الرئيسية / آراء قكرية ونقدية /  ديوان “قفطان وسيف” للزجالة حليمة المجاهد/ بقلم: بوسلهام عميمر 

 ديوان “قفطان وسيف” للزجالة حليمة المجاهد/ بقلم: بوسلهام عميمر 

 ديوان “قفطان وسيف” للزجالة حليمة المجاهد

                جزالة المبنى وعمق المعنى و”الفاهم يفهم”

             حفر في التراث الشعبي

 بقلم: بوسلهام عميمر 

ـــــــــــــــــــــــــــ

إنه ثالث إصدار للزجالة المغربية حليمة المجاهد،

بعد ديوان “وجع المداد”، وآخر مشترك ضمن

عمالقة الزجالين العرب. يقع الديوان في121 صفحة،

يضم بين دفتيه ستة وثلاثين قصيدة موزعة على

خمسة فصول بعتبات موحية (عطش السؤال، مال

طعامي م بغا يكر، غمزة الوقت، فيها اعقل، الروح

فلسفجة).

لم يكن اختيارها لهذا العنوان “قفطان وسيف” عتبته

الرئيسية اعتباطا. فقد انتقت

ما لا تخطئه عين دلالة

على كل من الذكر والأنثى، من نخوة وعظمة وأنفة وشجاعة.

فالقفطان مرتبط في مخيالنا العربي عموما و المغربي خصوصا

بأصالة المرأة وأناقتها و جمالها. إنه مرتبط بالعزة والكرامة.

إنه مرتبط بلحظات الفرح والمسرات. علما فقد كان أيضا رداء

الأمراء والسلاطين وعلية القوم من وزراء وحجاب وكتاب دواوين وشعراء وكبار التجار.

أما السيف فهو عبر التاريخ، رمز للقوة والسلطة والجبروت. تغنى به الشعراء في جميع

الحضارات وخاصة العربية. إنه عنوان الشجاعة والبأس الفروسية، حتى إنها عدته أشرف

الأسلحة، وتحتقر من كان لا يعرف استخدامه. فعددت له أسماء مختلفة كالحسام و المهند

والصمصام والصارم والفيصل والبتار. وتيمنا به فقد اقتبست العرب أسماءه مسميات

لأبنائهم، إرهابا لأعدائهم، كسيف الله المسلول وسيف بن ذي يزن وسيف الدولة.

وإن كانت الزجالة رمزت للمرأة بالقفطان وللرجل بالسيف ففي أحايين كثيرة نجد نساء

عرفوا بالسيف وبالقفطان (السيدة الحرة نموذجا). فكم منهن عرفن في التاريخ بالقتال

والقنص وقيادة الجيوش والبلاء الحسن في المعارك والمواجهات العسكرية.

استطاعت الزجالة باقتدار زجلي عال، أن تضمن رؤيتها ورؤاها ومواقفها من الذات ومن

الآخر، مما يشغل بالها ويثقل كاهلها عبر مجموعة من الموضوعات، يصعب الإتيان عليها

مجتمعة، لكن كما يقال يكفي من القلادة ما يحيط العنق. فالزجالة كما أي كاتب ابن بيئته

يتأثر بما يحيط به، ويؤثر بما يبدعه من منجزات أدبية.

افتتحت قصائد ديوانها بعنوان مثير”عطشْ السؤال” ص21، يضاعف إثارته عناوين

القصائد المنضوية تحته، تجسد حرقة السؤال مثل “سكات الصبر”، و “سؤال”، و

“علاش”، وأخيرا “كشاكش السؤال”، التي ختمتها بصورة بديعة قائلة “نبات فروحي مدفية

// موسدة كشاكش السؤال” ص32. فحوالي إحدى عشر صفحة الأولى كلها خصصتها

لتيمة السؤال، فضلا عما ورد يتعلق به ضمن بقية القصائد على امتداد الديوان، مثل ما

نجده في قصيدة “السعد المايل” ص102 بصيغ السؤال المعروفة “واش هذ السعد المايل

// نستاهلوه ولّا حالنا // تلّى مع لقبايل // // شحال كَد الدمعة دّاوي الهموم // تمسح

 ظلام الليل //// يا عين // امتاش نسدو عين لْبرة // نْساو وجع الضحكة؟

لوحات فنية زجلية جميلة على مرارة مضامينها، رسمتها الكاتبة تعبر من خلالها عن

همومها وأوجاعها في شكل أسئلة حارقة، تقول في مستهل قصيدتها “سكات الصبر” “كيف

 نْصَبّرْ روحْ هدْ لحالْ // لْجرْحْ دكْ فْ لكَلْبْ وْتادو؟“22  وفي قصيدة “سؤال” تتساءل

كيف نرد ديك// الفرحة المسروقة// نداوي لجرح ب جراحو// نكمد لقلب من وجاعو”

ص25. تتلوها قصيدة “علاش”، أبدعت في طرح مجموعة من الأسئلة، بعد أن عرجت

على صنوف من المواجع والأحزان، لدرجة جعلت همومها تضحك في غابة الأحزان،

واصفرت أوراق جنانها كمدا، و أصبحت دروب قلبها كلها حفر عميقة، لم ينفع معها

خرسانة، فطفقت تتساءل “علاش”، لتصل ذروتها بأسئلة وجودية كقولها “علاش هْدَيْتيني

 عمرْ نُصّو بكا؟//نصو ذبال// بحال قصة الفتيلة والشمعة// والظل والظلام// مع حكاية

 لعذاب //والدنيا و لْمَكتاب” ص27. “علاش لعقل و لقلب نوضوها فتنة” ص29

سؤال يفرض ذاته، حول سبب اهتمام الكاتبة كل هذا الاهتمام بالسؤال وربطه بالعطش،

وتجعل له “كشاكش”،  وتخصه بكل هذه الصفحات، وتجعله على رأس قائمة قصائد

دواوينها. إنها تدرك أن أزمتنا أزمة سؤال. إنها تدرك أن السؤال هو المعرفة. إنها تدرك

أن ما نعيشه من أسقام اجتماعية، إنما مرده إلى غياب ثقافة السؤال أفرادا وجماعات.

فديوان حليمة المجاهد ينز كمدا وحزنا من مبتداه إلى منتهاه، حتى لنخال الزجل لا مكان فيه

للبسط و الفرح والبهجة. وأنى للبسمة أن تجد لها موقع قدم في ظل ما يخيم على الأوضاع

من سحب وغيوم وأهوال يشيب بها الولدان؟

على درب فحول الشعراء قديما وحديثا، اتخذت من موضوعة الليل جسرا لتعبر من خلاله

على كل أنواع الهموم والأحزان والأشجان وعوادي الزمان. فمن منا لا يذكر بيت امرئ

القيس للتمثيل فقط،

وليل كموج البحر أرخى سدوله    علي بأنواع من الهموم ليبتلي

تكاد لا تخلو قصيدة من ذكره تصريحا بلفظه أو بما يدل عليه ويرتبط به، بحوالي أكثر من

عشرين مرة (طاح الليل ص25، والظل والليل والظلام27، ليلها تبكيه34، سالف الليل

 غطى العين37، طاح الليل بلا قوافي71، حط كتافو عند النجوم80، ينسى الليل99،

وحلوف الليل والكمرة101، تمسح ظلام الليل101، ف ليلة عذاب هامدة109، اتسارا ليل

لسقام86 ..)، أكثر من هذا فقد خصته بقصائد بأكملها(تنهيدة الظلام39، ظلام تيهي82،

طاح الليل91) . فقد كان وسيلتها المثلى لتعبر عن احتجاجها وثورتها على الأوضاع

المزرية والظلم المستشري والقيم الفاسدة. تفننت الزجالة في وصف القهر والتسلط

والطغيان، تقول في ص73، “ملي تْطْوال النخلة تْعنّق السما تْزْيان // تْعطي تمَر حْلو

