقت مضى. وعندما أقرأ أي مجموعة شعرية جديدة أكون شغوفاً بالدرجة الأولى بالبحث عن تلك القصيدة المفقودة التي ضاعت منّا ذات حداثةٍ، وضاع معها ذلك الإيقاع الشعري الذي يدفع بالنص إلى أقصى حدوده، ويصل بالمعنى إلى درجة الإشباع والنشوة

 

اليوم استوقفني نوع آخر من القصائد. وأنا أقرأ الديوان الأول للشاعر بشير اسعد الزعلان بعنوان (وساوس عطشى) صادرة عن دار موزاييك للدراسات والنشر عام 2020 يتبع الشاعر سلوب جديد يدفعك للبحث والتساؤل عن ذلك السر الغائم خلف الكلمات… وتدور بوصلة العقل بأقصى طاقتها بحثاً عن جواب. ربما تعرفه في قرارة نفسك…! ولكن عقلك الباطن يمعن في توريته.

 

بلا معنى ولا مغنى ولا مغزى

كأن العمر ما كان ولا كنا

ألا بالله أخبرني متى تصل

وهل أيامنا يوما مع الأحلام تتصل

وهل نحن بلا معنى كما قد قال قائلنا

لماذا؟

ألا تسمع !!!!؟

!!! ولا تبصر

لم العينان لا تدمع. (ص ١٣)

 

شيء ما سيؤرقك وأنت تقرأ قصيدة (وساوس عابد) وسيدفعك حتماً لتضع إشارة على طرف الصفحة… لتجد نفسك أمام سؤالٍ لست ملزماً بالإجابة عليه، ماذا قصد الشاعر في إشارته تلك ؟! هل أراد الشاعر أن يشير إلى غربتنا عن ذلك الوطن الذي لم يبق منه شيء، وأمام هذه التساؤلات كلها، سيشعر القارئ بمتعة النص، وسيشعر أيضاً أنه شريك في كتابته. 

 

مشيدٌ قصرُ غُربتِنا

فلا اهلٌ ولا اثرٌ

ولا حتى بقايا رماد مؤنسةٍ

بلا ظل ولا أملٍ كدلوٍ مات َ في بئرٍ معطلةٍ

كأنا صِغار

لم نهزم

ننام بكف معمعةٍ. (ص ٧)

 

لا شك أن الحب بأشكاله ومضامينه المختلفة العليا نعمة الهية تجعل القلب جنة مشعة بذاتها للأخرين ولها. وفضاءً وردياً فسيحا وفصلاً اخضر دائما دونه لا يكون الإنسان إنساناً ولا الأرض قادرة على احتماله. يقول الشاعر لوركا لا يحتاج الشعر إلى مهنيين مهرة بل إلى عشاق.

 لا يلبث الشاعر أن يأخذنا إلى قصيدة عاطفية ووجدانية حيث يقول في قصيدة (احبك سراً)

 

احبك جهراً

أحب التدلل في حاجبيك

وذاك الغموض على مقلتيك

 

أروم غمامك لا تعذليني

فلون الغروب

على وجنتيك

سباني

وقطر الشوق على تمتمات الكمان. (ص ١٥)

 

الوطن هو انتماء روحي للمكان. حوش البيت القديم ورائحة النعناع والرشاد والبقدونس ودالية العنب. سجادة صلاة الأم ومسبحة الوالد. الوطن هو توحد التراب مع الذات

 

وأيضا يأخذنا إلى قصيدة عن الوطن وبلدته حيث يقول

في قصيدة (بلدة في زمن النسيان)

 

مثل الفئران

عاشت كل مدينتنا

في أكواخ نبنيها صيفا. لكن يهدمها سيل الفيضان

البلدة تملكها الدولة. والدولة ملك الفئران

للدولة حارسها

يحميها. يحمل في جبته نيشان

الحارس فأر أيضا. لكن أعماه الطغيان. (ص ٦٥)

***

(وتتنوع القصائد في الديوان على أكثر من اتجاه، وأكثر من فكرة، من عاطفي ووجداني إلى قصائد عن الغربة والوطن والشوق والحنين واللغة المستخدمة في القصائد لغة بسيطة أحيانا والتي لا تخلو من الرمزية التي تحض القارئ على التفكير عن طريق بعض الكتابات والإشعارات والتناقض مع الموروث والدين واللغة)

 

وقد تأخذ في بعض الأحيان شكل نبوءة شعرية نحو عالمٍ جديد قادم، ومختلف عن كل ما عرفناه، ولكن الأهم من ذلك، هو متعة القراءة التي يشعر بها المتلقي، وتدفع به خطوة إلى الأمام، ستكون إضافة مهمة لرصيده الثقافي والجمالي.

نصر محمد

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman