الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / نرفض العشائرية…. ولكن../ بقلم: جوتيار تمر

نرفض العشائرية…. ولكن../ بقلم: جوتيار تمر

نرفض العشائرية…. ولكن..؟

بقلم: جوتيار تمر / كوردستان

25-5-2019

ـــــــــــــــــــــ

تختلف المفاهيم التي تعتمدها المجتمعات حول العشيرة والعشائرية، كما تختلف الآراء ووجهات النظر إليها داخل فيئات المجتمع نفسه، ناهيك عن الاختلافات التي تبرز حولها ضمن دوائر أكبر كالدولة والدين والقومية، فالعشيرة هي وحدة قائمة أساسها رابطة الدم، وهي موجودة قديماً قدم المجتمعات، ولا تزال كالأسرة قائمة إلى اليوم حتى في أكثر بلدان العالم تقدماً،

أنها أشبه بأسرة كبيرة ممتدة يربطها الدم لأنها آتية من أب واحد في المجتمع الأبوي، أو من أم واحدة في المجتمع الأموي، وذلك ما يخلق تماسكاً وتجانساً نسبياً حول التكاتف والتعاطف بينها، بحيث حين يسعى فرد من أفرادها لنيل مكانة يجد عواصر تلك الرابطة تسانده وتدعمه، في حين أن العشائرية هي عقلية أو اتجاه سياسي يسعى لتحويل العشيرة إلى نوع من الحزب السياسي قي مواجهة العشائر الأخرى، والاحتكام إليها في العلاقات الاجتماعية والسياسية، وبهذه العقلية أو التحويلة تصبح العشائرية شكلاً مأ اشكال الايديولوجية يرجع إليها ويفسر بها كل أمر مثل تشكيل الحكومات، والانتخابات البرلمانية والنقابية وغيرها وحتى الوظائف العامة والمدنية والعسكرية والاستثمارات والاعمال، كما يقول  ” حسني عايش” ، وبذلك تصبح العشائرية نسق قيمي وسلوكي، سلبي في مجمله، لأنه يحاول التدخل في مختلف جوانب الحياة بما فيها الرسمية متجاوزاً القانون والدين والقيم الإنسانية والحضارية ويستعمل العنف والإرهاب والقسر في تنفيذ جزاءاته لتصبح العصا التي تعيق عجلة الحياة المدنية، كما يشير الدكتور حميد الهاشمي إلى ذلك،

وبذلك تؤثث عوالم العشائرية وفق معطيات مغايرة لا تتوقف عند حدود السعي والدعم والمساندة بغية الوصول لهدف معين لأحد أفراد العشيرة، أنما تتحول هنا إلى آلة فتاكة لفرض الواقع الذي تريده على المؤسساتية الديمقراطية باستخدام كافة الوسائل دون أي اعتبارات وطنية أو حزبية معينة ومحددة، لأن الهدف الأساس لديها أو الوصول إلى غايتها، وبذلك تحول الواقع إلى ساحة صراع دائمة، لا حدود لطموحاتها، وقانون يردعها، ولا سلطة يوقفها، فضلاً عن كونها تغير معالم الواقع السائر نحو مواكبة المتحولات والمتغييرات الدولية إلى واقع يتراوح بين الهمجية القبلية والتسلط القبلي نفسه على جميع مرافق الحياة، فلا تتأثر دوائر ومؤسسات الدولة فحسب أنما تتأثر البنية الاجتماعية أيضاً بذلك، فحتى اختيار المرأة لأي منصب إداري يكون وفق تطلعات العشائرية ونسقها الفوضوي، لا على أساس التفوق والكفاءة العلمية أو التخصصية.

لا يختلف اثنان على أن دور العشائرية لا يظهر إلا عند غياب الدولة وضعف المؤسسة القانونية فيها، ناهيك عن تدخل الزعامات القبلية في إدارة شؤون الدولة نفسها وذلك بفرض وجودها الاقتصادي والجماهيري، وهذه السمة هي الغالبة في أغلب المجتمعات لا سيما الشرقية منها، ونحن الكورد كأحدى تلك المجتمعات التي تعيش تحت وطأة الاحتلال منذ قرون طويلة مازلنا أحد روافد القوى العشائرية التي نعاني من وطأتها أيضاً فضلاً عن الاحتلال، فالقوة العشائرية في مجتمعنا الكوردي باتت تهدد التطور الحاصل في البنية السياسية والنقلة الاجتماعية الحاصلة بعد زوال النظام الدكتاتوري البائد، بحيث أن الشريحة الواعية من الكورد صارت تصدح بضرورة الوقوف أمام هذه الموجة كي نحافظ على المستويات البارزة التي وصلت إليها القضية الكوردية ككل من جهة، والانجازات والمكتسبات الحضارية العمرانية لا سيما في جنوب كوردستان من جهة أخرى.

أن أهم ما يثر الجدل بين هذه الاوساط المثقفة والواعية هو عدم اكتفاء الاحزاب السلطوية بالمعطيات الوراثية التي فاقت مفهوم العشيرة نفسها لتحل محلها المفهوم الفوضوي العشائري، وذلك من خلال عدم السماح للعقول النافذة والمتقدة بقيادتها، ومن ثم محاولة رصد المعارضين لها وتصنفيهم وفق رؤية خاصة بهم من عميل وخائن وتابع وإرهابي ومن ثم تصفيتهم بشتى الوسائل، فضلاً عن محاولتهم وبشكل غير مبرر ومشين ايضا فرض ايديولوجيتهم العشائرية على الواقع العياني، وذلك من خلال إعطاء أدوار ولو ثانوية لبعض الأشخاص ضمن دائرة العشيرة بروح العشائرية وتفعيل الآلة الإعلامية للوقوف على فعالياتهم التي هي في كل أحوالها لا تعد سوى حركات مكشوفة لا تسمن ولا تغني من جوع، فالمجتمع يعيش حالة فوبيا رهيبة منذ ما يقارب العقدين ليس فقط من إمكانية تحول الصراع الحزبي السياسي إلى حرب أهلية بين الاحزاب العشائرية المتنافسة، انما أن تتحول الصراعات داخل الحزب العشائري الواحد ايضاً إلى دمار للتجربة السياسية الكوردية، وذلك من خلال قيام طرف منافس لقيادة الحزب على حساب الآخر بتوطيد العلاقات مع الجهات المعادية للكورد وتقديم تنازلات كالتي حدثت بعد الاستفتاء فتكون وبالاً على القضية الكوردية، فضلاً عن استغلال تلك الصراعات الحزبية العشائرية التنافسية لتبرير حالة التلكأ الحاصلة ضمن أدوار الحكومة نفسها والاوساط الحزبية الداعمة لها  في دفع مستحقات الشعب وطمس حقوقهم تحت غطاء الظروف الاقتصادية والصراع مع المركز، وليس بخافي على أحد ان هذا السوط هو  نفس السوط الذي تستخدمه السلطوية لترهيب الشعب من جهة، ولفرض ايديولوجيتها العشائرية من جهة اخرى.

ان العشيرة كرابطة دموية اسرية ليست بعبء على المجتمعات الحضارية، بالعكس تماما فهي تعد البنية الاساس لها، ومن خلالها يتم توطيد العلاقات الاجتماعية وتظهر معالم الاداور القيادية والتي يمكن استنباطها واستغلالها في العمل المؤسساتي، بالطبع ليس على اساس العشيرة واسمها، وانما وفق معطيات الأداء الذي تقوم به بعض الفئات داخل العشيرة وذلك بعد تقييمها وفق معايير خاصة تخدم المصلحة العامة، ولكن العبء الأساسي الذي تنتجه العشيرة هو حين تتحول أواصرها إلى توجهات قبلية ذات حمية عصبية لتصبح بذلك صاحبة تطلعات خارجة عن النطاق التنافسي القانوني، فتحاول فرض نفسها بالقوة، وذلك ما يولد ردة فعل سلبية من عشائر اخرى، فينتج عن ذلك اجمالا قوى تلبس رداء الوطنية وهي في الاساس تقوص العملية التحررية الوطنية وتجعلها تسير وفق مصالحها الخاصة، واهدافها العشائرية المسيسة سواء ضد الاتجاهات العشائرية المنافسة أو لجعل مملكتها الحزبية العشائرية محصنة من أي اختراقات قد تضعفها، بالطبع هذا كله على حساب الشعب وعلى حساب القضايا القومية الوطنية الاساسية .

من هذا المنطلق اصبحت الاصوات تصدح بوضوح ضد هذا الاتجاه العشائري داخل المجتمع الكوردستاني، وأصبحت تكتب وتثير الجدول حول سلبيات العشائرية والولاء الأعمى لها، وتنادي بضرورة إرساء قواعد أكثر متانة للعمل الديمقراطي في كوردستان، كي نتجنب خرق القوانين وإضعافها، ونعطي للحكومة الديمقراطية والبرلمان المنتخب والوزارات الحق في أداء واجباتهم المؤسساتية بعيداً عن التدخلات العشائرية والحزبية ، وكذلك نعطي للحراك الاجتماعي تلك المساحة اللازمة للخق الإبداعي، دون أي قيود تفرضها الإيديولوجيات العشائرية.

 

جوتيار تمر / كوردستان

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman