الرئيسية / مقالات / دروس كورونا المستجد/ بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

دروس كورونا المستجد/ بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

دروس كورونا المستجد

بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

…………………

قد يكون من المؤكد أن الأرض لم تتنفس الصعداء من شرور الإنسان منذ ما يقارب القرنين من الزمن، ويبدو أن فيروس كورونا الذي لا يشكل شيئا أمام عظمة وحجم قادة العالم استطاع أن يحقق خلال الشهرين الفائتين مالم تستطع تحقيقه قمم البيئة والمناخ المتعددة خلال قرن فائت من الزمن. إنه إذن فيروس كورونا المستجد كوفيد -19 أحدث الأوبئة التي تعصف بالبشر، ويكاد يودي بالجميع إلى التهلكة إذا لم يلزموا كبارا وصغارا البقاء بالبيت لتخفيف خطر الإصابة بالفيروس الفاتك اللعين.

لقد جلب فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 العديد من النتائج السلبية للكوكب منها الموت بلا مراسم وداع والمرض والبعد والجفاء والاضطراب السلوكي والقلق، وقدم لنا في ذات الوقت العديد من الدروس التي يجب أن نتعلم منها ونضعها في اعتبارنا في الأيام القليلة القادمة منها:

  1. علينا التضحية بالحرية الفردية مقابل الحفاظ على الخير العام: صحيح أن البقاء بالبيت مسألة صعبة بالنسبة للأزواج والنساء العاملات. وقد اشتكى العديد منهم الملل والضجر والخسارة المادية ولكن علينا في ذات الوقت أن ندرك أن كل ما نمر به درس من دروس الحياة وفرصة نادرة للتعويض العاطفي والأخلاقي وحفظ التوازن بين الحاجات الفردية والحاجات المجتمعية. البقاء في المنزل فرصة لتصحيح العلاقات والتفات الأزواج لبعضهما ولأطفالهما وفرصة مناسبة لتغيير السلوك والتكيف مع الظروف المستجدة. وعلينا أن ندرك أن سلامة الفرد من سلامة المجتمع والانهيار الصحي يودي بالجميع والأمثلة كثيرة ويمكن مراجعتها في تاريخ الأوبئة الإنسانية.
  2. علينا غسل اليدين في حال وجود الفيروسات والأوبئة وفي الحالة الطبيعية وعلينا أن ندرك أن النظافة العامة عادة تستحق التطوير والاهتمام وعلينا أن نتدرب عليها وأن ندرب أطفالنا على غسل اليدين. الصحة العامة مسألة فردية ومجتمعية. إن غسل اليدين بالماء والصابون لمدة 30 ثانية طريقة فعالة لمكافحة الفيروسات والأوبئة.
  3. قد يكون العمل من المنزل خيارا جيدا: يمكن للمرء في عصر الانترنت وثورة المعلومات أن يؤدي الأعمال المطلوبة منه في المنزل ويرسلها إلكترونيا للمؤسسة التي يعمل بها. وهناك فرصة جيدة لتطوير التعليم ليصبح عن بعد بحيث يقلل المرء فرصة نشوء الفيروسات والعدوى والانتقال السريع وقد يكون التعليم الافتراضي مثالا جيدا لهذا الجانب.
  4. الصحافة الالكترونية ند للصحافة الورقية بحيث يستطيع المرء أن يتصفح الجرائد اليومية إلكترونيا، وبالتالي تقل التكلفة ويقل الاحتكاك مع الوسط المحيط الذي قد ينقل للإنسان الفيروسات والأوبئة ويمكن أن نضيف أن جودة الصورة الإلكترونية قد تكون في كثير من الأحيان أفضل من الصورة المطبوعة ميكانيكيا.
  5. على المرء البقاء في المنزل إذا كان يعاني من المرض: في حال شعر المرء أنه مريضا عليه أن يعتذر عن الذهاب للعمل وعلى المرء أن يتخلى عن فكرة ” الموظف الفدائي الذي يأتي للعمل كرمى لعيني مديره ” علينا أن نتحلى بالشفافية المطلقة وفي حال عدم القدرة على الحضور لأسباب صحية أن نبقى في البيت لسلامتنا وسلامة رفاقنا في العمل وعلى الإدارات أن تتفهم هذا الوضع الناشئ.
  6. الإنترنت حق من حقوق الإنسان وعلى الدول النامية أن تدرك أن قطار الحضارة قد فاتها وأنها صارت بعيدة جدا عن الثقافة الجديدة الناشئة والتي تتطور بسرعة عقارب الثواني في الساعات. لقد صار من لا يمتلك الإنترنت فقيرا عقليا ومتخلفا ومتأخرا لأنه صار مسألة أساسية في العديد من دول العالم.
  7. يجب أن تدفع الحكومات رواتب أعلى لرجال البحث العلمي الطبي لأنهم يقدمون الكثير وسط عالم يركز على التكنولوجيا ويتجاهل تمويل البحث الطبي ومراكز مكافحة السرطان ومختبرات الأوبئة. ويجب على العالم مجتمعا أن يعيد النظر في مقدار الأموال التي تدفع للسياسيين والبرلمانيين والممثلين وتحويل جزء منها لتطوير البحث العلمي الإنساني الجاد ومراكز مكافحة الأوبئة.
  8. على جميع أفراد الأسرة تعلم فنون الطبخ والتفنن في إعداد الوجبات لأن الحياة الإنسانية تقوم على التعاون والتشاركية، وعلينا إعادة النظر فيما نأكله من أطعمة بحيث نركز على الطعام النظيف الواضح البعيد عن المواد المصنعة والنانو.
  9. على المرء أن يعلم نفسه أهمية الحديث المطول مع الأسرة والأصدقاء والعائلة. على الإنسان أن يتحدث مع والده ووالدته كل يوم بمعدل 10 دقائق يوميا ولو على الهاتف لأنهما قد يعانيان الوحدة التي تعانيها مؤقتا. يمكن أن يستخدم المرء الهاتف الذكي أو الهاتف المرئي وعليه أن يستمع لشؤونهما وشجونهما. الحديث مع الأب أو الأم والجد والجدة مصدر بهجة لهما ويطيل العمر ويجعله سعيدا ويعمق مشاعر الامتنان والقلب الشكور بين أفراد الأسرة.
  10. على المرء أن يحترم الطبيعة والحدائق والبساتين والأشجار والغابات وأن يبادلها نفس المشاعر. الطبيعة تعيش بنا ونعيش بها. يمكن للمرء إذا كان في الريف أو في حواف المدن أن يذهب مشوارا عائليا وأن يندمج بالطبيعة. الاندماج بالطبيعة مصدر سرور عارم لا يعرفه إلا من يجربه.
  11. القناعة وسكينة الروح مصدر سعادة للإنسان إن كان منفتحا أو انطوائيا. يشعر الانطوائي بالسعادة المطلقة في حال استطاع أن يفوز بلحظات من الصمت والوحدة وتعادل سعادته مقدار الضيق الذي يعانيه المنفتح عند البقاء منفردا في المنزل. على المرء أن يدرب نفسه على أوضاع الحياة المختلفة وعليه أن يتذكر المفكر والفيلسوف راسل عندما انفجر ضاحكا في السجن وأثار استغراب السجان الذي جاء ليسكته عندما قال له: ” من قال لك أن السجن مكان للعقوبة؟”  يمكن للمرء في فترة الحجر الصحي أن يشاهد التلفاز وأن يلعب مع أطفاله الشطرنج أو الأونو وأن يستمع إلى كتاب صوتي أو يشاهد فلما. نحن نمتلك العقل والجسد وهما الوطن الجميل الذي نعيش فيه وعلينا أن نحبه ونحترمه لأننا نعيش فيه.

أزمة كورونا:

لقد نشرت أزمة كورونا العديد من الظروف الناشئة في كل من الصين والولايات المتحدة وإيطاليا والشرق الأوسط وصار لزاما على الحكومات التكيف مع الظروف الجديدة وقبول أفكار وسلوكيات لم تكن تقبل بها قبل كورونا. لقد توقفت الكثير من المصالح وأصيبت بالشلل الكامل وتحول المرء من شخص منتج إلى شخص مستهلك وصار على الحكومات أن تدفع النفقات لوحدها. وصار لزاما على هذه الحكومات التكيف مع الأوضاع الجديدة بحيث:

  • تم الاعتماد على التواصل البعيد وتوقف المواصلات والانبعاثات الغازية.
  • تقليل عدد العاملين والاكتفاء بالضروريين في المكاتب والمؤسسات.
  • توقفت الجامعات والمعاهد والكليات والمدارس.
  • البحث عن بدائل جديدة للتعليم.
  • الانتخاب والاقتراع والتصويت الكترونيا بدل الورقي.
  • دفع رواتب العمال خلال فترة الحجر الصحي.
  • زيادة الصرف على التعقيم والنظافة العامة.
  • اعتماد بروتوكول العناية الطبية الجديد في معظم دول العالم.
  • الاعتماد على السلطات المحلية في تطبيق معايير السلامة.
  • انتشار الأفكار المضللة والشائعات والأفكار المغلوطة والنظريات بين الناس.
  • ميل الناس نحو وسائل الاعلام الوطنية المحلية لمتابعة الجديد والمفيد والتوجيهات حول فيروس كورونا.
  • إعادة النظر في سلاسل التوريد والتأمين للمواد الغذائية والصحية.

لقد أعاد فيروس كورونا هيكلة الأفكار العالمية ودفعها نحو التعاضد لمكافحة الوباء رغم أن الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية قد أثبتا فشل النظام الرأسمالي في التعاون لمكافحة الفيروسات والأوبئة.

دروس ما بعد كورونا:

لقد أظهر وباء كورونا المستجد ضعف الأنظمة السياسية والأيديولوجيات وهشاشتها تجاه القضايا المستجدة التي قد تهدد حياة المواطنين في حال خروج الوباء عن السيطرة وانتشاره كما حدث في الولايات المتحدة وإيطاليا. وقد تعلمنا العديد من الدروس لمرحلة ما بعد كورونا منها:

  • الصحة العامة مسألة سياسية: وقد أظهر سلوك الصين والولايات المتحدة ذلك جليا للعلن عندما بدأت الصين تقول بأن الفيروس قد أحضره جنود الولايات المتحدة في حين وصف وزير الخارجية الأمريكي كورونا بفيروس ووهان الصيني. الخلافات السياسية بين الدول تزيد تحديات الصحة العامة تعقيدا وتضعف سرعة التعاون والاستجابة كما يحدث في سورية وإيران وفنزويلا وكوبا نتيجة العقوبات الأمريكية القبيحة على هذه البلدان.
  • العلم هو الأساس: لقد رافق انتشار كورونا الكثير من الأخبار المزيفة حول الفيروس. وقد فشل المجتمع الدولي في الاتفاق حول المناخ والبيئة وقد وضعت الحكومات العلم جانبا والتفتت لتنفيذ أجندتها السياسية والاقتصادية متجاهلة الأخطار البيئية والصحية المحيق بالجنس البشري. وبالتالي ضعفت الميزانيات المخصصة للبحث العلمي التطبيقي وصارت بطيئة وفردية ومعظمها غير جاد وغير ممول رسميا.
  • التربية المجتمعية والخير العام: نلاحظ خلال العقود القليلة الماضية اهتمام الحكومات بالتجارة والصناعة وعدم الالتفات للقضايا المجتمعية والثقافة المجتمعية الأمر الذي ترك الباب مشرعا أمام التيارات الدينية للنمو كما تبين وجود نزعة عالمية لدى كل الأديان للتعصب والتكفير وعدم قبول الأخر. وقد انعكس ذلك جليا في ضحالة التعليم المدرسي والجامعي وعدم جديته وتخلفه عن مواكبة المطلوب منه مجتمعيا.
  • الصحة العامة أولوية مجتمعية: علينا الانتباه للصحة العامة أكثر بحيث نمتنع عن الشراء من العربات الجوالة أو عربات الرصيف أو الأغذية غير النظيفة وأن ننتبه إلى طريقة حفظ ونقل الأغذية لمنع انتشار الأوبئة. يجب أن تصبح الصحة العامة حجز الزاوية في كل أقوالنا وأفعالنا وعلينا احترام النظام الصحي وتطويره بحيث يحقق الغايات المرجوة منه وأن نتعامل معه بشفافية مطلقة لأن النظام الصحي ملكية مجتمعية يجب المحافظة عليها. يعد فيروس كوفيد-19 من التحديات المجتمعية الجديدة، ويمثل تهديدا جديا وجديدا للصحة العامة وينذر بحدوث كوارث مجتمعية في حال انفلت من عقاله.

في مرحلة ما بعد كورونا سيشهد العالم العديد من التغيرات في أسلوب وطريقة الحياة في أكثر من مكان في هذا العالم. لقد استطاع العالم في القرن الماضي التغلب على الأوبئة والجائحات التي انتشرت بجنون مثل الحصبة والتيفوئيد والسل والملاريا والكوليرا وكان التعاون الدولي الإنساني حجر الزاوية في التغلب على هذه الأوبئة وحصرها في مختبرات عسكرية. فهل سيكون فيروس كورونا المستجد وسيلة جديدة لخلق عالم جديد يسهل السيطرة عليه وتتحقق نبوءة ألدوس هكسلي في كتابه الشهير ” عالم جديد شجاع”؟

من يدري؟

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman