الرئيسية / حوارات / التشكيلية منال محاميد: ترى ما هو غير مسموع وتسمع ما هو غير مرئيّ / ميسون أسدي
dav

التشكيلية منال محاميد: ترى ما هو غير مسموع وتسمع ما هو غير مرئيّ / ميسون أسدي

الفنانة التشكيلية منال محاميد:

ترى ما هو غير مسموع وتسمع ما هو غير مرئيّ

ميسون أسدي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*والدتي التي أنهت عامها الـ 87، ردّدت مرارًا وتكررًا بأن مؤسسة الاحتلال شوّهت تراب أرضنا وقتلت النباتات والحيوانات بعدّة طرق، مثل رش المبيدات من الجو وإدخال نوع من الأفاعي السوداء اليها، والدتي التي فلحت في 70 دونم أرض لوالدها و70 لوالد أبي، أخبرتنا بأنّ هناك عصافير غريبة في ساحة بيتها تقتل عصافير الدوري الموجودة بكثرة في سماء القرية، وأمي كانت تصرخ عليها وترفع عكازها في الهواء لتحمي طيور الدوري منها. كنّا نعتقد بأن والدتي تثرثر لتسليتنا، لكنّني صدمت حينما التقيت بالفنانة منال محاميد وعلمت بأنّها تحضر لشهادة الدكتوراه في مدينة دبلن تحت عنوان: “الحيوانات تحت المظلة الكولونيالية الاستعمارية”.

تقول منال: أن تغيير الطبيعة الفلسطينية وتسميم النباتات والحيوانات هو جزء من محاول طمس الذاكرة التاريخية التي يمارسها النظام الكلولونيالي الإسرائيلي من خلال التغيير في جغرافيا المكان، الأمر الذي يؤثر على الميزان البيئي للحيوانات البرية الفلسطينية تمامًا كما يؤثر على الرواية التاريخية فيما بعد. وان عملية تشجير القرى الفلسطينية المهجرة في الداخل بشجر ليس بالأصل من هذه الأرض تم جلبه من الخارج بهدف تغيير طبيعة بلادنا ولإخفاء المعالم الطبيعية التي تدل على وجود حضارة فلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى لمحاولة تأسيس مشهد توراتي لفلسطين بهدف خلق رابط تاريخي يدعم الرواية الكولونيالية الصهيونية.

منال فنانة تشكيلية فلسطينية، تدمج في أعمالها بين الفيديو، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي والكولاج والأعمال الإنشائية. لها تقنيات عدّة، منها الفن التركيبي. مالت منال محاميد عن قواعد الفنّ الأكاديميّ ووجّهت اهتمامها إلى الفنّ المفاهيمي من خلال استخدام مواد مختلفة في فنها، ومن أهمها استخدام جسدها، وإظهار الرفض والتمرد والمقاومة.

  • ما هي المفاهيميّة في الفنّ التّشكيلي؟
  • أيّ شيء من الممكن أن يتحول إلى عمل فنّيّ في حالة إخراجنا له من سياقه العام. الفن الكلاسيكي باستعماله القماش والألوان والزّيت، وغيره من الوسائط التقليدية الأخرى، قد تصبح عاجزة عن مجاراة الإيقاع السّريع للعصر أحيانا. ففي أعمالي ألوذ إلى استعمال أي خامات قد تخدم الفكرة بدون التزام مسبق بمادة معينة ولهذا قد استخدم أحيانا بقايا المعادن والخشب والزّجاج والأشياء المأخوذة من الاستهلاك اليوميّ وأحيانا أخرى الألوان الكلاسيكية. وتوظيف هذه العناصر كبدائل بصريّة وتركيبيّة معاصرة في قوالب جمالية وفنية، ومع أن المفاهيمية في الحركة التـّشكيليـّة تهتم بالأساس في خدمة الفكرة وأقل في الجمالية، إلا أنني أهتم في أعمالي المفاهيميّة بالجانب الجمالي بدرجة عالية.
  • أرى أن الوطن حاضر في أعمالك الفنية بشكل مكثّف.
  • أعمالي تبرز الهوية وطبيعة بلادي، وعلاقة الإنسان بمحيطه. وحمله لفكرة العودة والحق والمقاومة والظّلم والعنف والهويّة والانتماء وغيرها، أعمالي تبرز الحق في الحياة كما وتبرز لعنة الاحتلال.
  • شاركت في معارض عديدة ومهمة في مسيرتك الفنية.
  • شاركت في معارض فردية وجماعية عرضت أعمالي المتعددة في عشرات المعارض الجماعية في فلسطين وحول العالم في لندن وشيكاغو ودسلدورف وحيفا ورام الله وأم الفحم وأريحا وبروكسل وغيرها. كما شاركت في الإقامة الفنية التي نظمتها مؤسسة ديلفينا في بينالي رواق في عام 2007. إضافة إلى معارض فردية في فلسطين وخارج الوطن.
  • جوائز ومنح وإقامات:
  • حصلت على عدة جوائز منها: جائزة التفوق من جامعة حيفا، إقامة فنية في غاليري آرتهاوس-القاهرة، مصر، منحة فنية من مؤسسة عبد المحسن القطان، رام الله، منحة التميز، كلية الفنون همدراشا وغيرها الكثير.
  • الغزلان تحب أن تموت عند أهلها

