الرئيسية / مقالات / وأد الإيديولوجيا في الشرق برداء اليوتوبيا/ بقلم: جوتيار تمر

وأد الإيديولوجيا في الشرق برداء اليوتوبيا/ بقلم: جوتيار تمر

وأد الإيديولوجيا في الشرق برداء اليوتوبيا

بقلم: جوتيار تمر / كوردستان

26/8/2020

ـــــــــــــــــــ

 قد لا يختلف اثنان على أنه حين صك المفكر الفرنسي أنطوان دستوت دي تراسي (١٧٥٤–١٨٣٦) كلمة “إيديولوجية” في عام ١٧٩٤ تقريباً، لتصف ما كان يأمل أن يكون علماً جديداً للأفكار، لم يكن يدرك بأن الكلمة ستأخذ تلك المسارات التي اتخذتها في وقتنا الحاضر، بعبارة أخرى لم يكن يدرك أن التوظيفات السلبية ستعمل على سلب قيمة الكلمة ومفهومها منها، لاسيما أن البعض بدأ باستغلالها لتضليل الناس لفرض معتقداته، وفق مزج لا منطقي ولا علمي بين مفهوم اليوتوبيا التي سبقتها بوقت طويل، ومفهوم الإيديولوجيا، حتى تناسل منهما مفهوم مربك متعدد التأويلات، فاليوتوبيا استخدمت في مقابل الإيديولوجيا باعتبارها مقابلاً لها، وباعتبارها مرادفاً لها، فضلاً عن تشوهات أخرى ساهمت بعض الجهات الفوضوية في فرضها على معطيات الإيديولوجيا، كمحاولة زجها في ميدان الابستمولوجيا، الأمر الذي حال دون الوقوف على الحقائق العيانية الموضوعية للايديولوجيا كما يقول د. محمود إسماعيل.

يحاول أصحاب الحركات الاجتماعية والسياسية وغيرها استغلال المصطلح لفرض هيمنتها على الناس، من خلال تحفيزها على الانقياد لرؤاها التي تطرحها، ولأنها تدرك بأنه كما يقول لينين لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، فأنهم يقومون بمزج غريب ورهيب بين طوبائية مفهوم اليوتوبيا وبين جبرية أو حتمية مفهوم الايديولوجيا، وذلك للوصول إلى أهدافهم سواء في بث الأفكار التي تخدم مصالحها وأجنداتها الفئوية، أو إثارة الفوضى والغوغائية داخل المجتمعات الساعية لنيل حقوقها في الغالب، وفي المجتمعات التي تعاني الطبقية في أحيان أخرى، وحتى في المجتمعات الشبه مستقرة فان الغوغائية تجد لها منافذ لاسيما في مفاهيم المساواة وفصل السياسة عن الدين وغيرها من الأمور التي تثير حفيظة التيارات المتشددة وتتخذ منها سبيلاً لإثارة الفوضى.

ولعل تعدد المفاهيم التي تتخذها الإيديولوجيا نفسها تساعد هؤلاء على تسخيرها لأغراضهم باعتبار أنها نسق من المعتقدات التي من خلالها يتم تفسير الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً ضرورياً كما يقول المفكر عبدالوهاب المسيري، ويضيف بأن الإيديولوجيا نسق يعكس الواقع، وفي الوقت نفسه هي نسق يفسر بعض جوانب الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً مخلاً، فالأيديولوجية بنظره تصلح أحيانا كدليل للسلوك الإنساني، ولكنها لا تصلح أحيانا أخرى، ومن هنا تبرز معارضة الفكر الأيديولوجي بالفكر الموضوعي والعلمي الابستمولوجي، ومع تشعب الآراء حول مفهوم الإيديولوجيا فأنها تصف في الغالب على أنها علم الأفكار وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديداً.

مفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، فمثلا يعرفه قاموس علم الاجتماع بمفهوم محايد باعتباره نسقا من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) تسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات  السياسية أو الاجتماعية للأفراد والجماعات، وهي من منظار أخر نظام الأفكار المتداخلة كالمعتقدات والأساطير  التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية و السياسية و الاقتصادية وتبررها في نفس الوقت.