 وتكون لْغلّة وافْرة // يتسلطو عليها مْشاحْط لعذاب // تسوط فيها ريح النفاق // كُلّا باغي

 طَرْف م لوزيعة يغني موالو” ليصل الأسى مداه فتقول “تبكي الشتا ف صيف // وف عز

الصفا تولد الدمعة” و لما يبلغ التسلط لهذا الحد فعلى الدنيا السلام. تقول “عرف بلي ضُرْ

مْنّك شبع// ب لوجع // وشدها ركزة على هذا الكون“ص74.

فالظلم بحسب الديوان، لم يكن واحدا. فما أثر فيها أكثر من أثر ندوب الزمان، هو لما يأتي

من ذوي القربى، أو ممن كانوا محل ثقة.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة    على المرء من الحسام المهند

تقول في ص86، منبكيش على زمان // ضاع عمري فيه // حركْني لي خاب ظني فيه //

هاذو ناسي وانا نسيت // يتمناوك اطيح

والأشد قسوة، لما تجد نفسك عاجزا أمام الظلم عيانا بيانا، تقول في ص75،” تشوف الظلم

 تصيب روحك مقيدة بسلاسل//وبنادم يبدل ف لوجوه يلبس وجه ف وجه يبيعك يبيعك//   

متلقى ونيس يشرك معاك الضحكة ولفرحة والدمعة”. والأفظع لما تجد نفسك في عين

العاصفة، وحيدا لا نصير لك، تقول في ذات الصفحة “ دّبحك سكاكن لوحدة // لّي ف

 دواخل كثر من لبكى // كلام وغدة خلات دمعة”. و تضيق الأرض بما رحبت، فتتساءل

بمرارة وقد بلغت السكين العظم، قائلة “امتاش النفوس تغسل من لوجاع؟

لكن كل هذه الأوجاع والشدائد والظلمات المدلهمات، هل حطم نفسية زجالتنا واستسلمت

لقدرها، و ارتكنت إلى زاوية تندب حظها وتلطم خدها وتذرف دمعها حسرة على حظها

العاثر والظلم المركب الممارس عليها وعلى قومها. فالكاتب المفروض لسان قومه؟ إنها لم

تختر المهادنة والإغراق في التشكي والتباكي. في قصيدة لها بعنوان “حر السكات” تقول

في ص86، “ابغيت نعكعك // حبال صوتي مطوعتنيش // وخليت ليك اسكاتي // قرطاسة

 ف كاشوشك”.

يصل غيظها ذروته، لتقول لجلادها وأتخيلها ترميها في وجهه جمرة لاهبة في نفس القصيدة

بمرارة، “وهد لكَلب اهديتو ليك // دمو سايل // م عندي م ندير بيه”. وتبقى قصيدتها

“ابغيت حقي” ص69، تمثل قمة غضبها، وذروة ثورتها، تقول بمنتهى القوة، “بغيت حقي

 ف لارض // // ابغيت حقي ف حفنة تراب // // ابغيت حقي ف شبر من السما// بغيت

 حقي ف جغمة ما // // بغيت نْفور كلامي // // بغيت حقي من لهضرة”

وخلاصة القول تقول قاطعة الشك باليقين، تخرس ألسن المتاجرين بالدين ممن يوهمون

الناس أنه لا عيش إلا عيش الآخرة، “بغيت خلاصي هنا ولهيه”. و للتأكيد أكثر تزيد قائلة

بوضوح لا لبس فيه في ص70، “إيْه هنا ولهيه // هنا مغلوبة ولهيه ميزان عليا وعليك//

ابغيت حقي// حقي و مَ مْسامحة ليك”

خلاصات:

 الديوان وإن كان حافلا بهموم المجتمع وأوجاعه، فهو وثيقة هامة توثق لموروث

 

ثقافي غني مهدد بالاندثار. قاموس ما لم تتضافر الجهود، محال أن تعرفه الأجيال

 

اللاحقة، وإن كانت فالحالية نفسها ماذا تعرف عنه؟ فمَن مِن الشباب اليوم يعرف

 

معنى “شوططي لغبار، سوسي الرامود، جفت لكاعة”67-66؟ ومن يعرف

 

ذبحتني بموس// بونقشة حافي“77؟ ومن يعرف “نغسل الصوف// نقرشل

 

ونصبغ“83؟ ومن يعرف “انّجْ // زربية مْراحية// ب لحمر ولصفر// كَمحية

 

 تشبهني” 85؟ ومن يفهم “زفزوفي وعجاج وشلا كلام” 95؟ ومن يفهم “سْدّيت

 

 شقوق الريح“97؟ و “تغزل ف الريح“99؟ ومن يفهم “كان لمنجج // نسديو عليه

 

لعيوط”53، أو”حلبة ف فم النافسة// تفيض حليب// تمر ف يد العروسة// شدكوه

 

 البايرات ..” 103

–   الديوان يزخر بمقومات الأدب الزجلي الأصيل من لغة انزياحية دون الإغراق

 

في الرمزية، حافل بالصور البلاغية الجميلة والتشبيهات البديعة والحِكَم على قتامة

 

مضامينها. في ص101″السعد المايل حايل // كي سمن الكَدرة // مرة حايل مرة

 

غامل“، وفي ص87 “فاض كاس ف // عين الهم // وتحزمت بوجاعي“. لنتصور

 

كيف يتم التزنر بالوجع. إنه قمة الأسى والألم. وفي ص59”مَ عرفت.. لموت ف

 

غيابك عذاب// ولا وتد ف كَلبي ذاب“، وفي ص44 “وْ ليلي يطول // عمّر الطير

 يعلي// و جناحو مكسور” و في ص 76، “شَفني لهم // خاويتو يتلاهى // ساعة ولد

 لهم كهمني”

ويبقى ديوان حليمة المجاهد الزجلي لغناه وثرائه معنى وجماله مبنى، يحتاج لأكثر من

قراءة من وجهات نظر متعددة. تيمة الحلم لوحدها في الديوان يمكن أن تكون موضوع

دراسة. ذكرت في مواضع كثيرة، بصيغ تركيبية مختلفة، وفي سياقات متنوعة. إنها تيمة

تتماهى وبقية التيمات التي تعكس المعاناة والإكراهات. ويبقى الحلم بالغد المشرق هو

الأمل.

 

بوسلهام عميمر

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

على نكْءِ الجراحِ أرشُّ مِلحاً / بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

ولــي قــلبٌ تعاندُهُ الصّروفُ ونــهرُ الــحادثاتِ بــه يحوفُ – إذا تــركَ الــرَّبيعُ ...

غزة غزوات / بقلم: عصمت شاهين دوسكي

منى النفس غزواتها وحدها على كبد شروخها راع الصدود عادة حملت الوهن ...

غزة الأمة وأمة غزة/ بقلم: خالد السلامي

منذ نكبة فلسطين في ١٩٤٨ تلك السنة العجفاء بل وقبلها حين بدأ ...

الظل والقرين/ بقلم: فاطمة معروفي

قصيدة من ديوان “نفس الماء” ضوضاء الصمت…… من حولي تكبل نقطي تمسح ...

أسمال الفزاعة البالية للشاعر بادماسيري جاياثيلاكا / ترجمة : بنيامين يوخنا دانيال

هايكو ( 1 ) أسمال الفزاعة البالية يسحب الحباك خيوطها * من ...

في الجهة الأخرى من الخديعة / بقلم: سالم الياس مدالو

  في الجهة الاخرى من الخديعة تفرك الغربان باجنحتها الشوك العوسج والحنظل ...

حلبجة الجريحة / بقلم: عصمت شاهين الدوسكي

  هلموا اسمعوا هذا الخبر نبأ اليوم قد تجلى حضر من قريب ...

واحة الفكر Mêrga raman