10 مايو، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

إلى أمي ../ بقلم: حاتم الناعور

إلى أمي ../ بقلم: حاتم الناعور

…………..

وبَعدَ ماشَاءَ اللهُ لَكِ بالرّحِيلِ صَار لازِماً على قَلبِي الصَّغِير أن يَستَعِّدَ للخذْلاَنِ وإكمَالِ مَشَاقِ هذا الطّرِيق
فلم يَعُد لشَكِيمَتِي أيَّةُ قُوَّةٍ، فَعُلُوّ هِمَّتُي كَانَ من وَحْيِ ضُعفِكِ والحَنَانِ الذِّي يَتَسَرَّبُ في أحْدَاقِ عَينَيكِ إلى تَمْتَمَةِ شَفَتَيكِ
قَد يرحَلُ عنك من تُحِب بصُورَة مُرعِبة فَلا تَبقَى له رُوح ولا جَسَد في هذه الدُّنيا …ويخلف هذا الرَّحِيل تَفاصِيل صَغِيرة يضج بِها فُؤَادُك ويَنكَسِر لهَا ظَهرُك
تَرقُب تِلك الحُجْرَة وتِلك الزّاوِية التًِي كَان يَجلِس بها
تَتَأمَل ذلك الفِنجَان الذِّي كَان يَحتَسِي به الشَّاي
تَتَأمَّل كُلّ ماحَوْلَك فَلاَ تَجِد أثَراً لمَن تُحِب …سِوَى مَاخَلَّفَهُ مِن ذِكرَيَات تَضْطَرِب في قَلبِكَ وعَقْلِك
أُمَّاهْ مَازِلتُ أَرقُبُ تِلك الحُفرَة الضَّيقَة التِّي أَنزَلتُكِ بها بيَديّ
كَيفَ وَقَفَ النَّاسُ مُصطَفِين حَولِي يُعَزُّونَنِي فيكِ
وأيُّ عَزَاء ….فَلَو لم تَكُن سُنَّةٌ قد ثَبُتَت في دينِنَا لأَنْكَرَهَا قَلبِي وجَوَارحِي فللّهِ ما أخَذْ ولله ما أعطَى
أُمَّاهْ تِلكَ القِطَّة التِّي كانت تَتْبَع رِدَائَكِ كَي تُطعميهَا ،لم يَعُد أَحَداً يُشفِقُ عليها أو يُطعِمُهَا …تِلكَ الدَّجَاجَات الاتي كُنَّا يَلتَفِفْنَ حَولك ويَلتَقِمنَ القَمحَ مِن بين يَديْكِ قد صِرنا يتَامى
تِلك الأشجَار التّي كُنتِ تَسقِيهَا لم تُثمِر منذُ فَارقتِهَا
فقد كانت تَستَمِد المّاء من وجْهِكِ وعُذُوبَةَ يَديكِ
حتّى القَمَر الذِّي في سَمائِنَا لم يَجِد ليلة بعدَ رحِيلكِ ليكُونَ بدراً ….لازلتُ ياأمَّاه أُمعِنُ النَّظَر في وُجُوهِ خَالاتِي فَلاَ أجِد وجْهاً كَوجْهِك ولا قلباً كقلبك ولا حُبّاً كَحُبِّك
ولا خُبزاً كخُبزِك اللّذيذ ،ولا طعاماً كطعامِك الشَّهيّ

فلو كان النِّسَاءُ كمن فَقَدنَا
لفُضِّلت النِّسَاء على الرِّجَال

حاتم الناعور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.