الرئيسية / واحة الفكر الثقافية / “نشأة الحداثة الأوربية وموقعها من حضارة الإسلام” هشام امباركي

“نشأة الحداثة الأوربية وموقعها من حضارة الإسلام” هشام امباركي

 

تقرير عن محاضرة الدكتور أحمد شحلان بعنوان:

 “نشأة الحداثة الأوربية وموقعها من حضارة الإسلام”

 

شهد المعهد الوطني للبحث العلمي والتقني بمدينة الرباط، في اليوم الثاني بتاريخ 10 ماي من مؤتمر العلوم الإنسانية والاجتماعية للباحثين الشباب في دورته السادسة الموسومة: “بفكرنا  في القرن الأخير أصوله الحضارية وقضاياه المعاصرة” والتي نظمت من طرف مؤسسة سعيد خالد الحسن بشراكة مع بعض المؤسسات الأخرى، محاضرة ألقاها عميد الدراسات الشرقية الدكتور أحمد شحلان بعنوان: “نشأة الحداثة الأوربية وموقعها من حضارة الإسلام”.

استهل الدكتور أحمد شحلان محاضرته بالحديث ـ على جناح السرعة ـ عن الحضارة الأوربية ومظاهرها الفلسفية وثمارها السياسية والاقتصادية، معتبرا الحضارة العربية الإسلامية أساسها وأرضيتها الخصبة ونواتها الأولى بعدما انتقلت إلى الغرب.

ويرى ذات الدكتور الفاضل أن مفهوم الحداثة الغربية هو مفهوم عام لم يقع الإجماع على تعريفه بالاتفاق بين مختلف الأطر الفكرية والمرجعية، مما جعله مفهوما ملتبسا يفتقر إلى الدقة العلمية في الطرح والمنهجية في المعالجة؛ فطوفان نوح حداثة، وقانون حمورابي حداثة، وظهور الأنبياء ودعواتهم حداثة، وصعود الحركات الثائرة على الأوضاع السياسية والدينية ونقد الكتب المقدسة حداثة، والرغبة في الرجوع إلى التراث والحضارة الرومانية والإغريقية حداثة… فالحداثة ارتبطت بكل أطوارها بحاجيات الإنسان ورغبته في التغيير بشكل انسيابي مع التاريخ البشري.

وللكشف عن الأصول الحضارية العربية الإسلامية للحداثة الأوربية الراهنة، تمحورت محاضرة الدكتور شحلان عن أبرز شخصيتين في تاريخ الفكر العربي الإسلامي ألا وهما: ابن حزم وابن رشد من خلال أربعة محاور؛

1ـ مجريات حياتهما،

2ـ منظومة تأليفهما،

3ـ مضمون مؤلفاتهما،

4ـ مميزات حداثتهما.

فابن حزم تربى في بيت علم وسياسة، وكانت رغبته في التغيير والإصلاح والتجديد قوية، ترك السياسة التي اشتغل بها طويلا وتفرغ للتأليف والكتابة، إذ وضع أربعمائة مجلدا في ثمانين ألف ورقة تقريبا، فتنوعت مؤلفاته بين الأدب والفقه والحديث والأخلاق والجدل والعقائد، إذ تعكس مضامينها رغبة جامحة سعى لتحقيقها في الفكر والسياسة ليحدث في الأندلس التغيير والإصلاح والتحديث.

و أعرب الدكتور أحمد شحلان أن ابن حزم انتقد كبار  الفقهاء الذين اعتمدوا القياس، كما نظر في الأديان ونقض مذاهبها. وعلى غرار ذلك، انتقد أرباب الحكم والمتصرفين من رجال الدولة، فرفع من شأن المواطن الإنسان ودافع عن الفرد ودعا إلى العناية بالتربية والتعليم قبل السياسة، باعتبارهما الطريقة الجيدة والوسيلة المثلى لنشر العلم.

وذهب الدكتور شحلان إلى أن ابن حزم في كتابه “طوق الحمامة” تعدى كل الحدود ونفذ إلى عمق المجتمع؛ حيث صور بدقة أحوال أهل زمانه في الحب والعشق ونظرتهم إلى المرأة، فكان الكتاب حلقة من حلقات الأندلس، فلم يذكر الفقهاء هذا الكتاب باستثناء ابن قيم الجوزية، إذ ذكره دون عنوان.

أما كتابه “الفصل في الملل والأهواء والنحل” فقد استقى مادتها من التوراة وعنف القسيسين والحاخامات واتهمهم بالفسق والزنا والفجور وحب المال رغم أنه اعتبرهم إخوة في البشرية، فأفسح القول في المذاهب الدينية، وأظهر تناقض ما بين أيديهم من الكتب المقدسة، ورد على ابن النغريلة اليهودي.

وألف ابن حزم في الفقه، وكتابه “المحلى” هو أهم كتبه في هذا المضمار، وهو موسوعة ومدونة فقهية ظاهرية، اختصرت في كتاب “المجلى” فرد فيها على الحنفية، فكانت ظاهريته كمذهب فقهي مختلفة عن مثيلتها في المشرق.

واسترسل الدكتور أحمد شحلان في الحديث عن البرنامج التعليمي الأكاديمي الذي وضعه ابن حزم، إذ دون معارفه النظرية والتطبيقية حول التعليم في كتابه المعروف “مراتب العلوم”، وهي معارف تعد آخر ما توصلت إليه الجامعات اليوم؛ حيث رأى ابن حزم أن الطفل يجب أن يشرع في الدارسة عندما يبلغ سن الخامسة، أو عندما يطرح عليه السؤال فيكون قادرا على الإجابة عليه، وميز ابن حزم بين السن الزمني والسن العقلي. فضلا عن ذلك، دعا إلى تعليم الطفل الدين وعلم النفس، والفلسفة ضرورية،  لأنها تبحث في قضايا الخلق والنبوءات… وطلب هذه العلوم لذة لذاتها، ولا يتأتى ذلك إلا في “المدينة العالمة” التي تجمع بين الدين واللغة والفلك والطب والطبيعيات والفلسفة في برامجها التعليمية.

أما ابن رشد النموذج الثاني من النماذج الفكرية للحضارة الإسلامية، فهو الآخر نشأ في بيت علم ودين وسياسة، ومن أهم ما امتاز به شرح تراث أرسطو في الإلهيات والطبيعيات والسياسة والمنطق. ويقرر الدكتور شحلان إلى أنه توجب صياغة سيرة جديدة لابن رشد ليس على منوال كتاب السير والرجال، وإنما استنباط قراءة جديدة لحياته من خلال كتبه ومؤلفاته.

ويرتكز المشروع الفلسفي لابن رشد كما أوضح ذلك فضيلة الدكتور المحاضر على نقده لمذاهب الفقهاء وشرح فلسفة أرسطو ملمحا إلى ما فيها من الفساد والأوهام، أما كتاب “جمهورية أفلاطون” فقد شرحه واستخرج منه السيئ والجيد من أخلاق الناس ورجال السياسة. في حين أن كتاب “السياسة” لأرسطو لم يجده.

ويحتل مفهوم “الفضيلة” مكانة جوهرية في الفلسفة الرشدية، فحسب ما جاء على لسان المحاضر الكريم أن مفهوم الفضيلة لازمه في كل كتاباته طوال حياته، ممثلا مجمل فلسفته، داعيا إلى تمثلها في الإنسان والدولة. فكتاب “أخلاق نيكوماخي” لأرسطو قد شرحه ابن رشد إلا أنه ضاع أصله، وترجمه ابن يهوذا من العربية إلى العبرية ثم اللاتينية.

كما انتقد ابن رشد الفقهاء والحكام والفلاسفة؛ فأخذ على الفقهاء أنهم لا يلقنون الأطفال الموسيقى والطبيعيات والهندسة والمنطق، وبدلا من ذلك، يحدثونهم عن الجن والملائكة. وأخذ على الحكام أنهم ابتعدوا عن الحكم المثالي. وانتقد العلماء والفلاسفة لافتقادهم صفتي الشجاعة والعدل فيهم، وعدم تحقيق المدينة الفاضلة. كما انتقد وضعية المرأة المقتصر حالها  فقط على الإنجاب والرضاع والرعاية، داعيا المرأة إلى أن تقوم بالأعمال التي يقوم بها الرجل حتى لا تكون عالة عليه.

والحداثة عند ابن رشد أخلاق سياسية ودينية تقوم على مبدأين: استقامة الأخلاق واستقامة التدبير، فآمن بالشجاعة وقول الحق، وأدرك أن صاحب العقل الحصيف لا بد أنه سيتعرض لأذى وإكراهات الناس ولا يجب أن يستسلم لها. وبهذا، فإن شعار الإصلاح العملي في فلسفة ابن الرشد يكون بالأعمال الفاضلة لا بالمعتقدات الخيرة.

وخلص السيد المحاضر إلى أن كلا من ابن حزم وابن رشد نهلا من الثقافات الغربية غير الإسلامية، وارتقا بمناهج التعليم، وساهما في حداثة عصرهما. فابن حزم أثر في ابن رشد، وهذا الأخير أثر بدوره في ابن خلدون، كما أثر ابن حزم في إبراهام بن عزرا الذي كان له تأثير كبير على لاهوتية سبينوزا في تأويله الفلسفي الهيرمينوطيقي للتوراة. وختم الدكتور أحمد شحلان محاضرته مقررا أنه لولا ابن رشد لما تمكن الغرب من العودة إلى جذورهم الإغريقية سيما بعدما حاولت الكنيسة فرض الانتقائية على مناهج التعليم ومصادرة الفلسفة الأرسطية التي امتدت في الزمان والمكان بفضل شروحات وتعليقات وإضافات ابن رشد.

وفي أعقاب هذه المحاضرة التي استمرت لأزيد من ساعتين، تدخل الحضور الكريم بتساؤلاتهم واستفساراتهم، فكان أبرز المتدخلين الدكتور سعيد خالد الحسن رئيس المركز منتقدا هو الآخر المفهوم النمطي للحداثة باعتبارها قطيعة مع الماضي، كما لو أنها نسق معرفي راهن تحيل إلى ما انتهت إليه الحداثة الأوربية.

وفي ذات السياق، أكد الدكتور شحلان أن مفهوم الحداثة لا يقابلها مفهوم التقليد، وجماع الحضارة الإنسانية التي تطورت في الشرق الإسلامي هو تراث إنساني جمع، امتد إلى الأندلس الإسلامية، فصيغت المعارف الإنسانية من جديد في الغرب الإسلامي، في الوقت الذي كان فيه الغرب يجهل ماضيه. وأشار ذات الدكتور إلى أنه عندما نقلت العلوم العربية الإسلامية إلى الغرب، انبرى اليهود إلى ترجمتها من العربية إلى العبرية ثم إلى اللاتينية، معتبرا إياها خللا في الترجمة عمل اليهود عليها قصدا أو بغير قصد. كما صرح أن اليهود درسوا في زوايا الصوفية والأحياء والمدارس الإسلامية وساحات المساجد… كاشفا بذلك الستار عن فصل مسكوت عنه في التاريخ برمته.

إن الحداثة الغربية عند الدكتور أحمد شحلان هي إعادة قراءة الماضي، هي عود إلى التقليد.

هشام امباركي

 

 

 

عن wahaalfikir

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كتاب جديد التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين  

  كتاب جديد التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين   عن منشورات ...

لقاء مع الشاعر الحروفي أديب كمال الدين حاوره علي جبار عطية

    الشاعر الحروفي أديب كمال الدين في حوار خاص : * ...

تهديم التابوات قراءة في رواية ( تحت التنقيح ) أحمد طه حاجو

التنقيح هو تشذيب وتعديل ومراجعة للنص الأدبي كي يخرج بصورته النهائية والتي ...

جِلْنَارُ الموَاسِمِ/ كريمة نور عيساوي

  جِلْنَارُ الموَاسِمِ فيِ هَذا المسَاءِ اللاَّزُورْدِيِّ… وَأَمامَ الشَّارعِ، المُقابِلِ لِناصِيَةِ الحُلْمِ… ...

من وصايا العاشق / نمر سعدي

  من وصايا العاشق موسيقا تقطِّرُ لي هواءً عمرُهُ عمرُ النجومِ تنفَّستهُ ...

انتخاب الصورة الواقعية وقصدية الاشتغال على منطقة التحريض في قصيدة * السماءُ لمْ تَزل زرقاء * للشاعر العراقي شلال عنوز   سعدي عبد الكريم / ناقد وسينارست   *دراسة نقدية*  

  انتخاب الصورة الواقعية وقصدية الاشتغال على منطقة التحريض في قصيدة * ...

صهيل من فلوات الأرواح: عندما يصبح الشعر رسولا للإنسانية

  صهيل من فلوات الأرواح: عندما يصبح الشعر  رسولا للإنسانية   إن ...

تشمر عن ذراعيها لزرع شتول الرحمة وعلم الجمال/ فوزي محيدلي

    *تشمر عن ذراعيها لزرع شتول الرحمة وعلم الجمال* هي بطيبة ...

واحة الفكر Mêrga raman