الرئيسية / قصة / الشرط/ بقلم: آمنة بريري 

الشرط/ بقلم: آمنة بريري 

الشرط/ بقلم: آمنة بريري 

………………………..

 

الشرط

ـ سئمت حياتي .

بهذه الكلمة كان يفتتح كلّ صباح .صحيح هو لم يبد تمرّدا أو عصيانا لخالقه ،فيبدأ يومه دائما بصلاة الفجر في وقتها ،ثمّ ينطلق إلى أشغاله في انصياع ،لكن تلك العبارة كانت ما يبدأ به نهاره دائما وذلك منذ فترة طويلة .

كان يحسّ أنّه إنسان منكوب ،فالحظّ يعاكسه والقدر يرفض تحقيق أحلامه .إنّه لا يعيش بالطريقة التي طمح إليها ، إضافة إلى مكابدته أعمالا مجهدة ترهق جسده الضعيف .لقد أصبح الألم رفيق حياته الدائم ،وأصبح الوجع عنصرا مألوفا في حياته اليوميّة .

هو لا ينكر أنّه عرف أوقاتا من السعادة . لكنّ الألم والإحباط الذين وسما أيّامه جعلاه يتغافل عن نعمٍ حظي بها ، ويردّد في كلّ صباح تلك العبارة .

ـ سئمت حياتي .

ذات فجر وهو يجرجر قدميه نحو غرفة الحمّام للوضوء ،برز أمامه كائن نورانيّ في هالة من ضياء .فثبت في مكانه مذهولا وحدّق في المخلوق العجيب عاجزا عن النطق .

وسمع من الكائن النورانيّ قولا واضحا :

ـ ما رأيك أن لا تكره بعد اليوم حياتك .

ثمّ قدّم له عرضا عجيبا .سيقتح أمامه أبواب الدنيا .ستتحقّق كلّ أحلامه ،سينال كلّ النعم الدنيويّة في أجمل صورها .ستندثر أحزانه وتولّي أتعابه .فلا ألم ولا بؤس ولاعناء أومشقّة .

ـ لكن هناك شرط .

ـ وما هذا الشرط ؟

و فاجأته الإجابة .إنّ الشرط هو أن يتنازل نهائيّا عن أمله في حياة أخرويّة مختلفة عن الوجود الدنيويّ .سيكون هذا عيشه أبدا على الأرض وفي السماء .هذه الحياة التي ألفها ستكون الشكل الوحيد لوجوده إلى أبد الآبدين ،لكن طبعا في صورتها البديعة التي اقترحها عليه .

وتساءل في حيرة :

ـ أتقصد أنّي لن أدخل الجنّة بعدما أموت ؟

فأجاب الكائن العجيب :

ـ كلاّ ،ليس هذا هو المقصود .لكنّ حياتك الأخرويّة لن تتغيّر في طبيعتها وشكلها عن حياتك الدنيويّة .وبعبارة أخرى ستكون جنّتك نسخة أخرى عن الدنيا .لكنّها صورة بديعة خالية من كلّ الشوائب والمنغّصات .

وأضاف الكائن في صوته الهادر :

ـ ستُمنح فرصة للتفكير ،فالأمر مصيريّ .موعدنا غدا في نفس هذا الوقت .

ثمّ أضاف في هدوء :

ـ سآخذ معي أحزانك وأتعابك في هذا اليوم الذي ستفكّر فيه ،لكي تعرف نوع الحياة التي ستكون كلّ وجودك .

وحدّق الرجل فيه بعينين ذاهلتين وهو يراه يتعالى في الهواء ،ولمح فجوة في السقف تنفتح ليخرج منها .فأصابه الفزع الشديد ،وصاح بصوت مرتجف :

ـ انتظر أيّها الغريب… .لست أقبل هذا العرض .أعد عليّ أحزاني …أعد عليّ أتعابي ….

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمة العرب والأمم المتحدة / بقلم: خالد السلامي

يعتبر العرب وخصوصا العراق ومصر وسوريا والسعودية ولبنان من اوائل المشاركين في ...

من عمق المجتمع، جداريات بجمالية داهشة للقاصة زلفى أشهبون/ بقلم: بوسلهام عميمر

                        ...

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

واحة الفكر Mêrga raman