ولدت في قرية معاوية المحاذية لمدينة أم الفحم. بدأت التعامل في مجال الفنون البصرية منذ جيل صغير. في بيت والدي كانت معلقة صورة والدي وهو يحمل بيديه غزالا وقد أحببتها حبا جما. عملي الغزال الفلسطيني المميز له سمات خاصة ويختلف عن باقي الغزلان الشرق أوسطية، فهو  يمثل مزاجي الشخصي من نفي ونكبة في ربط مميز في  مشاهدة البحث عن المفقود وإعادة كيانه في جغرافيّة وطنه الفلسطيني… استوحيت فكرة الغزال من لافتة ثلاثیّة اللّغة كنت قد رأيتها في حديقة الحيوانات خلال رحلة مع أطفالي، كتب فيها بالعربية والإنجليزية “الغزال الفلسطيني”، وهو اسم علمي أطلقه عالم أحياء ألماني قبل مائتي عام، فيما كتب على نفس اللافتة أسم الغزال بالعبرية على أنه ” غزال إسرائيلي”… وما زاد من حالة التّشويه هذه هو كون يد الغزلان كانت مبتورة بسبب مرض أصابها. وحالة التشويه التي يمر بها هذا الغزال أصبحت رمزا للتشوية والبتر الذي تمر به الكيّنونة الفلسطينيّة، وغزالي بالرغم من أنه بثلاثة أطراف إلا أنه لايزال نرجسيًا يقف ممشوق القوام معتدًا بنفسه، وشديد الشبه بالهوية الفلسطينية وهي قوية ونفتخر بها. الغزال في ثقافتنا أقوى من الجمل الذي هو رمز للصحراء والغزال للجبال… نحن كفلسطينيين نحمل الهويّة من دون الدّولة، والأذى من الكولونيالية من نصيب الإنسان والحيوان في فلسطين. قال الأديب غسان كنفاني: الغزلان تحب أن تموت عند أهلها، الصقور لا يهمها أين تموت.

  • أيقونة الصبر
  • نبتة الصبر في الفن بأنواعه أصبحت ممجوجة، لكنني أخذت نبتة الصبر وفكرت كيف يمكنني عرضها للجيل القادم بطريقة جديدة فالنكبة لجيل الآباء كانت مرعبة ويخافون الحديث حولها، ولكن بالنسبة لي الأمر مغاير وأتحدث عن ذلك خلال أعمالي وبالنسبة لأولادي سيكون مختلف أكثر، في صغري عندما كنّا نخرج لجولات في الطبيعة، أوّل ما نشاهده هو الصبر، فنقول هنا قرية مهجرة.

عرضت في بلجيكا مشروع أيقونة الصبر وتضمن لوحات وفيديو أنا وأولادي في الفيديو ولي صورة في صالون الشعر وصبر بين خصلات شعري، أقشر الصبر وأضعه في صحن، أضع الصبر في الخلاطة واستعمله ككريم للوجه، يوسف ابني يلون الثمرات وسلمى ابنتي تحاول بناء شكل من الصبر، هذا العمل الفني يحاول أن يثير التساؤلات، عن طريقة العرض وأي المواد التي سأستخدمها، ولماذا اختار هذه المواد؟

  • الفنّ خلق مفهوميٌّ
  • مشروعي للدكتوراه هو بحثي وفني معًا، يركز بشكل أو بآخر على الهوية الفلسطينية، حيث أن الحياة البرّيّة هي أحد أهم معالم الهوية الفلسطينية التي تواجه قساوة المستعمر وفكره، وهي علاقة معقدة في سياق طويل من الصراع الكولونيالي بين المواطن الأصلي والمستعمر.
  • ألوان أنثوية رقيقة بصرية وفكرية
  • تميزت بعض أعمالي عن غيرها بتقنيات الرسم واختيار الألوان، وأنا لا أكف عن التجربة باستعمال الألوان والأشكال ونوعية المواد المستخدمة. إن الصراع في داخل أراضي الـ ٤٨ أكبر من مجرد حدود وحواجز، فهو على وجودنا على لغتنا حتّى على قصصنا وذاكرتنا وموروثنا الحضاري”. لذلك، اعرض أعمالي من صميمي المتشابك من الناحية البصرية والفكرية.
  • الدكتوراه والجزر البري

مجموعة لوحات “شجر اليهود” تمثل السيطرة التي يفرضها الوجود الاستعماري الذي خلق الحواجز داخل المناطق الطبيعية الفلسطينية من خلق تشجير مساحات كبيرة بأشجار لا تمت لهذه الأرض بصلة من جهة ومن خلال إبادة بعض الفئات النباتية التي اعتبروها معادية لهذه الأشجار الغربية عن طبيعة بلادنا من خلال المبيدات، فهم يحاولون تشويه الطبيعة لتخدم الفكر “والحلم” الصهيوني من خلال إحضار حيوانات ونباتات ليست جزءا من الطبيعة الحالة في فلسطين حتى يكون عندهم مرجع وتصديق لما هو مكتوب عندهم في التوراة، وهذا هو موضوع الدكتوراه وهو الحيوانات والمشهد الطبيعي في فلسطين تحت المظلة الكولونيالية الإسرائيلية… أعتقد انه في نهارية تبقى الطبيعة اقوى من جبروت الإنسان الهدامة واقوى من الكولونيالية.

  • ثقافتنا سمعية أكثر من بصرية
  • تضيف منال: ثقافتنا سمعية أكثر منها بصرية، الناس أقرب إلى السينما والأدب والشعر والغناء من الفن التشكيلي. لم ندرس في مدارسنا تاريخ الفن لذلك من الصعب علينا أن نكون متلقين للفن وفهم العمل الفني. أحب أن تكون عندنا مساحات تجريبية، فالفن التشكيلي عندنا يعيش في حالة أنشاء متواصلة وهذا يسعدني. رغم عدم وجود مساحات كافية للعرض. تخرجت في 2002 وكنت أؤمن بأمور أخرى اختفت من عالمي اليوم … أحب ما يحدث عندنا في المشهد الفني، هناك أعمال فنية تشكيلية رائعة. عدد الطلاب الفلسطينيين في أكاديمية الفنون في ازدياد متواصل. وقراءة العمل الفني الحديث المعاصر بدأ يدخل في مناهج المدارس. وهذا من شانه أن يخلق جمهور متذوق للفن على المدى البعيد.
  • معرض في سلايجو
  • سأشارك قريبا في معرض في مدينة سلايجو الإيرلندية، والمشروع سيكون له صلّة بموضوع الدكتوراه التي احضر لها. عادة تأتيني الفكرة وابدأ بالبحث عنها مع أشخاص لهم صلة بفكرتي، ابحث في الأرشيفات وعبر الإنترنت ومن خلال التواصل مع باحثين في نفس المجال ثم ابدأ برسم سكيتشات للفكرة وأحيانا لا ترى الضوء وأحيانا أخرى انجح بإنجازها، اهم شيء عندي في العمل هو الاستمرارية وعملية الإنتاج ذاتها. هناك الكثير من الأفكار الحلوة التي لم تنفذ ولكنني أحاول أن أكون ذاتي في جميع أعمالي.
  • استغلال الاحتلال للحيوانات
  • الحيوانات والنباتات ستكون جزء من دراستي للدكتوراه وسأركز أكثر على الحيوانات. مثلا عن استغلال الاحتلال للحيوانات، من خلال استعمال الخيل لقمع المظاهرات، والكلاب في الحواجز، وتشفير الجمال حيث أنهم قاموا بسن قانون يفرض وضع شيفرة تحت جلد كل جمل، إضافة إلى قضايا أخرى عدم تمكن إدارة حديقة الحيوانات في غزة من إحضار حمار الوحش الأمر الذي انتهى بهم إلى أخذ حمار عادي وتلوينه بخطوط حمار الوحش.
  • تضحيات الفنان
  • لقبي الأكاديمي الأول كان تربية خاصة وفن، والماجستير في موضوع الفن، ودرست علوم متاحف وأمانة المعارض في جامعة تل أبيب، عملت في مهنة التدريس والأكاديمية فترة طويلة. عملت في مهنة التدريس فترة طويلة لأن الفنان لا يستطيع أن يوفر لقمة عيشه من فنه فقط.
  • زوجي داعم كبير
  • عاشت عائلة والدي في مدينة يافا بعدها انتقلوا إلى حيفا لمدة ثلاثة أعوام ومن إلى أم الفحم وبعدها إلى معاوية احدى قرى أم الفحم. عمل والدي كجنائني وكان عنده ذوق وفن الحدائق والورود ودرس خالي فن تصميم الأزياء في كلية شنقار، فالفن عندنا متوارث بصورة طبيعية وطفولتنا القروية جعلتنا نفكر ونبدع ونخلق العاب وأفكار خاصة بنا، أمي تشجعني ولكنها تقول الفن صعب. زوجي داعم كبير لي ويقف بجانبي في كل أموري، انتقلت وأولادي إلى السكن في دبلن منذ عام، للتحضير لدراسة الدكتوراه.


عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman