الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة في نص “أدخن سيجارتي” للكاتبة سمر لاشين / بقلم: فاطمة شاوتي

قراءة في نص “أدخن سيجارتي” للكاتبة سمر لاشين / بقلم: فاطمة شاوتي

قراءة في نص “أدخن سيجارتي” للكاتبة سمر لاشين

بقلم: فاطمة شاوتي

ـــــــــــــــــــــــ

 

أدخنُ سيجارتي

وأنظرُ من نافذتي باتجاه الشّارع

تقع عيني على بائع اللبن جالسًا على القهوة يدخن

أنظر إلى أصابعه التي تمسك الشِّيشة

إنها كاملة؛

فلماذا إذن كان يعدُّ أصابعه بدلًا من النقود؛

عندما أعطى لجارتي حفنة من اللّبن، تشربها كلها وتلحس باطن كفيه؟

ولماذا بعد أن أعطته نقودًا من حصالة صدرها

لم يَعُد يصب لها اللبن في الإناء،

ويَعدُّ أصابعه، بعد كل مرة، ويكرر العدّ؛ تحسبًا لعدم الخطأ

هل كانت جارتي تشرب أصابعه بدلًا من اللبن؟!

 

//

 

عندما تزورني أمي كلّ جمعة

تفتحُ مطبخي وثلاجتي؛ لتتأكد من مخزون الطعام لديَّ

وتراجع معي عدد الزيارات التي قمتُ بها لأقارب زوجي

ويعجبها أن صوتي لم يطلع عندما تشاجر معي زوجي؛

بسبب الملح الزائد في الطعام والعلاقة الحميمية.

ولا يهدأ لها بال حتى تقع عيناها على

العلامة الزرقاء في رقبتي

تطمئن أني مازلتُ أشرب اللبن من الإناء

وأمسك النقود في يدي

ولا حصالة في صدري كمعظم النساء، اللاتي يشربن

أصابع الرّجال

ولم أخبرها طبعًا أني أكتب الشّعر

كانت ستقطع رأسي.

 

أمي في كل مرة “تبوس” رأسي

على الحروب التي خسرتها حتى أكون زوجة صالحة ومطيعة.

بينما هناك حروب أخرى تخصني وحدي

لا تعرف عنها شيئًا

وقد ربحتها كلها.

 

كنت أريد أن أخبرها في آخر مرة

عن موت “عناية جابر”

لكنها لا تعرفها مثلي.

ماتت عناية جابر. عرفت ذلك من أصدقائي

ماتت كما تموت العصافير

فوق عشها البعيد، ماتت وحيدة وهادئة

أظن أني سأموت مثلها يا أمي.

لكن شيئًا ما في ملامحها يخبرني

أننا في حياة ثانية سنكون صديقتين مقربتين جدًّا.

 

النص :للشاعرة سمر لاشين

 

قراءة في نص الشاعرة المصرية

سمر لاشين :

الإثنين 07 /06 /2021

 

من دون عنوان اشتق النص عنوانه ؛

لأن غياب العتبة عتبة تجعل النص يقيس مساحة الأحداث ؛التي لم تكن بحجم العنوان،

بل فاقته…

وهو ما أشار إليه (حسن عليان)

في كتابه :

“مدخل لدراسة العنوان في القصة الصغيرة” :

“علامة لغوية تتموقع في واجهة النص لتؤدي مجموعة وظائف تخص أنطولوجية النص، ومحتواه وتداوله في إطار سوسيو_ثقافي خاص بالمكتوب، هو تسمية للنص وتعريف به وكشف له، يغدو علامة سيميائية تمارس التدليل وتتموقع على الحد الفاصل بين النص والعالم لتصبح نقطة التقاطع الإستراتيجية التي يعبر فيها النص إلى العالم، والعالم إلى النص لتنتهي الحدود الفاصلة بينهما ويحتاج كل منهما الآخر…. ”

عتبة العنوان عتبة سياقية لها مدلولها داخل السياق…

فهل وضعت الشاعرة عنوانا من خلال إخفائه… ؟

هل يمكن أن يكون العنوان:

” امرأتان في امرأتين”… ؟

أم أنها تعمدت تغييب العنوان كعتبة دالة ؛

لأن العنوان متضمن في رحيل

(عناية جابر). ..؟

هل لأن الموت موت امرأة بحجم شاعرة صحفية أكبرمن أي عنوان… ؟

أم أن العتبة هي عناية جابر..؟

هو تأويل استلهمته من حدة التداعي مع شخصية امرأة؛ لها وزنها الثقافي؛ و حضورها في المشهد النسائي العربي.. ؟

غياب العنوان /حضور للعنوان…

هكذا تبدّى النص في تقاطعاته مع شخصيات نساء؛ لها معهن علاقة ما؛

تداعٍ مكنها من استحضار أربع شخصيات متفاوتة الحضور والتأثير….

من هذه الرباعية التقطيعية شيدت هندسة شعرية، تقارب من خلالها وضعا خصوصيا، تعيشه المرأة العربية…

من هندسة رباعية الزوايا

سمر

الجارة

الأم

عنايةجابر

وعبر فعل التدخين بدلالة أعمق…

لماذا تحركت الذائقة ضمن أربعة زوايا… ؟

لماذا ركزت على هذه التشكيلة بداية بنموذجين نسائيين لاعلاقة لهما بثقافة الحرية والمساواة،

وانتهاء بنموذج تحرري تمثله الصديقة الراحلة والشاعرة من خلال تجربة الرحيل /الموت الصدمة.. ؟

بطرح رمزية معقدة، قد لاتعيها أو تستهدفها الشاعرة… ؟

لكني كقارئة للتفاصيل أعي جيدا أن استحضارها بهذه الصيغة يتخذ عدة تأويلات :

احتمال تأبينها بهذا النص في ظرف عصيب؛ الكورونا والموت الفجائي…

احتمال أن موت امرأة بهذا الألق الثقافي أثّر في الشاعرة ؛تمثَّلَتها لا كصديقة ، بل كقضية محورية…

فهل تمكنت الشاعرة سمر أن تعْبُر الشخصيات الأربعةَ لتصوغ إشكالية الوضع النسائي… ؟

هل ضربت عصفورين بحجر…؟

الرثاء وطرح قضية المرأة… ؟

جغرافيا النص تنطلق من التدخين كدلالة على احتراق داخلي /خارجي دلت عليه جلستها ومتابعة الشارع، كأنه يتقمص واقعا عربيا في يومياته الرتيبة…

 

السيجارة الأولى /

المقطع الأول /

(ملف الجارة واللبان) :

 

“أدخن سيجارتي ”

 

إنه يوم يدخن سجائره بألم مضاعف ؛لأن حدثا غير متوقع أخبر نفسه بالحدث…

يومية الشارع تسجل أحداثه ذاكرةُ النص :

 

مطلع موجع رغم انسيابه العادي؛ مطلع يبدأ من شفافية النافذة؛

وزجاجها عينُ الشاعرة النافذة….

تتحرك كاميرا العين لتراقب حركة الشارع…

الزمن ميت حين تلحظ بائع اللبن /على:

القهوة /لاالمقهى…

هذا الإبْدال اللغوي من مدلول ثقافي مواضعاتي؛ إلى مدلول مستعمل:

تدخين الشيشة /هو تقريب الصورة، تدخلنا الحدث /تشد انتباهنا إلى الواقعة، التي ستسجلها علاقة بائع اللبن بالجارة…

يدخن يحرق الزمن زمن القهر ولقمة العيش وأشياء أخرى….

تتبع كاميرا سمر لعبة الأصابع..

عينها تنفذ إلى عمق الشخص /

بائع اللبن

يعد الأصابع وهي إشارة ذكية من الشاعرة إلى الفراغ وضيق العيش…

هل هو القلق من افتضاح أمره بين الجيران… ؟

هل يعدُّ النقود…؟

هل يعُدّ عدد مرات اللقاء التي تحقق بينه والمرأة الجارة…؟

هل يعدُّ ساعات انتظاره وهو يُفَوِّت فرص الحياة ببيع اللبن…؟

هل سيُعوضه لقاؤها ثمن اللبن وتغطية احتياجاته المعيشية… ؟

ألا تدخل علاقته بها ضمن احتياجاته… ؟

رصدٌ قد أُخطِئ تأويلَ وقائعه…

هل صارت خليلته تُقايضُ اللبن بجسدها… ؟

“إن بعض الظن إثم”

لكنه الشيطان؛ و”الشيطان يسكن التفاصيل” …

أليست القراءة شيطانا يفضح المستور…. ؟

خاصة حين أشارت إلى لحس الكفين هل هو ترجمة الإعتراف بالرضى والشبع…. ؟

أي إشباع…؟

كلاهما إشباع بيولوجي…

خاصة ياسمر أنك ركزتِ على:

“حصالة صدرها”

هل الحصالة أم الحمّالة… ؟

واكتملت التهمة في المقطع نفسه حين أكدت رؤيتها :

“لم يعد يصب لها اللبن في الإناء، ويعد أصابعه”

ونعرف صورة عد الأصابع كناية على أنه رجل من العامة لايتمتع بقدر من التمدرس…

وتتضح الصورة نهاية التساؤل المُبيَّتِ في صيغة سؤال ماكر مكرا شعريا :

“هل كانت جارتي تشرب أصابعه بدلا من اللبن..؟!”

تنتهي بسؤالها محاطا بعلامتي تعجب واستفهام؛ دلالة أنها مثلي وضعت افتراضات تريد الوصول إلى نتيجة متوقعة؛ ليكون شكُّها منهجيا يتضمن السؤالُ جوابَه…

أليست الحكاية فيها : “إنَّ”… ؟

 

وتنتهي نهاية نجيب عنها بتوقعات وتنبؤات عن علاقة اللبان بالجارة..

وكأنها فتحت ملف الجارة، لتغلقه على تعليق وضعية الرجل والمرأة،

من خلال حدث اللبن..

وللبن دلالات سياقية قد تحيلني إلى عدة رسائل تتجاوز اللبن الذي نبتاعه؛ إلى ماوراء ظاهرة اللبن؛ والإناء؛ وحمالة الصدر؛ حصالته أقصد…

مقطع أنهت سيجارته الأولى ، لتشعل سيجارة أخرى…

كم سيجارة تستلزمها جلسة مراقبة وتسجيل الأحداث… ؟

 

السيجارة الثانية/

المقطع الثاني /

(ملف الأم) :

 

كيف ستحرقها سمر الشاعرة من خلال عين القارئة المتأملة لفعل التدخين، كدلالة على احتراق وإحراق لوضعية بقيت عالقة في

النص _ذهن الشاعرة… ؟

عملية الإنتقال عبر السيجارة من نفس المكان وبنفس العين،

هل ستعتمد نفس الزاوية… ؟

سيجارة الأم / لحظة الإنتقال من واقع امرأة جارة إلى وضع امرأة قريبة جدا، بالوراثة أمومة وبنوة تقاطع، يفترض تواؤُما أو تنافُرا حدَّ القطيعة، فماذا فعلتِ ياسمر بأمِّك..؟

فتحتِ ملفات أخطرُها هذا الملف، فماذا حمل ملف الأم..؟

وصف يبدو اعتياديا دلّت عليه لفظة:

“عندما تزورني أمي كل جمعة”

وصف دقيق لزيارة مراقبة واختبار لنتائج تربية ابنة، ليست ك باقي البنات…

نحن في المغرب نقول في مثل شعبي شهير :

“كْفِي الْبَرْمَةْ على فَمْهَا ؛تِجِي البنتْ تشْبَهْ امّْهَا”

ونقصد لغويا أن نقلب الطنجرة وستكون البنت شبيهةأمها، في المهارات المنزلية، وإن حمل تشييئا للمرأة بوصفها وعاء من أوعية المطبخ، ليس مهما الآن تفكيك شفرته المهم أنه يعني :

أن كل بنت تعيد إنتاج نموذج أمها في المنزل؛

لا في التفكير؛ كآلة مبرمجة على متطلبات البيت فقط، من خلال عملية التنشئة الإجتماعية بلغة”دوركهايم” تمثلت في كون الأم تفْحص أسبوعيا الأشغال المتوارثة بالعادة لابالفطرة، علما أنه لا توجد امرأة وُلِدت، بيدها مكنسة وغسالة ثياب وطنجرة ضغط، إنما نتعلمها من الأمهات….

إرثنا التاريخي / وبؤسنا

نتعلم واجبات البيت/ واجبات الزوج/ الطعام البيولوجي بشقية الطعام لإشباع حاجة الجوع والجوع الجنسي، وتفريخ السلف الصالح،

على أساس قاعدة متأصلة في اللاوعي الذكوري والحريمي، هو أن تكون المرأة موضوعا لإشباع حاجيات الزوج ليس لجسدها حقوق عليها، بل إن الجسد الأنثوي وسيلة لخدمة الزوج كواجب: قانوني/شرعي/عرفي /يتواطأُ عليه المجتمع الذي يعتبر القوامة الجسدية؛ والإقتصادية؛ خصوصية رجالية؛ لادخل للمرأة فيها ولو كُنَّ مُعيلاتٍ مركزيات للأسرة…

إنها تقدم صورة المرأة كخادمة بيتية وخادمة سرير…

و الأخطر أنها تَطْمئِن للعلامة الزرقاء على رقبة البنت، كدليل على التفوق الجسدي للرجل، وكأنها ترمز بنيَّة مُبطَّنةٍ إلى مايشبه العنف الزوجي؛ وربما الإغتصاب الزوجي؛ على أساس موقف التطبيع معه لارفضه …

تلك الرسالة اللَّامفكَّر فيها بلغة (فوكو)…

والإناء دلالة على مكامن الرغبة التي تجعلها، لاتعوض الزوج بعابر سبيل لاتعرف دوافعه…

مفارقة عجيبة منحت النص مفتاحه؛ بنقلة من المرأة المُدجَّنة، بفعل إشراطات قيمية مسبقة متجذرة في اللاوعي الجمعي،إلى المرأة الضد التدجين ؛إنها المرأة الأخرى المبطنة في المقطع، إنها الأصابع التي تكتب ولاتشرب أصابع الرجال…

 

لكن الإشكال هنا:

(ملف سمر لاشين) نموذج المرأة المتحررة والمنتقدة للنموذجين السابقين…

 

لماذا تكتَّمت على أصابعها التي تبدع شعرا؛ مستغنية عن أصابع الرجال… ؟

للرجال أصابعهم /

للنساء أصابعهن /

تصل حد أن الكتابة بوعي امرأة بمواصفات الثقافة، تؤدي أن تقطع رأسها الأم في إشارة إلى ضغط القيم الذكورية ،التي تحملها النساء ليس لأنهن الأمهات حاملات ثقافة تقليدية ماضوية ،بل حتى المحسوبات على الثقافة والتعليم،ينظرن إلى المرأة ككائن لايفترض فيه امتلاك رأس مستقل يفكر ويقرر،

تستمر السجائر في الإحتراق ويستمر الزمن يحترق أيضا، حين تأتي ثالث لحظة…

 

السيجارة الثالثة /

المقطع الثالث /

(ملف ضد الأم) :

 

تحسم فيه الشاعرة علاقتها بالأم، ليست الأم هنا هي الأم المباشرة إنها الثقافة /الأمومة المذكرة التي تحمي القيم التي يدافع عنها الرجال، كأنما النساء مجرد محمية جنسية خاصة بهم؛ ولاحقَّ لأية واحدة أن تخرج عن القطيع….

في هذه السيجارة المفترضة أحرقت الشاعرة تاريخا، لم يعترف بالحرية والاستقلالية للمرأة،

ضد الولاية والوصاية، وسياسة العورة وجرائم الشرف، لأن المرأة شرف الرجل؛ وكأنها لاتملك شرفا خاصا بها ،ولاجسدا تملكه دون تدخل من الآخر، الآخر العائلة والمجتمع…..

في هذه اللحظة أحرقت ثقافة الحرملك وأسست لثقافة المساواة مؤكدة على أن أمها :

“لاتعرف عنها شيئا ”

حروب خاضتها ضد الثقافة الأم وقوضت أسس الثقافة، التي جعلت المرأة فاقدة لأهليتها الذاتية والإقتصادية، والسياسية والثقافية،

لتؤكد أنها ربحت الحروب، كوجود مستقل بذاته، لا بغيره ولغيره، ضد هذا الفكر الذي أفقدها شخصيتها الفعلية…

وتنتهي السيجارة الأخيرة بقرار مشرف لكن عبر حدث مؤلم إنه موت عناية جابر…

 

السيجارة الرابعة /

المقطع الرابع/

(ملف عناية جابر) :

 

ترسم المقطع بمأساوية معبرة…

توظيف شخصية امرأة بحجم عناية كمثقفة، تعلن ان لاعلاقة للأم بهذه ال عناية، لأنها لاتنتمي لعالم تمثله الأم بكل ثقل مفاهيم العقلية الذكورية،

وتنهي دراما الحدث بتشبيه جميل “العصافير”

تذكرت فيلما رائعا :

“LES OISEAUX SE CACHE POUR MOURIR ”

 

لأن توظيف العصافير له دلالة الحرية والتحليق، والموت بعيدا، أو موتها وهي تغني، كما يفعل طائر “التَّمِّ”، يشدو شدوه الأخير عندما يحس بنهايته، يموت وحيدا هكذا فعلت عناية…

تتمثل الحدث بتماهٍ عميق

أكدته :

“أظن أني سأموت مثلها ياأمي… ”

نهاية مفجعة استلهمتها الشاعرة تطرح عدة تساؤلات…

هكذا كان النص منذ عتبته اللاعنوان إلى قفلته :

“أنني سأموت مثلها.”..

إنه يوم يدخن :

سيجارته/سجائره /وقائعه /بألم مضاعف؛ لأن حدثا غير متوقع أخبر نفسه بالحدث…

 

فهل يمثل النص تأبينا للصديقة المثقفة؟

هل هو نعي لوضع امرأة عاشت بعيدة وماتت وحيدة، عكَس وضعُها خوفا لدى الشاعرة، تنهيه بموقف لاأقول غريبا لكنه موقف ،يدل على تجاذب روحاني ،تمظهر بهذا الأمل عبرت عنه قفلة النص :

“لكن شيئا في ملامحها يخبرني أننا في حياة ثانية سنكون صديقتين مقربتين”

أية حياة تعنيها في النص الشاعرة سمر… ؟

قفلة مفتوحة على سؤال :

هل تقصد الصديقة..؟

أم تقصد الأم… ؟

أم هو استيهام ولدته لحظة الحزن نتيجة هذا الرحيل المفاجئ… ؟

النص اعتمد في انتقاله من مقطع لآخر حالة نساء عبرن حياة سمر لاشين ،

الجارة والأم وعناية جابر وسمر

أربعة نساء /

أربع حالات/

أربع ملفات /

لكل منها وضع خاص

1_وضع الجارة في علاقة مع اللبان…/

2_وضع الأم في علاقتها بالابنة…/

3_وضع الإبنة مع الأم… /

4 _ وضع الشاعرة كمثقفة من خلال :

أ علاقتها مع ذاتها أولا/

ب علاقتها مع الآخر المرأة المثقفة/…

كان الموت تيمة تداعت منها أربع نساء…

يقدم النص لنا المرأة؛ التي تمثل نموذج المرأة في المجتمع والثقافة العربية…

وضع المرأة كما تحددها قيمنا وترجمتها عبر :

الوراثة البيولوجية_ الأمومة،

وتوريث ذاكرة المرأة النموذج الذي لايمكن أن تتحرر منه المرأة الحديثة؛ نموذج يصارع نموذج المرأة التقليدية في تبعيتها، لقالب مُنمَّط نمْذجَتْه الأعراف والثقافة، والدين والتقاليد والقوانين، كنموذج تشكَّل في ظل بنية ذكورية ،تعترف بتراتبية الجنس ،على أساس أولوية النموذج الذكوري، وعقلية ذكورية تستبطن ثقافة الوصاية، ليكون نموذج المثقفة نموذجا ضد النموذج المتوارث…

ولكن استحضرته في دلالة الموت…

فهل هي نهاية تلمح لنا الشاعرة بموت المرأة المتحررة..؟

انطلاقا من استقراء واقع المرأة العربية ،في ظل الوضع الراهن، الذي تصَدَّره فكرٌ ذكوري يعتبر المرأة مجرد تابع لايملك استقلالَه الذاتي، وحريتَه الإجتماعية ولو أنه النموذج الرُّؤيوي ل (سمر) اي نموذج المرأة التي مازالت تحارب إكراهات تاريخية، فرضتها الأبوية التاريخية، حين دجّنت وعيا نسائيا ،لكن إشارة ذكية أخرى تؤكد أنها سمر محاربة جادة، وهو ماقالته في استحضار صورة الأم وهي تحاول التأكد من أن شخصية الإبنة، ينبغي أن تكون داخل الشخصية الأصلية الأم…

“ببنما هناك حروب أخرى تخصني وحدي

لاتعرف عنها شيئا

وقد ربحتها كلها”

مفارقة رائعة سجلت نوعية المثقفة وهي تواجه نموذجا. مُعدًّا سلفا، لتخرج من قالبه وتتحررَ منه فهل ستنجح.. ؟

سؤال للتاريخ…

وليس سؤالا مُعلقا في أبراج الميتافيزيقا…

لهذا اعتبرت النص تأويلا جميلا لوعي امرأة من خلال موت امرأة، إنه موت وحياة المرأة المتحررة….

فشكرااا سمر قدمت بصياغة شعرية واقعا لاشعريا ،لوضعية معقدة مازلنا نواجه إكراهاتها وعُنفها بوعي نسائي، يدافع عن المساواة في عالمنا الأرضي…

نحتاج إلى ذائقة تقارب هذه النصوص القوية التي تستند إلى مرجعية نسائية متحررة، بوعي ثقافي تجسده خطابات إبداعية، تسجل بصمة امرأة لاتشبه إلا سمر..

نص مغاير من حيث تيمته :

 

1 (المرأة بين الموت والحياة)…

2 من حيث انتقاء أربع شخصيات نسائية يخترقها رجل لا قيمة له ثقافيا /دون أن أعني أنه لايملك قيمة اجتماعية، بحكم الموروث الحضاري لمجتمعاتنات المغلقة…

3 اللَّاعَنْونة لها دلالة…

4 البداية بالسيجارة لها دلالة سيميائية

من حيث الصياغة اللغوية :

1الذات منطوق النص

من خلالها تم استنطاق الذوات المرافقة…

2التوصيف السلس لكل شخصية…

كلها نقط قوة النص…

وتماثلات لغوية تمت من خلال لغة الذات، بواسطة تقنية الحضور،

سمر الأنا الناطقة المرسِلة لخطاب… والغياب لغويا لاواحد تحدث حواريا لكنه تكلم من خلال الشاعرة…

نص عميق…

.

أدخنُ سيجارتي

وأنظرُ من نافذتي باتجاه الشّارع

تقع عيني على بائع اللبن جالسًا على القهوة يدخن

أنظر إلى أصابعه التي تمسك الشِّيشة

إنها كاملة؛

فلماذا إذن كان يعدُّ أصابعه بدلًا من النقود؛

عندما أعطى لجارتي حفنة من اللّبن، تشربها كلها وتلحس باطن كفيه؟

ولماذا بعد أن أعطته نقودًا من حصالة صدرها

لم يَعُد يصب لها اللبن في الإناء،

ويَعدُّ أصابعه، بعد كل مرة، ويكرر العدّ؛ تحسبًا لعدم الخطأ

هل كانت جارتي تشرب أصابعه بدلًا من اللبن؟!

 

//

 

عندما تزورني أمي كلّ جمعة

تفتحُ مطبخي وثلاجتي؛ لتتأكد من مخزون الطعام لديَّ

وتراجع معي عدد الزيارات التي قمتُ بها لأقارب زوجي

ويعجبها أن صوتي لم يطلع عندما تشاجر معي زوجي؛

بسبب الملح الزائد في الطعام والعلاقة الحميمية.

ولا يهدأ لها بال حتى تقع عيناها على

العلامة الزرقاء في رقبتي

تطمئن أني مازلتُ أشرب اللبن من الإناء

وأمسك النقود في يدي

ولا حصالة في صدري كمعظم النساء، اللاتي يشربن

أصابع الرّجال

ولم أخبرها طبعًا أني أكتب الشّعر

كانت ستقطع رأسي.

 

أمي في كل مرة “تبوس” رأسي

على الحروب التي خسرتها حتى أكون زوجة صالحة ومطيعة.

بينما هناك حروب أخرى تخصني وحدي

لا تعرف عنها شيئًا

وقد ربحتها كلها.

 

كنت أريد أن أخبرها في آخر مرة

عن موت “عناية جابر”

لكنها لا تعرفها مثلي.

ماتت عناية جابر. عرفت ذلك من أصدقائي

ماتت كما تموت العصافير

فوق عشها البعيد، ماتت وحيدة وهادئة

أظن أني سأموت مثلها يا أمي.

لكن شيئًا ما في ملامحها يخبرني

أننا في حياة ثانية سنكون صديقتين مقربتين جدًّا.

 

سمر لاشين

عن Joody atasii

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

(حينَ عشِقْتُ روحَكَ… / بقلم: سلوى الغانم

كان لي مع عينيك رحلةً طويلة حكاية خيال.. ومُزُنِ حُبٍّ.. لا أرتوي ...

عاشقتي… /بقلم: سلمان إبراهيم الخليل

مدي ذراعيك وعانقي احلامي يشدني الحنين في غربتي يغوص في شغف أيامي ...

يثقلني الهدوء…/ بقلم: فوزية اوزدمير

تقتحمني حمى الليل برعونتها السردية غير المتأججة ، بعينين لامعتين حانقتين ، ...

عيناكَ… / بقلم: راميار سلمان

عَيْنَاكَ أمطار صَيْفِيَّة تراتيل عشق صوفية وَ دهشة قبلة هَارِبةٌ مِن لهفة ...

قبيل انسدال الستار/ بقلم: أنور يسر

لأحكي من السرد كل الرواية قبيل انسدال الستار ضعوا في جيوب (الأنا) ...

سأمقت كل اجزائي/ بقلم:سهام الباري

  سأمقتُ كلّ أجزائي وأدفنُ ذلك الجوهر وأنقشُ ريشتي السودا لتطمس عيده ...

يا حبيبتي../ بقلم : محمود صالح

أثِقُ بالقصيدةِ عندما تُلقي برأسِها المُجْهَدِ على صدرِك لدَيها من الوفاءِ .. ...

أجنحة اليقين / بقلم: رشا فاروق

على ثوب الليل حفرت آهتي كانت الريح تحمل وحدتي قصيدة تتلوها العواصف ...

واحة الفكر Mêrga raman