الرئيسية / قصة / اللّوحة النّاطقة/ بقلم: مادونا عسكر

اللّوحة النّاطقة/ بقلم: مادونا عسكر

 اللّوحة النّاطقة

بقلم: مادونا عسكر/ لبنان

………..

مضت وفي داخلها شوق لملاقاة ذاتها بعيداً عن الضّجيج المعتاد، علّها تجد مدينة أو قرية أو غابة أو حتّى كهفاً لم يطأه أحد. قيل لها إنّ في الأماكن المهجورة سكون الحكماء وصمت العارفين وحرّية الرّؤية.

لم تحمل معها سوى لوحة قديمة، كانت قد احتفظت بها رغماً عنها، تجسّد امرأة واقفة على صخرة عالية، تحمل على أكتافها ظلّها، وتنظر إلى الأزرق المشرف من علوّ على الأرض الضّائعة.

مشت ببطء شديد. اللّوحة ثقيلة والطّريق أشبه بحقل ألغام محفوف بالموت. ومن يمشي في حقول الموت لا ينظر إلّا إلى أسفل، وهي الآن غير مستعدّة للموت. ثمّة أمور معلّقة بين حكمة السّماء وجهالة الأرض. ثمّة أسئلة كثيرة تودّ أن تطرحها على ذاتها البعيدة. ثمّة أحلام عالقة في مخيّلتها، ثقيلة كتلك اللّوحة.

لاح لها من بعيد بيت صغير مسترخٍ على تلّة تعانق الشّمس وترمي بسكونها على محيط خلا إلّا من بعض العصافير التّائهة عن أعشاشها. سرّعت الخطى على قدر استطاعتها، أتعبها الطّريق وأحنت اللّوحة ظهرها وأرهقها ظلّ المرأة.

وصلت إلى تلك التّلّة مهشّمة الرّوح، مشتّتة العقل، منهكة الإحساس. لكنّ لا بدّ من معاناة أخيرة قد تبعث الأمل وتشبع جوعاً قديماً وتروي ظمأ دام زمناً طويلاً. وقفت متردّدة  أمام بيت مهجور لا باب له، تخشى أسراً مستجدّاً أو صوتاً مفاجئاً يقتحم سمعها.

دخلت لتستريح من عناء الطّريق الطّويل وثقل اللّوحة الّتي أبت إلّا أن تلتصق بكتفها. وقفت أمام ساعة حائط كبيرة، عقاربها مشلولة بحكم الزّمن. مدّت يدها وحرّكت العقارب باتّجاه معاكس لتعود بها إلى الماء القديم حيث كانت تسبح برضى أو تظنّ ذلك. أو تعود بها إلى أوّل النّهر لتحدّد مجراه وتعبر، أو أقلّه تقرّر العبور أم لا.

لا شيء، لا، ولا حركة تنقذها من أنين الوقت وهمجيّته. لا شيء ينذر بأنّ ثمّة ذاتاً تنتظر. العقارب مشلولة، والبيت بارد، واللّيل قريب. قرّرت العودة، سمعت صوت المرأة المنبعث من اللّوحة، تقول ساخرة: “لا أحد يملك القرار.”

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 رمــضانُ / بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

        – – – – – – – أتــى رمــضانُ يحملً كـلَّ ...

,جدارية محمود درويش بين قراءتين / بقلم: فراس حج محمد

| فلسطين “انتهت القراءة الأولى الساعة 7:45 مساء يوم الاثنين 19/6/2000” هذا ...

لم التشكيك بالأحاديث النبوية؟ / بقلم: خالد السلامي

  تعودنا بين حين وآخر ان نرى بعض التصرفات التي تتعمد الاساءة ...

  قراءة في ديوان “ضجيج كثيف” للشاعرة نبيلة الوزاني/ بقلم: بوسلهام عميمر

“بعيدا عن الهلوسات، الشعر بلوازمه قضية ومسؤولية”   “ضجيج كثيف”، ديوان نبيلة ...

حلم طفلة / بقلم: ماهر طلبه

  قصة قصيرة مر على هذا الحادث سنوات كثيرة.. كنت لم أفك ...

في منحدرات الأرق / بقلم: سالم الياس مدالو

في منحدرات الارق ينمو الشوك العوسج والحنظل وينعق البوم وتنعب الغربان والعواء ...

رسائل خاصّة جدّاً / بقلم: فراس حج محمد

رسائل خاصّة جدّاً إهداء: إلى أميرة الوجد (ش. ح) [وَلِي وَلَهَا فِي ...

أنا اليوم عاجزة / بقلم: ملاك زلّيطة

أنا اليوم عاجزةٌ تمامًا لكن الأفكارَ ليست بعاجزة؛ تحرّضني على اقتحامِ عرش ...

واحة الفكر Mêrga raman