قراءة في نص “الخروجُ مِنْ قلْبِي” للشاعر والأديب المصري صابر حجازي
…………………………
أولاً النص ؛-
الخروجُ مِنْ قلْبِي
—————-
قلبي العارفُ بالأيام
مازال يُجازفُ بالأحْلام
يخترقُ ظلامَ الليل، وصمتَ الألَم
يشُقُّ طريقًا للإبْحار
فِي الخوفِ السَّاكِنِ بالأقْدار
يُنَقِّبُ فِي صَمْتِ الأعْماق عَن الأزهار
يفتش في هذا العالم
يسبح ضد التيار
**
مُحْتَالٍ خَدَّاع
مَنْ قاَل بأنّ الإنسانَ الجَاسِر
لا يعرفُ إخْضاع
محتال خدّاع
مَن قال بأن الصُّبح الكاسرَ
لا يعرفُ إخضاع
فالحقّ
الحقّ يُعَانِقُ صوتَ البَاطِلِ
يَرقُصُ
فَوْق أسي أوْتار الكذب
يضاجع
جسم حقيقة حرف غادر
مُحْتالٌ خدّاع
مَن قال بأنّ القاتَل
يقتُل
دون دِفاع
قتلوكَ أيا (يوسف)
آه..لو نَظرُوا في الجُبِّ
لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع
**
قلبي قد عاشَ بِلاَ أضْلاع
تمْخُرُة الدمعة ُ- والأعْوام…
ونبض الكلمة
والبحث عن اللّقمةِ
لكنْ فِي خوْف ِالعَصْر الأعْمَى
مدّ ذراعا
ليفتِّش في نَبْضِ الأحْلام
عن موجةِ نُورٍ
تَتخطَّي الدّيْجوُر
تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف
تعيد ُخُطاَه
يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر َ
قيْد الأسداف
………………………
ثانياً؛ -القراءة
يتمثل عنوان النص “الخروج من قلبي” ضمن العناوين القصدية التي تميل إلى الإيحاء والشروع في نفس الوقت، فيتدرج المضمون فيما يشبه العنوان أو اللازمة التي تقوم على تدشين النص وتدفع حركته وتجعله يتمفصل حوله ” العنوان” ويتنامى ويتكامل، وعنه ينتشر وإليه يرتد فينغلق به على المساحات الرئوية فتتحول وتتوسع تلك المساحات حسب ماهية القضية، بالمعنى المنطقي التي تلازم الشعر، وتتخذ شكلا موحياً بالمعنى النحوي والدّلالي التداولي ” الخروج.قلبي.” .
قلبي العارفُ بالأيام
مازال يُجازفُ بالأحْلام
يخترقُ ظلامَ الليل، وصمتَ الألَم
يشُقُّ طريقًا للإبْحار
فِي الخوفِ السَّاكِنِ بالأقْدار
يُنَقِّبُ فِي صَمْتِ الأعْماق عَن الأزهار
يفتش في هذا العالم
يسبح ضد التيار
**
يبدأ النص بمماهاة واضحة مع حركية العنوان ” الخروج من قلبي” فالقلب المقبل على تقبل فكرة الخروج، يحاول أن يتحرر من الحدث الاستباقي، كي ينشأ خطاباً خاصاً به منحدر من الحالة الحلمية التي يعيشها، والتي من خلالها يتحدد رغبة دافعة لحركة ذهنية تصورية مشهدية ساردة، تنطلق من الشعور المتأثر بشكل واضح وكبير بالحتمية ” الخروج” وفي الوقت نفسه العائم فوق كم هائل من الانجرافات النازحة من الجوانيات المتلاحمة طوعياً مع حركية الحدث نفسه، والمؤدية في جملتها إلى خلق نوع من الخلل في التوازن الوجودي المهدد بالحرمان ” يجازف ،ظلام ، الألم ، الخوف ، صمت، ضد,,” كلها إيحاءات واضحة المعالم التي تهدد الكينونة الوجودية للقلب، ضمن هيكلة وجغرافية الحلمية الناجمة أصلا من التأثيرات الآتية من الحتمية ” الخروج “، وبالتالي أثرت على الخطاب الشعري للذات الشاعرة حتى اكسبتها طابعاً رؤيوياً تأطيرياً مقترناً بتلك المفردات المتوحشة في صوريتها ودلالاتها.. والتي سنلامس امتداها وتأثيرها على المضمون النصي.
مُحْتَالٌ خَدَّاع
.مَنْ قاَل بأنّ الإنسانَ الجَاسِر
لا يعرفُ إخْضاع
محتال خدّاع
مَن قال بأن الصُّبح الكاسرَ
لا يعرفُ إخضاع
فالحقّ
الحقّ يُعَانِقُ صوتَ البَاطِلِ
يَرقُصُ
فَوْق أسي أوْتار الكذب
يضاجع
جسم حقيقة حرف غادر
مُحْتالٌ خدّاع
مَن قال بأنّ القاتَل
يقتُل
دون دِفاع
قتلوكَ أيا (يوسف)
آه..لو نَظرُوا في الجُبِّ
لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع
**
تتمثل الحركية المعتمدة من قبل الشاعر في طرح الرؤية النصية حول الاستعارات التي فرضت عليه ضمن السياق العنواني ومن ثم النسق الاستباقي المنحني تحت وطأة التأثير الانفعالي والشعوري معاً، فنجده يستمر في توظيف المفردات المتوحشة التي تعطي انطباعات واضحة حول الماهيات التي يستقي منها الشاعر مفرداته، والمسارات التي يريد خلقها وفق تداعيات التنامي الحدثي من جهة، والتنامي الصوري المشهدي من جهة اخرى، وهذا بالفعل ما يمثله الفعل الافتتاحي هنا” محتال..خداع..” حيث الحدث له مؤشرات دلالية توجيهية، وكأن الخطاب يريد ان يكتسب صفة الرسالة لأنه يأتي مواكباً مع صيرورة التنامي الحدسي العام، والذي ينغمس بالانفلات الذاتي، حيث الصوتية تبرز من خلال التأثير المحتدم للحالة النفسية النابعة من التحولات التي فرضها الشاعر على النسق الشعري العام وعلى النسق المشهدي التصويري للحلمية الضمنية إلى الظاهرية.. فضلاً عن الانصياعات الخطابية للتوجه البلاغي الشعاراتي فكأن الرؤية هنا تبرر الحدث ” الخروج ” بجملة أدوات تضمن للفكرة استمرارية ” ديناميكيتها” وانفلاتها، ” من قال…” التي تضعنا ضمن دائرة التدوير البلاغي اللفظي والصوري معاً فارتباطها بالإنسان مرة وبالصباح مرة أخرى أعطت للصورة مدايات تخيلية متداخلة مع الحراك السبقي للحتمية المذكورة سابقاً، فكأن الشاعر يريد أن يوجه من خلال خطابه هذا رسالة مضمونها بأنه لا شيء يمكن أن يستمر ضمن الحال نفسه، لذا فهو يمتنع عن الانصياع للسبقيات والحتميات لأنه يدرك انحلالها وانحرافها، وبذلك تتحرر الرؤية لديه لتخرج من الإطار الحلمي إلى اليقظة، وتنفتح أمامه مجالات التعبير عن الحق تعبيرا واعياً واضحاً واعياً أثناء نقله من خطاب إلى آخر ..” فالحق ،،الكذب، غادر…”، ولكونها نقلة تحدث شرخاً في بنية الفكرة نفسها، نجد بان الشاعر اعتمد على الخطاب الرئوي النابع من مواجهة الحتمية بالحتمية نفسها، فالحكم على الحق جاء ضمن السياق الحتمي للخروج، وبذلك يجبرنا الشاعر على الانصياع لهذه الحتمية النابعة من منطقه المخصوص، وحين يزج بقصة يوسف في السياق الحدثي ويختمها بتلك النغمة الحزينة الدالة على انكسار الروح والنفس وصدمتها بالحق والخداع والغدر، فأنها لا تأتي كأمر عرضي مبهم، غير مستدرك أو مستوفي لرؤيته، بل نجدها تأتي من صميم الحدث الشعري نفسه، ومن صميم الحدث الحتمي السبقي أيضاً فالاستسلام لأمر الواقع بات من الحتميات التي عليه ان يؤثث عوالمه ضمن دوائرها.. ولكن السؤال الذي يعتري ما وراء السطور.. إلى متى الانقياد الحتمي…؟، وهذا بالضبط ما أحال لغته من الخطابية المشبعة بالتمرد واليقين والشعاراتية إلى الخطابية المنقادة للسكينة ” لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع..”، وتلك هي النقلة الأخرى التي أحدثتها المؤثرات السبقية في ذهنية الشاعر من جهة، وفي الأحداث من جهة أخرى.
قلبي قد عاشَ بِلاَ أضْلاع
تمْخُرُة الدمعة ُ- والأعْوام…
ونبض الكلمة
والبحث عن اللّقمةِ
لكنْ فِي خوْف ِالعَصْر الأعْمَى
مدّ ذراعا
ليفتِّش في نَبْضِ الأحْلام
عن موجةِ نُورٍ
تَتخطَّي الدّيْجوُر
تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف
تعيد ُخُطاَه
يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر َ
قيْد الأسداف
من يقرأ للشاعر هنا سيشعر بأن الانفعالية والخطابية المتهيجة قد هدأت سواء على المستوى الدلالي ” الفكرة ” أو على المستوى التوظيفي للبلاغة التصويرية، وهذه النقلة تحدث ضمن المتنقلات والمتحولات الرئويية فالخطاب المتهيج تحول فجأة الى خطاب يمزج بين الخبرية والمشهدية الساعية لختم الرؤية وفق نسق متحرر من المؤثرات السبقية، لينشأ في المضمون تأقبل بين الحدثية من حيث الزمنية وبين الحراك الارادي إلا أن سعي الشاعر اصطدم بحاجز اللغة التي نجدها لم تزل خاضعة لكينونة الحتمية، ولمنطق الرؤيا، فحين نجد أن الشاعر بدأ يلجأ إلى ” قد عاش ” إلى الزمنية الماضية فأنه بلا شك لا يريد استعادة الذكريات فحسب، أنما يجري ضمن هيكلة الرؤية مقارنة بين ما كان وما هو عليه الآن، وما يريد ان يكون عليه في الزمن الآتي وضمن النسق الخبري، وبذلك نجده يخضع لرهبة الزمنية، تلك الرهبة التي تفرض عليه الانصياع لمبدأ تخفيف الخطاب ” البحث عن اللقمة. العصر الأعمى..”، ومن ثم البدء بإيجاد سبل أخرى لتخريج الرؤية ووضع مسارات مغايرة لها وكأنه نفسه بعد الهيجان البلاغي الخطابي الشعاراتي يعود من جديد ليبحث عن هذا المخرج ” ليفتِّش…… تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف،، تعيد ُخُطاَه ….يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر….قيْد الأسداف…”، أنها بالفعل النقلة المهيبة ليس على المستوى اللغة فحسب، أنما على المستوى التصويري المشهدي أيضاً، فمع وفق استعارة واضحة للمحاكاة السردية السيميائية ، ليبقى الحدث جاريا، واقعا فوق حكم الانقضاء والانصرام، كما يحدث في الأنواع السردية التقليديّة.
بقلم: جوتيار تمر
……………………………….
-جونيار تمر صديق
-دهوك \ كوردستان
– كـــتب ونشر العديد من المقالات والنصوص الأدبية من مسرح وقصة وشعر ونقد في الصحف والمجالات المحلية والعربية