الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / أمازلت تساوم / جوتيار تمر

أمازلت تساوم / جوتيار تمر

 

أمازلت تساوم؟

 

حين تتفاقم الحوادث في بؤرة ما، تتخذ المسالك الكلامية تعددية واضحة في التوجيه والأسلوب والمضمون، ولكوننا نعيش الواقع بكل تمفصلاته، فأننا نجدنا نتأثر بالوقائع والمستحدثات والأمور المعتمدة على القيل والقال ضمن هياكل متعددة الانتماء في الغالب، وهياكل أخرى ضمنية متناسلة من الواقع نفسه، بعبارة أخرى هياكل تناسلت منها الأحداث وانتشرت في بقاع الخراب المسمى الارض، لذا حين ترصد كل عين الحدث لابد أنها ستقوم بتأويله حسب معطيات وجوده الانتمائي من جهة، الجغرافي من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس ربما تكون  كلماتي هذه أشبه برسالة مفتوحة إلى شعوب الشرق الاوسط بكل قومياته وطوائفه ومذاهبه وتناقضاته، وجغرافيته التي لم تكن يوما مستقرة، رسالة قد تستفز البعض فيخرجون بوابل من اللعنات والشتائم على صاحب الكلمات الذي هو أنا، ولكن في الإجمال  أرى بأن هذه كلمة لابد من أن تقال كوجهة نظر شخصية، وكل شيء قابل للقبول والرفض.

بين كل حقبة وأخرى تظهر في الشرق الاوسط نعرات لا تتبنى أسلوب الحوار والأخذ والعطاء، أنما أول ما تظهر تحمل سمة الفتك بالآخر، هذه السمة هي من الخصال التي تعودت عليها المنطقة إجمالاً، فالتاريخ الذي لا يسعني أن اختصره هنا، يشهد على أن هذه المنطقة لم تعش سلاماً دائماً ولا أمناً دائماً إلا في الخواطر الإعلامية والموشحات الشعرية والخطابية والبلاغية والخيال الميثولوجي ولربما أحياناً في حقبات الخلايا الميتة ذات الطابع السباتي، كالخلايا الإرهابية بسكل تصنيفاتها من قومية ودينية ومذهبية وطائفية وعرقية واثنية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية، هذه الخلايا التي أن دخلت في سبات لا تموت إنما تأخذ فترة استراحة واستعداد وتنظيم وإعداد لكونها في مظهرها الحالي المرفوض- أقصد وقت ظهورها – لم تجد استحساناً أو قبولاً أو حتى نجاحاً، لذا تلجأ إلى السبات المؤقت، وبهذه الشاكلة تبقى المنطقة على فوهة بركان خامد مؤقت، لا أحد يعلم متى ينفجر بوجه الآخرين أو بأية صورة سيظهر وبأي لباس أو فكر أو دين أو قومية.

وحين تظهر تلك الخلايا من جديد تتحول المصوغات والمقولات من مرحلة الدفاع الذاتي الى مرحلة التبرير في البداية وحين لا يجد التبرير قبولا دولياً نجدها تتحول الى مرحلة نظرية المؤامرة وحين تنكشف الحقائق وتخذل نظرياتهم تلك يتحولون إلى مرحلة التبرئة من تلك الخلايا التي هي في كل الاحوال وليدة وجودهم ومتناسلة من ترسبات أفكارهم وأعمالهم داخل مجتمعاتهم ومواقفهم تجاه الاخرين، ويبدأ العويل والنباح الاعلامي والغريب في الامر ان النعرات هذه تستشهد بالتاريخ غير المرئي الذي دونه السلطات سواء القومية او الدينية او المذهبية والطائفية وبذلك يحاولون التستر على الثغرات التي لانهاية لها في البنية الاجتماعية والوجودية والفكرية والسياسية داخل مجتمعاتهم المتناقضة، وكأنهم يعالجون احد الامراض المزمنة الفتاكة ببعض المهدئات لا للعلاج انما فقط لإطالة العمر بقدر الامكان، وأي مواجهة مباشرة سواء بين الاضداد المتآخية ذات البنية القومية المفترض انها واحدة، او ذات البنية الدينية والمذهبية والطائفية الواحدة، فانهم ينحلون بسرعة لا يتخيلها من يرصد اعلامهم، فتشتغل البلاغة والبيان ضمن مجموعات متحالفة ضد مجموعات تراها عميلة وخائنة.

ان الحقائق التي يمكن رصدها من هذه الازدواجية على وجه الخصوص يمكن ارجاعها الى عدة أمور ولعل ابرزها كون ان الوجود السبقي لهذه المنطقة عموما كان في الاصل  وجوداً قائماً على مبدأ المساومة والتناقض،  وحسب نعرات تعتمد على اذا امنت بنا تسلم من سوطنا، وان لم تؤمن يهدر دمك وعرضك ومالك وارضك وتصبح ملعونا وهذا لم يقتصر على حقبة زمنية محددة، انما الامر مستمد من الجذور البدائية للمنطقة، فسواء أكانت الاديان اتت لتنادي عكس ذلك ام لا، فان الواقع يؤكد ان مبدأ المساومة لم ينقطع تاريخياً في المنطقة في اية برهة دينية او سياسية، لهذا ما قد تأصل في الجذور سابقاً يصعب ان يتغير في النفوس لاحقاً، لكون اللاحق هو امتداد جذري للسابق في كينونته ووجوده وعرفه وتقاليده ودينه وسيادته وقبيلته وعشيرته وشيخه.. واي مقارنة تخرج من إطار العموم القومي الديني ” المُدّعي انه وحدوي ” الى فترات من الرخاء في بعض القرى والمدن المتفرقة ليس الا سخرية بعقول الاخرين، واستهزاء بالواقع الذي لا ينكره الا المتعصب القومي الديني الاعمى الذي في الاصل اتبع نعرته القومية او دينه دون ان يتساءل او يبحث عن المضمون او المبدأ.

لذلك  تكثر التساؤلات حين تزداد المعوقات، او حين تظهر الخلايا بلباس وجلباب مختلف في الظاهر ولكنه في الجوهر مبني على تلك الأسس السبقية البدائية التي تناسلت منها تلك الخلايا، وهذا ما يجعل من كل ازمة في المنطقة اشبه بانفجار لبركان، حيث تنشغل الاوساط العالمية والدولية بها، لأسباب ان قلنا بانها نابعة من كون المنطقة هي اساس البشرية ومهد الحضارات ومهد الانبياء والاديان فأننا نخدع انفسنا لاسيما في القرنين العشرين والحالي، لكون المسألة واضحة، لا توجد مؤامرات دينية صليبية بوذية سيخية اسلامية جانتية زرداشتية ميثرائية ولا هي من موروثات المايا والازتيك والانكا، انما هي مسألة النفط والحرب الاقتصادية التي اصبحت هي الاله الاكثر قبولا في معابد الوجود الانساني، وعلى هذا الاساس تحولت المسارات الادعائية ذات القومية الواحدة والدين الواحد الى اشكاليات اخرى ترافق هذا الوجود المتناقض لهذه البؤرة الدموية الشرق اوسطية، فالمساومات لم تعد مبنية على اسس شمولية انما تحولت الى ابناء القبيلة الواحدة، او لنقل دولة على حساب دولة، وداخل الدولة الواحدة نفسها اصبحت المساومات فوضى تهدد بزوال الكيانات كما يحدث الان في اغلب البؤر الشرق اوسطية، وهذا بلا شك نتاج التكوين البدائي للإنسان في المنطقة وليس انتمائه الى تلك الخلايا الا تأصيل لهويته.

وضمن هذه الايقونة المتناقضة تحتل مشاكلات بعض القوميات التي فرضت المصالح الدولية قديما وحاضراً وجودها ضمن هياكل هذه الدول مكانة واضحة، فتلك المشاكل منذ خضوعها القسري للواقع الدولي لم تقف ساكنة، انما ظلت تتحرك ضمن دوائر متنافسة ومتناغمة وحسب الامكانيات التي توفرت لديها، دون البدء بخوض معترك الصراع المباشر في اوقات ضعفها، انما اعتمادها على هياكل متعددة في صياغاتها لخطابها القومي وكذلك في مساعيها لبلوغ مقاصدها القومية، وهذا بلا شك اضاف الى بؤرة الشرق الاوسط مشاكل اخرى، لن تنتهي الا بعدما تأخذ تلك القوميات حقوقها القومية من جهة والجغرافية من جهة اخرى، وبلا شك من يقرأ المقال سيعرف باني اقصد الكورد كقومية وكوردستان كجغرافية، فلان الكورد هم وجود سبقي ايضاً في المنطقة حالهم حال الترك والفرس والعرب، فان ما يحدث لهم لا يخرج من دائرة الرصد المساواماتي، فحين تنظر الى الموجودات الاخرى تسعى لتحقيق اغراضها واهدافها على حساب المكونات والموجودات التلازمية السبقية في المنطقة، فان الكورد ليسوا بخارجين عن المعادلة في سعيهم للحصول على اهدافهم، واستغلال الظروف اجمالاً للوصول الى مقصدهم الاساس وهو بناء كيان لهم، وبلا شك هذا الكيان لن يكون انموذج فريد من حيث المنطق لوجود النعرات الداخلية كما في الدول الاخرى، ولكن من حيث المبدأ يقول الكوردي لماذا نعراتي لا تكون من بني جنسي وقومي، بدل ان تكون من اقوام لا تربطني بهم سواء فرضية الجوار وفرضيات ولربما فرضية الدين المنقسم ذاتياً.

انه المنطق الاكثر شيوعاً الان بين الاوساط الكوردية، ولعل من قائل يذكر رفض بعض الاحزاب الكوردية هذا المبدأ، ولكن اجمالاً وبالنسب المعتمدة على استحصالات الاحزاب فان الغالبية هي التي تتوحد في توجهم لاستغلال الظرف الدولي الحالي والقبول الدولي للكورد ضمن هياكل وتحالفات سواء أكانت وقتية او لا، وهذا ما يجعل من القلة المعارضة تخوض غمار معركة مع التاريخ القريب، لمساومتهم على الامر الاهم في المرحلة الحالية وهو ما يتعلق بكوردستان او بكيان كوردي يمكن ان يكون في الامد القريب البعيد نقطة انطلاق لتاريخ اشمل ورقعة جغرافية اوسع، على الرغم من المساومات التي تظهر في العلن والتي تحاك في الخفاء من اجل كبت وطمس معالم هذا الامل الكوردي، فان على الكورد ان لا يساموا داخلياً في هذه المرحلة، مع امكانية قيامهم بمساومات اخرى خارجياً لتدعيم موقفهم الداخلي وليس للتعارض.

 

 

 

جوتيار تمر/ كوردستان

7/7/2017

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

على نكْءِ الجراحِ أرشُّ مِلحاً / بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

ولــي قــلبٌ تعاندُهُ الصّروفُ ونــهرُ الــحادثاتِ بــه يحوفُ – إذا تــركَ الــرَّبيعُ ...

غزة غزوات / بقلم: عصمت شاهين دوسكي

منى النفس غزواتها وحدها على كبد شروخها راع الصدود عادة حملت الوهن ...

غزة الأمة وأمة غزة/ بقلم: خالد السلامي

منذ نكبة فلسطين في ١٩٤٨ تلك السنة العجفاء بل وقبلها حين بدأ ...

الظل والقرين/ بقلم: فاطمة معروفي

قصيدة من ديوان “نفس الماء” ضوضاء الصمت…… من حولي تكبل نقطي تمسح ...

أسمال الفزاعة البالية للشاعر بادماسيري جاياثيلاكا / ترجمة : بنيامين يوخنا دانيال

هايكو ( 1 ) أسمال الفزاعة البالية يسحب الحباك خيوطها * من ...

في الجهة الأخرى من الخديعة / بقلم: سالم الياس مدالو

  في الجهة الاخرى من الخديعة تفرك الغربان باجنحتها الشوك العوسج والحنظل ...

حلبجة الجريحة / بقلم: عصمت شاهين الدوسكي

  هلموا اسمعوا هذا الخبر نبأ اليوم قد تجلى حضر من قريب ...

واحة الفكر Mêrga raman