الرئيسية / خواطر ونصوص شعرية / عصافيرُ الحقِّ …. مازالتْ مطاردةً/ بقلم: مرام عطية

عصافيرُ الحقِّ …. مازالتْ مطاردةً/ بقلم: مرام عطية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عصافيرُ الحقِّ …. مازالتْ مطاردةً

بقلم: مرام عطية

__________________________

عاش جدِّي جلَّ حياتهُ في كفاحٍ دؤوبٍ لتحريرِ السَّنابلِ من زؤوانِ اللئامِ وإغاثةِ العشبِ الطريِّ من سياطِ الريحِ، لم يكنْ يعلمُ أنَّ قطارَ العمر سريعٌ جداً، وأنَّ محطاتهِ بعيدةٌ كجزيرةٍ وسطَ المحيطاتِ، لذلكَ كان يركب فرسهُ الأصيلَ ليلحقَ بهِ، ويمنِّي نفسهُ بالأحلامِ الورديةِ، ثمَّ يعودُ مثلَ كلِّ المناضلين لنصرة الجمالِ والحقِّ حزيناً بائساً كجنديٍّ مهزومٍ يجرجرُ أثمالَ الخيبةِ والخذلان.

كثيراً ما رأيته يطاردُ أسرابَ الظلامِ لينتصرَ ابن الضياءِ

يلاحقُ الجناةَ والطامعين برغيف الفقراءِ وقنصِ اللحظاتِ السعيدةِ من عيون الأطفالِ

كان شهماً نبيلاً يأبى الإهانةِ في الحقِّ ينقضُّ كالنسرِ على عدوه إذا أكلَ يوما حقهُ، أو استخفَّ بإنسانيتهِ أحدٌ

فحين ضمَّ جارهُ الطريقَ الرئيسَ بينهما إلى دارهِ طمعاً وجشعاً لامتلاكِ بعضِ أمتارٍ زيادةً على مساحةِ بيتهِ هجمَ كلبوةٍ هُدِّدَ صغارها، وثار طالباً من أحفادهِ مساعدتهُ في هدمِ الحائطِ الجديدِ الذي صنعهُ الجارُ.

كانت الطفلةُ في صدري تتألَّمُ لضياعِ عقدِ السلامِ مع جيراننا في بئرِ الجهلِ والأنانيةِ، وتجهشُ لانقطاعِ حبلِ الوفاءِ وصرمِ المودةِ بين الأحبةِ.

أمَّا القدر فيضحكُ أمامي ولا يبوحُ بالسرِّ، كان جدي لا يرى دموعنا وهي تسابقُ أيدينا إلى تنفيذ ماطلبَه منها

فتروي الأرض من سواقي ضلوعنا ودماءِ شراييننا

يا للحزنِ !!! زهد جدي بكلِّ أحلامهِ بعد وفاةِ جاره الخصمِ، صارَ صدرهُ مرتعاً لطيورِ الندمِ والحزنِ، يلاحق فراشاتِ السعادةِ، يغريها بالبرقوقِ والإجاصِ وهي تهربُ إلى بلادٍ قصيةٍ، يركبُ فرسَهُ العتيدَ فلا يستطيعُ اللحاقَ بها

رحل الجارانِ إلى الدارِ الآخرةِ وبقي الطريقُ الهدفُ حزيناً منسياً كورقةٍ صفراءَ درسها الخريفُ

سافر الأبناءُ والأحفاد إلى بلادٍ قصيةٍ، مع مراكبِ الحبورِ وبقيت مرابعُ الطفولةِ أطلالاً دارسةً ودمناً بائسةً تخبرانِ عن أحلام خضراءَ أحرقها صقيعُ الطمعِ ونارُ الغيرةِ

ولم يبقَ من خمائل الطفولةِ إلاَّ أشجارِ الزيتونِ والتينِ تلوُّح مع رفِّ السنونو لصورِ الأحبةِ وتحرس في صدورنا الذكرياتِ.

لا تحزن يا جدي إذ عدتَ خاسراً من معركةِ الجمالِ، فعصافير الحقِّ وحمائمُ الحبِّ مازالت مطاردةً حتى الآن، لقدْ أدركتُ مثلكَ متأخرةً أنَّ ذاك الطريقَ الذي خاصمت روحكَ من أجلهِ لم يكن طريقَ السكينةِ والراحةِ، فأولُ خطوة في طريقِ السعادةِ هو تنظيفُ القلبِ من أدران الحسدِ والطمعِ، وأنَّ الغنى هو غنى الروحِ بثمارِ المحبةِ وأزهارِ التواضعِ.

 

_______________

مرام عطية

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمة العرب والأمم المتحدة / بقلم: خالد السلامي

يعتبر العرب وخصوصا العراق ومصر وسوريا والسعودية ولبنان من اوائل المشاركين في ...

من عمق المجتمع، جداريات بجمالية داهشة للقاصة زلفى أشهبون/ بقلم: بوسلهام عميمر

                        ...

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

واحة الفكر Mêrga raman