وبذلك فالأيديولوجية: هي مجموعة من المعتقدات والأفكار التي تؤثر على نظرتنا لـلعالم، ويمكن القول إنها مجموعة من القيم والمشاعر التي نتمسك بها بشكل كبير، تلك المعتقدات والأفكار غالباً تكون قريبة جداً لنا لدرجة أننا لا نشعر بوجودها، ونحن نظن أن معتقداتنا وأفكارنا هي الشيء الطبيعي والحقيقي بشكل واضح، حتى لو كانت تلك المعتقدات خاطئة، فإن العقل يجعلك تعتقد أنها الحقيقة، لأنها جزء من مجموعة أفكار تؤمن بها” التعريف متوفر على الشبكة”.

في حين أن اليوتوبيا هو مفهوم فلسفي ابتكره الكاتب البريطاني السير توماس مور في كتابه اليوتوبيا الذي نشره في عام 1516، ويدل المفهوم على الحضارة أو المكان المثالي وهو مشتق من اللغة الإغريقية الذي يعني حرفياً المكان الذي لا جود له، ويصف الكاتب ذلك بالدولة المثالية حيث يكون كل شيء فيها مثالياً للبشر، وتكون جميع شرور المجتمع كالفقر والظلم والإجرام غير موجودة، إضافة إلى أفكار يصعب تطبيقها نظرياً لبعدها عن الواقع، وتعتبر تلك المثالية هي السلاح ذو الوجهين الذي يستغله أصحاب المزج الأيديولوجي اليوتوبي، فالفقر والظلم والتسلط السياسي تعتبر من اهم الركائز التي تعتمدها تلك الفئات الغوغائية لفرض منطقها اللامنطقي البعيد عن كل البعد عن الأسس العلمية والموضوعية في طرح آرائهم، وأفكارهم التي لا تنتمي إلى الواقع إلا لكونها تجد في نفوس البعض مكاناً بسبب مواقفها العدائية تجاه الحكومات، أو لأسباب شخصية ناجمة عن النزاعات القبلية والعشائرية، أو حتى أحقاد شخصية.

لذلك لا يمكن فصل الإيديولوجيا عن مسارات الحياة داخل المجتمعات بكل تصنيفاتها، لاسيما حين ينظر اليها  من منظور الساسة الذين بدورهم يوظفونها على أنها اكتشاف نابع من الصراع السياسي، وبمفهوم أدق وأوضح، أن المجموعات الحاكمة يمكن أن تصبح في تفكيرها شديدة الاهتمام بمصلحتها في احد المواقف، لدرجة أنها لم تعد تستطيع رؤية حقائق معينة من شأنها أن تقوض إحساسها بالسيطرة، ويعكس مفهوم التفكير اليوتوبي الاكتشاف المقابل النابع من الصراع السياسي، وهو أن مجموعات مقهورة معينة مهتمة، بقوة، فكرياً بتغيير وضع معني بالمجتمع، حتى انهم عن جهل منهم لا يرون في ذلك الوضع سوى العناصر السلبية فقط، فلا يقدر تفكيرهم على التشخيص السليم للوضع الحالي للمجتمع لكونهم غير معنيين على الإطلاق بما يوجد فعلياً على ارض الواقع، بل يسعون بالفعل في تفكيرهم إلى تغيير الوضع الحالي، كما يقول :  لإيمان تاور سارجنت ،في كتابه اليوتوبية: مقدمة قصيرة جداً.

هنا فقط يمكننا أن ندرك كيف يقوم بعض الغوغائية باستغلال الطروحات الموضوعية عن الإيديولوجيا واليوتوبيا لأغراضهم غير الواضحة، ففكرة تغيير الواقع بقوة، تعني بالضرورة وجود نظرية ثورية على جميع الأصعدة لخلق حركة ثورية، فكرية سياسية اقتصادية اجتماعية، ولكن  حين لا توجد لدى تلك الفئات تلك النظرية الشمولية، أنما تحاول استغلال اليوتوبيا من خلال رصد الحالة الاجتماعية السائدة من الفقر وعدم وجود سلطة موحدة تتحكم بالبلاد مثلاً، فأنها تحول تلك الأفكار إلى سلاح فوضوي يهدم الكثير من القيم الأخلاقية ويزيد من التنافر والتباعد بين الفئات الاجتماعية لاسيما تلك التي توالي السلطات وتلك التي تعيش حالة الانعدام والفقر والتي تنحاز للفئات الفوضوية الغوغائية، وذلك ما يزيد من انقسام المجتمعات على بعضها البعض وتزيد الهوة بين القاعدة والقيادة، فيتحول ذلك الشرخ إلى معضلة مزمنة لا يمكن علاجها بالشعارات والأقوال فقط، أنما تحتاج إلى وقت طويل كي يتم علاجها بالأفعال التي تتناسب وتلك الآراء الفوضوية المنبعثة من سوء فهم الإيديولوجيا ومزجها باليوتوبيا والأبستمولوجيا.

يقول بول تيليخ ” يدرك المؤمن باليوتوبية أن أفكاره ليست واقعية، لكنه يؤمن أنها ستصبح امرأ واقعاً، أما الشخص الذي لديه أيديولوجية، فعادة ما لا يدرك ذلك..”، وذلك ما يشكل الفارق بين سرعة انتشار الفكر اليوتوبي والعوائق التي تواجه الإيديولوجيا في انتشارها، فالقناعة هنا لا تكفي لفرض الأيدولوجيا، لكنها تحتاج إلى موضوعية الطرح والتناسب الفكري والأدائي العملي، في حين أن اليوتوبيا تثير ملكة الخيال اللامنتهي عند الأفراد المنعدمين، فتنتشر بينهم لكونهم الشريحة الأكثر انتشاراً في البلاد، وبذلك تكون اليوتوبيا لديها حضور كبير وواسع بين الفئات المنعدمة والتي يستغلها التيارات الفوضوية والغوغائية لبث فوضاهم داخل المجتمعات، وفي المقابل وكما يقول: زهير توفيق في مقال له منشور بعنوان ( الإيديولوجيا واليوتوبيا)  في جريدة الرأي:  اكتسبت الإيديولوجيا حضوراً طاغياً في السجال السياسي واصبح الصراع الأيديولوجي بين الأفكار المتعارضة امتداد للصراع الطبقي الشامل، واستعملت الإيديولوجيا بدلالات متناقضة، فمرة هي منظومة فكرية عقائدية للتنظيمات الاصطناعية كالحزب والطبقة والدولة ودلالة وجودها وهويتها لتعريف ذاتها وغيرها بالسلب أي بمغايرة الآخر لتبرير الانقسام، وإذكاء الصراع، وتعني كلمة الإيديولوجيا علم الأفكار، ورفع مستوى العلوم الأخلاقية والسياسية إلى مرتبة العلوم الطبيعية، وفيما بعد أصبحت الإيديولوجيا نقيض التجريد والمثالية بما يتناسب مع الفكر الوضعي التحليلي للثورة والتنوير، كما يفسر ذلك الباحث خليل احمد خليل في دراسة له بعنوان الإيديولوجيا في مساراتها ( من الوهم إلى العلم ).

أنها الصورة التي تحاكي واقعنا الحالي في المجتمعات الشرقية بالأخص الشرق أوسطية، ومجتمعنا الكردي يندرج ضمن دائرتها، فالأيديولوجيا أصبحت خارجة عن مساراتها المنطقية، وأصبحت رهينة الوهم النابع من سرعة انتشار اليوتوبيا الفوضوية بينها، فالفكر لم يعد يندمج مع العلم مثلما يندمج مع الوهم، حتى أصبحت ممارسات السلطة بعين الأفراد الخاضعين لليوتوبيا كلها نابعة من فكر التسلط، والدكتاتورية، على أن الواقع والموضوعية تؤكد أن تلك الرؤية نسبية لأن الظروف الإقليمية والدولية والتجزئة الداخلية والتحزب الفوضوي هما من ركائز انعدام رؤية واضحة لأعمال السلطة، وذلك ما يؤكد أن الناس الراكبين لموجة اليوتوبيا الواهمة اختلطت عليهم المفاهيم والأفكار حتى انهم باتوا لا يفرقون بين الكثير من المفاهيم المتحكمة بجذور وجودهم، وبتفاصيل حياتهم التي يعيشونها، فالخلط بين تلك المفاهيم ساد كل المسالك والأصعدة، حتى انهم اصبحوا لا يفرقون بين  نظام الحكم ، والنظام السياسي، باعتبار انهما نظامان مختلفان، يقول : د. مصطفى كامل السيد عن الفرق بين نظام الحكم والنظام السياسي: النظام السياسي هو طريقة ممارسة الشأن العام في المجتمع وهذا أوسع بكثير من نظام الحكم لان النظام السياسي يشمل هيئات أخرى لا تمارس سلطة الحكم، يسندها في النهاية خطة القهر في الدولة من خلال الشرطة والمحاكم والسجون، وجماعات الضغط داخل الدولة من المجموعات الاقتصادية والحزبية التي لا تشارك في الحكم، وحتى الرأي العام، أنما هم يدخلون ضمن هيئات النظام السياسي داخل الدولة، وذلك ما يؤكد أن الفئات الغوغائية الفوضوية التي تستغل حالة الركود المنتشرة داخل صفوف شرائح المجتمع المتعددة تعد ركناً من أركان النظام السياسي العام،  أما نظام الحكم فهو يشير فقط إلى مؤسسات الحكم الثلاث  السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة بالمعنى الضيق، والسلطة التشريعية والتي يجب أن تكون منتخبة ويمثلها البرلمان والمجلس النيابي، والسلطة القضائية التي يدعوا اليها القضاة، ذلك هو نظام الحكم الذي يتأثر في الغالب بالمتغيرات الإقليمية والدولية والظروف الداخلية فضلاً عن الظروف العامة كالعلاقات الدولية ومترتبات المنظومة الدولية وحاجياتها، أما القواعد التي تخضع لها هذه الهيئات الثلاث، فهي التي تميز بين الدولة والحكومة، فالدولة أكثر اتساعا من الحكومة، حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، كما يقول: د. عدنان كايد في دراسة له بعنوان الدولة بين المدنية والحاكمية، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءاً من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة (استمرارية) مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام السياسي الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة.

وهنا كما يتم الخلط بين الإيديولوجيا واليوتوبيا، يتم الخلط بين النظام السياسي ونظام الحكم، كما يتم الخلط بين الحكومة والدولة، ولا يسعنا في مثل هذه الحالات إلا أن نركز على مقولة الوعي الزائف الذي يصفه الباحث محمد أمين بن جيلالي في دراسة له بعنوان الإيديولوجيا واليوتوبيا في فكر مانهايم تأصيلات نظرية في الممارسة السياسية على أن هذا المفهوم ظهر في أحدث أشكاله، بعد إلغاء العوامل المتعالية والدينية، وبداية البحث عن معيار للأمر الواقع في مجال الممارسة، خصوصاً الممارسة السياسية، في حالة تستدعي مذهب البراغماتية لكن في المقابل إذا قورنت بصياغتها الحديثة، فينقصها الإحساس بما هو تاريخي. الفكر والوجود لا يزالان يمثّلان قطبين ثابتين منفصلين، يحمل كل منهما تجاه الآخر علاقة ستاتيكية في عالم لا يتغير. أما الآن فقد بدأ الإحساس الجديد بالتاريخ يتغلغل وأضحى ممكناً تصور مفهوم ديناميكي للإيديولوجيا والأمر الواقع عبر الاعتقاد بأن مقولة التاريخ يعيد نفسه من باب التكرار اصبح ليس بالمفهوم الشائع والسائد عنه، الذي يتخذ من سطحية الحدث كدليل على التكرار، أنما من خلال الاعتماد على ادارك ماهية الأسباب والمسببات ” العلل والمعلولات” ومن ثم دراستها وإسقاط نتائجها على الواقع بعقلية الحاضر والتنبؤ بالمستقبل وليس من خلال مفهوم الاستسلام  لنفس العوامل والمسببات ،و انتظار نفس النتائج القديمة والخضوع لمنطق المظلومية السابقة.

أن الخلل الذي يفرضه المنطق الوجودي في المجتمعات الشرقية بصورة عامة، هو عندما يحاول البعض جعل الوجود المتعالي وحِدَّة الوعي الزائف في منزلة متساوية، وبذلك نجد الدول تختبئ وراء اقنعه شعاراتية زائفة ومعنونة تحت غطاء الإيديولوجيا، وحين تنفك عُرى تلك الشعارات تستغلها اليوتوبيا الغوغائية لفرض واقع وهمي بعيد كل البعد عن المنطق السياسي بنظامه، والسلطوي بنظامه، والحكومي بمفاهيمه، وحتى الاستقلالي بمفهوم الدولة، حيث تختلط الأمور وفق نمط فوضوي مثير للجدل، لاسيما أن الطبقات المنعدمة والشرائح الناقدة تجد في وهم اليوتوبيا الفوضوية فرصة للتعبير عن سخطها، وعدم رضاها فتجد التيارات الغوغائية فرصتها لركوب الموجة تلك والقيام باستغلال الأحداث للدعاية الحزبية وفي الكثير من الأحيان تجد تلك التيارات غارقة في مشاكلها الاقتصادية وحتى طروحاتها المعادية للقضية مع الحكومات، على ذلك نجد تلك القيم الفوضوية التي تطرحها الغوغائية المترصدة للحدث  تتهاوى في مسرح السيادة الفعلية أو سلوك الدولة، وبالتالي تغدو الإيديولوجية التي تتبناها زائفة في قيمها ومبادئها، وبعيدة كل البعد عن معايير الحقيقة التي تنشد واقع حياة سياسية خالية من الصراعات الطائفية والحروب الأهلية، إذا لم تُؤدِّ الإيديولوجيا وظيفة بناء واقع اجتماعي متوازن، فهي لا محالة تقوم بوظيفة تبرير ذلك الواقع لمصلحة طبقة أو طائفة أو نخبة معينة وذلك ما يعني إن الواقع الزائف يولد من رحم الوعي الزائف، كما يقول محمد أمين بن جيلالي.

لذا الإيديولوجيا واليوتوبيا هي التي تميز في المجتمعات ما بين المعنى الجزئي والمعنى الكلي  للإيديولوجيا، ويقصد بالأول التزييف والكذب المقصود وغير المقصود عند الفرد لأسباب شعورية ولا شعورية، أما المعنى الكلي فيقصد به الاطار الفكري العام لطبقة أو لمرحلة فكرية معينة، وذلك ما يظهر بصورة جلية في المجتمعات الشرق أوسطية المقامة على بنى بيروقراطية، استبدادية، فردية، الحزب الواحد يحكم المتعدد بالشراكة، والتي تخفي سحرها الإيديولوجي وراء أقنعة صراع الدول ، الشركات، ويتخذ سحرُها الإيديو تكنولوجي طابع الإغواء للشعوب المنسحرة بإيديولوجياتها الممزوجة باليوتوبيا بل اليوتوبيا التي تغلفها بالادلجة، فاستغلال حتى الأديان لفرض أيديولوجيا مبنية على اليوتوبيا الواهمة أصبحت ركناً من أركان صيرورة المجتمعات الشرق الأوسطية بصورة عامة، فكيف بالفقر والمظالم والكوارث التي تحدث للأمم والشعوب، وكما يقول الإعلامي فارس خشان :”عندما نطمح إلى مسألة ما نُصاب بداء الحصان، فنرى الأمور أكبر مما هي في الواقع. وعندما نملك ما نطمح إليه يُصاب نظرنا بداء النسر، فيصبح الأمر البعيد قريباً، وكأن متراً واحداً يفصله عنا، دائماً نخطئ في الرؤية، عندما نعظم من حجم شيء نخضع له، وعندما نستصغره ننقض عليه. وفي الحالتين، نُصاب بعوارض الأوهام. عوارض تحرم الجميع لذة الحياة. المواطن العادي يراك أكبر مما أنت عليه، زعيمك يراك أصغر مما أنت عليه، أنت ترى المواطن العادي أصغر مما هو عليه، وترى زعيمك أكبر مما هو عليه. أوهام الرؤية تسحب نفسها على كل المناصب”، وعلى تلك الشاكلة تتحول مجتمعاتنا من قطيع يساق بمنطق الإيديولوجيا المسيسة إلى قطعان تساق باليوتوبيا الواهمة، وفي جميع الحالات تبقى الشعوب هي الأضاحي التي تقدم للأرض كي يثبت السلطوي أو الغوغائي كرسيه.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman