الرئيسية / قصة / حسام والعصفور/ بقلم: نرجس عمران

حسام والعصفور/ بقلم: نرجس عمران

حسام والعصفور/ بقلم: نرجس عمران

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رن ..رن … رن

إنه صوت منبه حسام، لقد أصبحت الساعة السادسة صباحا، وحان الآن موعد استيقاظه كي لا يتأخر في الذهاب إلى المدرسة، نهض حسام من فراشه نظر إلى المنبه وقال باستياء:  .. رن.. رن… رن

كل صباح  … رن….رن .. توقظني مرعوبا رن ..رن ..رن ..اصمت أيها المنبه المزعج سأنهض الآن.

ثم نهض وأمسك المنبه وأسكت صوت بتوتر، نظر حسام من النافذة، الصقيع يملأ المكان والأشجار المحيطة بمنزله تبدو كما لو أنها لوحة صامتة رمادية لا حياة فيها، وقبل أن يبتعد بنظره، رأى عصفورا صغيرا على حافة النافذة نظر إليه باستغراب، فتح النافذة بهدوء كي لا يوقظه فلقد اعتقد قائلا: ترى ماذا يفعل هذا العصفور هنا؟! هل هو نائم ؟! هل هو متجمد ؟! هل هو …؟

ولكن العصفور لم يبدي أي حركةٍ لحظة اقتراب حسام منه وأدخله إلى داخل الغرفة.

بدا كما لو أنه ميت، منظره مؤسف للغاية لذلك اغرورقت عيون حسام بالدموع من حزنه على العصفور المسكين، قال له حسام: كم أنت مسكين أيها العصفور ؟!

بالتأكيد السبب هو الصقيع،

كم أنا آسف لأجلك ؟! وراح حسام ينفخ عليه هواء ساخنا من صدره، ويلفه بكلتا كفيه لعله يعطيه بعض الدفء، لكن العصفور للأسف لم يتجاوب مع حسام أبدا، وضع حسام العصفور على المنضدة بجوار السرير بعد أن جعل شاله الصوفي غطاء وشرشفا للعصفور،

ثم نظر إلى المنبه وقال له: إنها المرة الأولى التي أتمنى لو أن رنينك كان أبكر، ليتك أيها المنبه أيقظتني في وقت أبكر، لربما كنت ساعدت ذلك العصفور المسكين قبل أن يتجمد كليا ويفارق الحياة، ليتك فعلتها أيها المنبه وأيقظتني باكرا وباكرا جدا.

وإذا بأم حسام تناديه هيا يا حسام لقد تأخرت عن المدرسة، أسرع حسام، دخل الحمام وغسل وجهه وارتدى لباسه المدرسي وهو يخاطب العصفور قائلا: الأن سأتركك وحيدا أيها المسكين، لكن لن تبرد هنا أبدا، وذهب مسرعا إلى المدرسة.

كان الجو باردا جدا حتى أن أذني حسام قد أصبحتا حمراويتين من شدة البرد

قالت له المعلمة: ما بك يا حسام؟

لماذا أنت شارد حزين محمر الوجه هكذا؟!

هل أنت مريض؟

أجابها حسام بصوت هادئ حزين: لا أبدا أنا لست مريضا.

قالت له: حمدا لله، إذًا، هيا ضع شالك الصوفي على رأسك وأذنيك قبل أن تمرض الجو بارد جدا.

فقال لها حسام: لم أحضر الشال معي يا معلمتي.

سألته المعلمة: لكن لماذا؟ والجو بارد اليوم

أجابها حسام: لقد وجدت عصفورا مجمدا من الصقيع لذلك أعطيته شالي عله يحس بالدفء.

قالت المعلمة بفخر: كم أنت نبيل يا حسام؟

كي تفضل العصفور عن نفسك وتعطيه شالك، لكن يا حسام، أين هو العصفور الآن؟

أجابها حسام: إنه في البيت

قالت المعلمة: إذا البيت دافئ يا حسام وليس باردا كما في الجو خارجا لن يبرد العصفور داخل المنزل وأنت من سيبرد ويمرض لكنك خرجت خارج المنزل.

لذلك في المرة المقبلة احتفظ بالشال لنفسك

وإذا كنت تريد مساعدة العصفور حقا بوسعك أن تغطيه بقطعة قماش أخرى.

قال حسام: نعم معلمتي سأفعل لكني حزنت جدا على العصفور لقد مات بردا، واغرورقت عيني حسام بالدموع من جديد

اقتربت المعلمة من حسام وقالت: هيا يا صغاري يستحق حسام الطيب صفقة طليعية لأنه طيب ويحب مساعدة الآخرين الإنسان والحيوان أيضا

صفق التلاميذ لحسام بحرارة.

ابتسم حسام والمعلمة تمسح دموعه قائلة له: ليتك تعود لتجد العصفور بانتظارك،

الحنان والحب يعطي دفئا كبيرا وحياة جديدة لا تيأس أبدا يا حسام

قال حسام: نعم لن أيأس أبدا.

انتهى اليوم الدراسي وعاد حسام إلى البيت مسرعا، دخل غرفته اقترب من المنضدة أزاح المنبه قائلا له: ابتعد أيها المزعج ليتك ترن بالوقت المناسب.

اقترب بهدوء من العصفور أزاح الشال عنه وهو يتذكر كلام معلمته

(الحب والحنان يعطي روحا جديدة وحياة جديدة) وهو يقول: يا الله

وبكل لطف ورقة وهدوء مسح بإصبعه على رأس العصفور الذي حرك ساقته حركة بسيطة.

اعتقد حسام أنه واهم أو أنه يتخيل، فأعاد الحركة مرة أخرى حقا لقد حرك العصفور جناحه بهدوء، يا إلهي صرخ حسام إنه حي!!!  لم يمت الحمد لله

وأسرع إلى المطبخ وأحضر له الماء والخبز المبلل بالماء أيضا

وأسقط بضع قطرات من الماء على منقار العصفور، وضمه أكثر ودفئه أكثر، حقا إن سعادة حسام كانت لا توصف حين بدأ العصفور يتحسن ويتحرك أكثر،

حاول حسام في المساء وضع الطعام في فم العصفور الذي بدأ يتجاوب مع حسام قليلا ويفتح فمه،

وفي صباح اليوم التالي

رن.. رن … رن… استيقظ حسام بسرعة ونظر إلى العصفور كم أسعده بأنه كان واقفا على قدميه !! لكنه سرعان ما سقط

قال له حسام: انتظر حتى تصبح أقوى يا عصفوري، لن أحبسك أبدا لا عليك، ولكني سوف لن أدعك تطير قبل الشفاء التام، ولفه مجددا لكن بقطعة قماش أخرى وارتدى شاله وذهب إلى المدرسة، وعندما دخلت المعلمة قال لها حسام: فعلا معلمتي الحب والحنان والدف ء يخلق روحا جديدة لقد عادت الروح إلى العصفور لكنه مازال مريضا.

قالت له المعلمة: حسنا أرعاه واعتني به وسيتحسن بكل تأكيد.

قال حسام فرحا: نعم طبعا سأفعل

وعند الظهيرة بدأ العصفور يزقزق ويستطيع الوقوف فترة أطول على ساقيه ويأكل بعض ما يقدمه له حسام. نظر إليه حسام وقال له: أعرف أنك اشتقت للطبيعة، كلنا نحب الحرية عدني أنك ستتعافى غدا وأعدك أن أطلق سراحك غدا إن شاء لله، زقزق العصفور بهدوءٍ فقال له حسام ضاحكا: حسنا سأعتبر أنك وعدتني أيها العصفور.

في صباح اليوم التالي استيقظ حسام على زقزقة العصفور سُرّ كثيرا إنه صوت لطيف وعذب نظر إلى المنبه وقال له: ليس مثل صوتك الخشن

.. رن …رن …بكل إزعاج ….

ولكن لماذا لم ترن اليوم أيها المنبه ؟! ماذا أصابك؟

أوه لقد تعطل المنبه إن عقاربه لا تمشي، من سيوقظني غدا؟

قال حسام بكل أسف وهو ينظر إلى العصفور لكن لا بأس يا عصفوري، أنا فرحت حقا لأنك تعافيت وسأفي بوعدي وأطلق سراحك أتمنى أن تعود لزيارتي قريبا، وفتح له النافذة وقال له

إلى اللقاء أيها العذب …

وتابع حسام يومه بكل براءة وفرح، وقبل أن ينام تذكر أن المنبه معطل فذهب إلى أمه وقال لها: أيقظيني صباحا لو سمحتِ يا أمي كي لا أتأخر عن المدرسة فالمنبه معطل،

أجابته أمه حسنا يا صغيري تصبح على خير

وفي صباح اليوم التالي عندما جاءت الأم لتوقظ حسام، تفاجأت حين وجدت حسام مستيقظا يقف أمام النافذة ينظر منها للخارج،

قالت له: صباح الخير يا حسام

لقد استيقظت ها أنت أصبحت شابا ولست بحاجة إلى أمك كي توقظك ولا إلى المنبه أيضا.

فقال لها حسام: لا يا أمي لم أستيقظ من تلقاء نفسي لقد أيقظني صديقي.

فقالت له الأم مستغربة: صديقك ؟!

من هو صديقك ؟! لم يأتي أحد لزيارتك اليوم

فقال حسام: صديقي العصفور أنظري أين هو ؟!

لقد استيقظتُ على صوت زقزقته اللطيف صباحا.

كم هو وفي؟!  إنه يبادلني المعروف يا أمي. قالت الأم: نعم يا بني، علينا أن نفعل الخير والأوفياء فقط يحفظونه ولا ينسونه أبدا.

 

  نرجس عمران

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman