الرئيسية / حوارات / حوار مع الشاعرة الكُردية السورية عبير دريعي / نصر محمد

حوار مع الشاعرة الكُردية السورية عبير دريعي / نصر محمد

حوار مع الشاعرة الكُردية السورية عبير دريعي 

أجرى الحوار: نصر محمد 

ــــــــــــــ

شاعرة تتميز بوضوح نصوصها والتكتيك اللغوي باستخدامها المفردة المفرطة بالجمال البعيدة عن الترهل القريبة من الابتكار. فهي لها موهبتها المتفردة في تأثيث بيتها الشعري وتزيينه بالفكرة والصورة والتكثيف والانزياح. هي الشاعرة الكردية السورية عبير دريعي ضيفتنا لهذا اليوم.

ولدت في مدينة حلب ودرست فيها حتى نهاية المرحلة الإعدادية ثم انتقلت إلى عامودا مدينة الحرائق والسياسة والمجانين والأدب.

صدر لها ديوان مؤخرا باسم (صباحي أنت) الذي حصل على الدرع والجائزة بمصر بدار النشر بالقاهرة لأفضل ديوان.

تابعت دراستها الثانوية في القامشلي. لها خمسة أولاد موزعون في دول الشتات (وأوربا). لاحقا أكملت دراستها الجامعية بكلية التربية. عملت أكثر من ثلاثين سنة في حقل التعليم. حاليا هي مديرة مدرسة بعامودا ورئيسة اتحاد كتاب كورد سوريا فرع عامودا ولقبها الشاعر العامودي جميل داري بشاعرة عامودا. تأثرت بوالدها الراحل الفنان عبد الرحمن دريعي فنيا وأدبيا

…………

* كل أول خطوة ثمة تمرد يصاحبها. كيف كانت أول خطوات تمردك في مجال الاتجاه للشعر والأدب؟

 

* كانت بيئتي تسمح لي بالرقص والغناء والقراءة والتعبير، ولم تكن بيئة محافظة منغلقة، لهذا لم يكن ثمة ما يدعوني للتمرد، بمعنى أن أقف ضد أحد أو أن يقف أحد ضدي، بدأت بقراءة قصص الأطفال والروايات البوليسية المشوقة وتقدمت في القراءة وكان في بيتنا كتب ومجلات، وكانت المكتبة الوطنية للكتب قريبة من بيتنا بحلب حيث عشت طفولتي ومرحلة من شبابي الأول.

ربما كان ذلك يشكل تمردا بالمعنى العام، لكنه انتهى حينما تزوجت في سن مبكرة، وانقطعت عن المكان وانقطعت صلتي بالكتب فترة لم تطول.

 

* لكل شاعر طفولة راعفة بالحب والشوق. ماهي أبعاد طفولة الشاعرة عبير دريعي وكيف التقت بكراسة الشعر؟

 

* عبير دريعي هي ابنة جغرافية متاخمة للحدود الدولية بين سوريا وتركيا، هي ابنة تلالِ شرمولا قبل أن تعلن الحدود عن حديديها وضجيجها. ولدتُ في حضن عائلة تُحب الفن والأدب وتقدس الكتب والثقافة،

في المرحلة الابتدائية تعرفت على كتب جديدة، كتب لا تشبه كتبي المدرسية، ومن هناك أستمر الشغف بالقراءة والمطالعة، لم يدم ذلك الأمر طويلاً، تركت مقاعد الدراسة وكتبي، وهي النتيجة الأولى التي أفرزتها حالة زواجي المبكر وانتقالي من حلب إلى بيت الزوجية بعامودا، المدينة التي ولدت فيها.

عدت للدراسة، والى كتبي وأنا أم لطفل، وحصلت على الشهادة الثانوية (البكالوريا)وأنا أم لثلاثة أطفال، وأكملت دراسة أهلية التعليم بمعهد المعلمين وعملت معلمة مدرسة فترة طويلة وأكملت لاحقا الدراسة الجامعية واستلمت إدارة المدرسة وما زلت على رأس عملي وأعيش في مدينتي عامودا التي أعشقها وجداً.

كنت أقرأ كثيراً، وكنت أجد الوقت والتشجيع، لكن الظروف الجديدة ووجود أطفال أبعدني عن الاهتمام الجدي بالقراءة والكتابة أيضا، إلا في فترات قليلة كنتُ أجد روحي تنجذب إلى الكتب، فأقرأ فيها، تلك القراءات ولدت في أعماقي رغبة أن أكتب، أن أعبر عن مشاعري، وعنَ فيض من الرغبة والحاجة للكتابة، بدأت كتابة الخواطر، وبصراحة لم أحتفظ بها، وتطورت هذه الحالة، ومع توفر الوقت وبعد أن خفت مسؤولياتي كأم وكزوجة وربة عمل وموظفة، وجدت نفسي وحيدة في بيت كان يضج بالحركة والصخب الجميل، وهذا الفراغ، وتولد مشاعر وأحاسيس الشوق والحنين إلى عائلتي وأبنائي، وحالة الحرب التي نتج عنها النزوح وعمليات الهجرة جعلني أنظر إلى بلدي وإلى عامودا نظرة جديدة فبدأت أكتب بطريقة جديدة، أعبر فيها عن مواقفي ومحبتي لبلدي.

كل ما كتبته كان شعراً نثرياً، أو لنقل كان نثراً شعرياً. لن نختلف مع التسمية، وكثيرة هي النصوص التي كتبتها في فترات سابقة وأعتبرها جميعها قصائدي الأولى وإلى الآن…

 

* ما دور العلم، الخيال، الطموح، في بناء القصيدة وانبعاث فضاءاتها. كيف تتشكل القصيدة عند عبير دريعي؟

 

* القصيدة لدي تأخذ شكل الهطول، ولا أقصد بذلك أن الكتابة تخضع لزمن أو لمواسم مطيرة، وإنما تأخذ تكاثفها وتتشكل سحب الصور والمشاعر وتنتظر كمون توليد الطاقة، فتبرق الفكرة فجأة، وتبدأ رعود وبروق وينهمر المطر دافقاً معلنا عن تشكيل جداوله وبحيراته، وتفيض أوراقي بفيض من الضوء وتعلن القصيدة عن اخضرارها

طبعاً، وبكل تأكيد الشعر ليس أمراً فطرياً وإنما هو تراكم كمي نوعي من العلم والحلم وتقديس لفكرة الخيال،

هو استطالة مجنحة وتحليق نحو فضاءات أكثر حرية وتتسع هذه الفضاءات ويعلو التحليق كلما استطعنا أن نكون أكثر حرية وأكثر جرأة. هكذا هي القصيدة لدي وباختصار.

 

* لمن كانت تقرأ الشاعرة عبير دريعي في بداية اهتمامها بالكتاب؟

 

* في الحقيقة كل كتاب قرأته كان معلما لي، وكانت للكتب تأثيرها القوي والمباشر، ولا أريد أن أسرد أسماء فالقائمة تطول، وهي بالتأكيد قائمة معروفة لدى الجميع ولا أظن أن أحدا لم يتأثر بها بدرجة ما.

فقد اطلعت على الآداب الأجنبية من شعر ورواية بترجمات عربية، وللأسف كانت قراءاتي للأدب الكردي وباللغة الأم قليلة رغم إني قرأت كثيراً من كتب في الأدب الكردي وملاحمه وأساطيره باللغة العربية، واستمتعت بسماع الشعر الكردي مباشرة وعن طريق الأغاني الكردية أيضاً.

 

* نصوصك تتميز بالسرد، وتحمل الكثير من الصور الشعرية، هل فكرت بكتابة الرواية أو القصة القصيرة؟ وهل لغة الشعر تكفي للتعبير عن كل ما يحدث في دواخلنا ومجتمعاتنا؟

 

* القصيدة مسكن مشاعري، كتبت مشاعري ورغباتي وهواجسي وتساؤلاتي شعراً. كانت قصيدة النثر تمنحني قوة إضافية، أعبر بها وعبر لغة السرد عتبات الرواية وطالما كان حلمي أن أتفرغ لكتابة الرواية، رواية مغايرة، رواية شعرية أن صح التعبير، فالرواية هي المساحة الأكثر سشاعة لتضم كل جزئيات حياتي وهو الحقل الذي يمكنني أن أبذر فيه كل طاقاتي وأن أجعلهُ بيدراً أنام عند تخومه، وأن أحصل على قيلولة أو استراحة محارب كما يقولون، فقد أتعبتني الحياة وجداً. …

 

* (صباحي أنت) هي باكورة أعمالك لو تحدثينا قليلا عنها. وأيضا لك كتاب الكتروني (حينما كنت صغيرة) عبارة عن مجموعة شعرية لو تحدثينا عنها أيضا بإيجاز؟ 

 

* “صباحي أنت” هو عملي الشعري المطبوع الأول، نشرته دار مصرية

وكان الكتاب الأول الذي شارك في معرض دولي للكتاب في القاهرة وحصلت من خلاله على جائزة تقديرية ودرع لأفضل ديوان شعري من قبل المبادرة الثقافية للنشر، وقد سبق أن تم نشر مجموعة نصوص شعرية ضمن كتاب الكتروني أنيق تحت عنوان (“حينما كنت صغيرة “) من منشورات الصرخة ومجلة هيلما الإلكترونية الذي لاقى اهتماما نقدياً ملحوظاً وهنا لا يسعني إلا أن أشكر كل من الأستاذ القدير كيفارا معو الذي أشرف على تصميمه ونشره والأستاذ الكاتب والناقد عبد الوهاب بيراني القدير لمتابعته النقدية المميزة.

وحالياً لدي أكثر من مخطوط شعري معد للنشر، بالإضافة لكتابات حول تاريخ أمكنة محددة من عامودا وقد نشرت جزءاً منها في صحيفة خليجية. وأتمنى طباعتها في أقرب وقت.

 

* عبير دريعي ابنة عامودا الحرائق والسياسة والمجانين والأدب. ماذا تعني لك عامودا وماذا أضافت لتجربتك الشعرية؟

 

* الإنسان أبن بيئته، وشاءت الأقدار إنني ولدت بمكان بهي وعالٍ، بمدينة اسمها /، عامودا، / وابتعدت عنها لفترة حيث قضيت جزءاً من طفولتي في مدينة حلب تلك المدينة التي تركت تأثيراتها على شخصيتي وهي المدينة الكبيرة، والتاريخية ولها الفضل في جزء كبير من تكويني وشخصيتي، وشاءت الأقدار أن أعود إلى عامودا مرة ثانية ، تزوجت فيها وأنجبت أبنائي الخمسة وفيها عدت للدراسة وتعلمت و علمت أطفالها وأبناءها بحكم عملي كمعلمة ومدرسة ولاحقا مديرة مدرسة والى الآن و مازال طلابي يرونني تلك المعلمة الحريصة عليهم، وأصبحوا مهندسين وأطباء ومحاميين وميكانيكيين وتجار. وأصبحوا آباء وأمهات، تلك العلاقة مع سكانها وأهلها الذين هم أهلي ومعارفي أيضاً وتعلقت روحي بطبيعتها وبساتينها وحقولها وتلالها وطيورها. وأعشابها وحشائشها وهذا الأمر واضح وجلي في مفردات وثنايا كتاباتي التي كتبتها عن عامودا ونشرتها صحف كردية وعربية داخل وخارج سوريا.

أحب كل المدن الحدودية القريبة من عامودا، وأحب قُراها، وأكيد وكما سبق أن قلت الإنسان إبن بيئته، ومن الطبيعي أنني فيما لو ولدت وعشت في مكان آخر كان سيكون لي ذات المشاعر وذات الروابط للمكان الذي ولدت فيه أو المكان الذي عشت فيه.

 

* هل الشاعرة عبير دريعي تكتب باللغة الكردية وما تقييمك للإبداع الكردي في سوريا على مستوى الشعر؟

 

* ربما كانت ثقافتي نتاج لقراءاتي باللغة العربية ومن هنا اكتسبت أدوات التعبير ولا أخفي سراً أن كل ما كتبته كان ترجمة حقيقية لما كنت أشعره وأحياه كامرأة كردية، هسهسة اللغة الكردية تنبعث من نصوصي المكتوبة بالعربية، وروحي الكردية تحلق في فضاءات قصائدي،

وقد حاولت ترجمة بعض نصوصي لاحقاً للكردية، ولي تجارب متواضعة في الكتابة الشعرية باللغة الكردية الأم.

أما بالنسبة للشق الآخر من السؤال المتعلق بتقييم النتاجات الشعرية الكردية فأعتقد إنه أمر اختصاصي ومن شأن النقاد

والباحثين في الأدب الكردي، لكنني وعموماَ وحسب قراءاتي ومشاركاتي في أمسيات استماع للشعر الكردي أجد إنه خلال السنوات الأخيرة استطاع أن يمتلك قاعدة لغوية وتعبيرية جيدة، وخاصة إنه يتبع مسارات مختلفة ومتنوعة وهذا أمر يدعونا للتفاؤل بمستقبل الشعر الكردي وخاصة في ظروف باتت الكتب والمجلات والمواقع الإلكترونية داعمة ومتوفرة بالإضافة إلى تبلور جيل جديد من الشبان والكتاب الجدد الذين درسوا في مدارس وأكاديميات كردية.

 

* كثيرا ما يعلنون وفاة الشعر كجنس أدبي. هل تعتقدين أن للشعر مستقبلا؟

 

* كان ثمة رأي أو موقف نقدي يقر بموت المؤلف وذلك للدلالة على التعلق بالنص وحده وعده الأساس في معزل عن بيئة الشاعر وزمانه وتاريخه.

لكن القول بموت الشعر فذلك أمر مختلف، كيف يموت الشعر. وهل ماتت المشاعر وهل مات الإنسان ككائن وكيف يمكننا تصور العالم بلا موسيقا أو أغنيات. وأليس أساس الأغنية قصائد وأشعار

سيبقى الشعر وإن تعددت أشكاله ومدارسه وأساليب كتابته وطرق التعبير ومناهجه. سيبقى الشعر خالداً كما كان منذ قدم التاريخ وسيستمر مستقبلاً ….

 

* هل تعتقدين بكتابات نسائية وأخرى ذكورية. وهل هناك فرق بينهما. من هم في رأيك اهم الكاتبات والشاعرات والأديبات قرأت لهن وتقتدين بهن؟

 

* هو أمر تحدثت عنه كثيراً في عدة حوارات ولقاءات

ربما هو مصطلح مغلوط وتم طرحه إعلاميا في فترة شهدت نهوض كتابات مميزة للمرأة. ، أنا أؤمن بالإبداع الإنساني بغص النظر عن جنسانيته، عن منتجه سواء كان رجلاً أو إمرآة وإن كان للمرأة خصوصية صنعتها ظروف الحياة والواقع الشرقي، دوماً هناك نظرة دونية ونظرة متفحصة وحالة من الرقابة، ويتم محاسبة المرأة الكاتبة على كتاباتها وكأنها بكل ما تكتبه ماهي إلا أسرارها وأجزاء من سيرتها الذاتية.

ولم أفكر يوما أن اقرأ بانحياز، كأن أقرأ لكاتبات فقط، رغم تأثري بأسماء نسائية فتعاطفت مع ظروفهن، واستهوتني سيرة حياتهن ومواقفهن إزاء الحياة ومجابهتهن للواقع.

كل ذلك شكل أرضية خصبة كي اعرف نفسي كما قالها أرسطو، فلكي اعرف العالم والحياة علي أن أعرف نفسي قبل ذلك،

 

* ما هو رأيك بالثقافة الذكورية المنتشرة في المجتمع، والتي تقول بأن المرأة ناقصة عقل ودين. وثلثي أهل النار من النساء. والمرأة خلقت من ضلع ادم الأعوج. وإلخ…؟

 

* بداية، أجد من الصعوبة قبول مصطلح الثقافة الذكورية، فهي ذهنية متخلفة وليست ثقافة، فالثقافة رقي وتهذيب وإبداع وإنسانية واحترام للطبيعة والبيئة، ومن لا يحترم الأنثى ادأو لا يقيم لها وزناً فإنه تأكيداً إنسان معاق وبالتالي لديه مشكلة نفسية وعقد اجتماعية، وكل الأمثال الشعبية والمقولات الدينية هي نتاج عقل شرقي قاصر فكريا ومعرفياً وعلينا أن نساهم في دحضها ومحاربتها بالفكر والوعي، وماذا يهم إن كانت المرأة من ضلع آدم أو كانت من غصن شجرة، فتلك القضايا لا يعني أنها قاصرة ومختلفة أو متخلفة، والمهم أن يتم التركيز على أمراض المجتمع لا الحكم و إجراء إحصائيات عن عدد مقيمي الجحيم أو الفردوس..

 

* ما رأيك في وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية الإنترنت. الانستغرام. الفيس. أو أي وسيلة أخرى تطلين من خلالها وتتواصلين عبرها مع العالم؟

 

الفيس بوك أو الإنستغرام وكل وسائل التواصل الاجتماعي كان لها الدور الهام في تواصلي مع الأهل والأصدقاء والتعرف إلى أناس آخرين وإلى المهتمين بالأدب وقضايا الكتابة والنقد، كما كان فرصة للتعرف على نخبة مميزة من شعراء الكرد وشعراء وشاعرات سوريات، وأيضاً فرصة تواصل مع المغتربين، وشاعرات وشعراء من كل جهات الأرض، فالأنترنت كان الوسيلة الأسرع للتواصل والنشر، ومن المنصات الإلكترونية والمجلات والصحف الإلكترونية كانت انطلاقتي في النشر.

 

* كيف تنظرين إلى حياة الإنسان. وما رأيك بإنسان هذا الزمان وممارساته فيما يتعلق بالحروب والصراعات وتفكك علاقات البشر مع بعضهم بعضا. وهل تستوحين من هذه العوالم نصوصا شعرية؟

 

* طبعا، الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وحتما سيتأثر بكل الأحداث، والشاعر أو الشاعرة حتماً سيكون تأثره أعمق.

وأنا وخلال سنوات الحرب وخاصة إنني من اللواتي لم أغادر البلد وعشت تفاصيل التغريبة السورية من بداياتها والتي نأمل أن تنتهي وتكون خواتيمها خيراً وبداية للسلام وللبناء. فقد أوجعتني الحرب ومشاهد الدمار والقتل والنزوح، والهجرة والتي شكلت أكبر تهديد للتماسك الأسري وباتت الأسرة كعائلة مهددة بالتلاشي، فما بالك بالمجتمع ككل وخاصة السياسة و سياسات التدخل عملت وكعادتها على تفريق وتشتيت البشر وخلقت صراعات قومية مذهبية بين قطاعات ومكونات اجتماعية عاشت لسنوات طويلة معاً دون إراقة دماء أو هتك لأمان أو سلام الآخر وكان هناك نوع من الاحتضان الاجتماعي في كل بيئاتنا.

وكان للشعر لغته وقصائده، وأعتقد انه ثمة جنس أدبي أو حقل أدبي يمكننا تسميته بآدب زمن الحرب أو أدب الأزمة السورية قد فرض وجوده عبر الكتابات القصصية أو الروائية والشعرية، ونصوصي تكاد لا تخلو من إشارات الحرب، ويبقى السلام غاية وهدف ووسيلة وثقافة.

لا يمكن محاربة الواقع المزري إلا بثقافة التسامح ومزيد من الوعي وهو أمر يتطلب من المثقفين والمفكرين لا من الساسة ولا من الأحزاب المتصارعة.

وعلينا أن نكون دعاة سلام قبل كل شيء، فالتاريخ ليس تاريخ حروب فقط وإنما التاريخ حضارة سلام وإبداع وإنسان …

 

* كيف هي علاقتك مع ذاتك. مع أحلامك وعوالمك، ومع الآخر. هل ثمة توازن في هذه العلاقات. وكيف تحققين هذا التوازن أم أنك تجدين صعوبة في تحقيق الوئام والتوازن مع هذه العوالم المشتركة؟

 

* أنا أؤمن بذاتي وبقدراتي وهذه القوة أو الثقة العالية بالتفس ستبدو هشة إذا لم تكن تملك البعد الموضوعي الاجتماعي التفاعلي مع الناس والبشر الذين نعيش معا في مدينة واحدة أو الذين نعمل معا في مكان واحد أو الذين نتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

والأحلام تبقى أحلاما أن لم نعمل على تحقيقها.

مثلاً كان استكمال تعليمي حلماً بالنسبة لي، لكنني بدأت بالدراسة

والتجهز للامتحانات ونجحت وحققت الحلم.

وطالما كنت أحلم بوقت من الفراغ كي اكتب واعبر عن روحي، كان ذاك الفراغ حلماً، لكنني لم أهمل حلمي، واستطعت في وقت قياسي أن الملم ذاتي وأستفاد من فرصة بقائي وحيدة في البيت بعد مغادرة أبنائي البيت إلى أوربا نتيجة أوضاع الحرب، فلجئت إلى الكتابة واستجمعت قواي وعدت لدفاتري القديمة وأوراقي وبدأت الكتابة محققة حلم طالما راودني.

وكانت الكتابة سلاحاً للروح، والحلم جسر عبرت عليه ومازلت كي أصل ضفة الشعر التي أمارس عند تخومها حالة من أحلام اليقظة، أعبْر عن مكنونات النفس، وأستخدم لغة خاصة قريبة من روحي، أفتح لها مسارات البوح، فتأخذ أشكالاً عدة، ربما كانت نافذة في جدار عالٍ، أو شراع سفينة تأخذني نحو المدى نحو عوالم أحلم بها، وربما كانت روح عصفورة تحلق كل فجر ما بين بيوت عامودا وأشجارها، وترتاح في ظلال مآذن جوامعها أو قِباب كنائسها.

الشعر كائن أكتبه، وأشعر به. هو أنا. وهو ذاتي وحقيقة أحلامي.

 

* ماهي أحلامك وطموحاتك التي تتمني تحقيقها وكذلك ما هي طموحات وأحلام المرأة السورية بشكل عام التي تتمنى أن تحققها لنفسها؟

 

* ربما في معرض إجابتي على السؤال السابق استطعت أن أقدم الجواب بطريقة ما، أما أن اتحدت عن أحلام وطموحات المرأة فذلك يأخذنا إلى تحليلات عميقة خاصة بوضع المرأة وتاريخها ووضعيتها أمام القانون والدين والأخلاق والعمل ودورها الشريك مع الرجل في الحياة.

عموما المرأة لم تعد ضلعاً أعوجا أو ثقافة غبية تساق ضمن مسارات الفكر الغيبي وباتت قوة وطاقة قادرة على منح الفكر والعطاء اللامحدود للحياة وللمجتمع.

وأتمنى أن تكون كتابات المرأة الجندرية ونضالها الحقيقي ضمن الاتجاه الصحيح لبناء المجتمع وليناء الأسرة الكريمة المعافية من الأمراض والغقد المجتمعية النفسية أو الجسدية.

 

 * كيف تجدين حركة النقد الأدي؟ هل هي مواكبة للتجارب الجديدة؟ أم أن النقد غائب رغم أهميته؟ ماهي أسباب تدهور الحالة النقدية برأيك؟

 

* النقد حالة صحية، وكل الإنتاج أدبي يستلزم ليس فقط جمهور القراء، وإنما متابعة نقدية جادة، وأعتقد أن الكتابات النقدية لا تمتلك مساحات بحيث تغطي أغلب النتاجات الشعرية أو الأدبية ككل ويعود ذلك لأسباب انكماش حالة الاهتمام بالأقلام أو التجارب الجديدة، وعدم إنصاف النقاد بالمكانة الأدبية وحرمانهم من الجوائز الأدبية وكأنهم كتّاب يعيشون على هامش الحياة الأدبية،

النقد حالة أدبية إبداعية من شأنها إعادة ضخ الحياة في الكتابات الأدبية، فالنقد وحسب متابعتي لكثير من القراءات أو الدراسات النقدية جسر شبيه بجسر الترجمة وهو حالة وسيطة بين النص والمتلقي من وجهات مختلفة عن وجهة الكاتب أو الشاعر ذاته،

للنقد عين ثاقبة وخبرة ورؤية مختلفة ولم يعد النقد تهشيما للنص بل هو حركة بنائية جديدة.

أكرر مجدداً ضرورة وأهمية الحضور النقدي وذلك من خلال إتاحة المجال في الصحف ودور النشر على نشر المواد النقدية وضرورة الالتفات إلى الباحثين والنقاد ومنحهم التقدير اللائق عبر تخصيص جوائز سنوية للنقد وعدم الاقتصار على تكريم الشعراء والروائيين والتشكيليين أو الفنانين.

وهذا لا يعني أن النقد غائب أو إنه بانتظار الجوائز أو مدفوعات مادية، فهناك نقاد وضعوا جل جهودهم على متابعة الكتابات المعاصرة والنتاجات المحلية وذلك يعبر عن صحة الحالة الأدبية في الساحة أو الميدان الأدبي.

 

 * كلمة أخيرة، ربما غفلنا عن قضية ما، هل يمكنك إضافة شيء آخر…؟

 

* في نهاية هذا الحوار أتمنى أن تكون الأجوبة ضمن سياقها الجغرافي والتاريخي، فلكل لحظة زمنية أحداثها ولكل منطقة جغرافية اهتماماتها ولكل زمن شخصياته وأحداثه،

الكاتب أو الأديب أو الشاعرة هي وليدة لحظتها الزمنية وابنة بيئتها الجغرافية المكانية وهي أمور يمكن أن تحملها الشاعرة أو الشاعر إلى أي مكان، وهذا ما نشعر به خلال متابعتنا للنتاجات المدونة في اوربا أو المهاجر لأبناء وبنات بلدنا، فأننا نستشعر الروح المكانية وعبق المحلية وهذه القضية التي ربما ينتج عنه أدب مهجري جديد على غرار الأدب المهجر العربي خلال القرنين الماضيين.

شكراً لكم على المتابعة وعلى هذه الأسئلة التي كانت فرصة أعبر فيها عن رؤيتي للحياة والإنسان والأدب.

مرة ثانية شكراً لكم…

 

الشاعرة الكردية السورية عبير دريعي التي برز اسمها في السنوات الأخيرة كواحدة من شاعراتنا التي اثبتت حضورا مميزا من خلال تقديمها نصوصاً حملت روحاً مدافعة عصرية عن المرأة وهي تعيش همموها الاجتماعية والعاطفية وسعيها في العيش بجانب الرجل زوجة محبة. عاشقة. عاملة …


عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman