الرئيسية / قصة / أغدًا ألقاك…/ بقلم: عنان محروس

أغدًا ألقاك…/ بقلم: عنان محروس

أغدًا ألقاك…/ بقلم: عنان محروس

(قصة قصيرة)

ــــــــــــــــــ

 

فَتَحتْ النافذة بهدوء، الهواء ربيعي منعش يُكلّله المساء بعبقِ السكون، والسماء صافية، تختال فيها النجوم كأحجية في محراب ناسك.

القمر ليلةَ اكتمالهِ، وكأنه تسبيحة خاشعة في قلب عاشق متعبد.

الليلُ، أسدلَ ستار العتمة في شموخ، ليخفي وجع البشرية المصلوب على قارعة طريق معبّد بالوجع.

لا يخترق هدوء الليل إلا أغنية جميلة، تنبعث من البيت المجاور،

” أغداً ألقاك، يا خوف فؤادي من غدي ”.

اقتربت من حافة النافذة، وأصغت أكثر للنغمات المنبعثة، أغمضت عينيها وتمايلت بخفةٍ، كراقصة بحيرة البجع، وقد تكون ابتكرت رقصة جديدة تخصها وحدها.

فجأة انتابتها رعشة المحموم، نظرت إلى مرآتها، لمحت عينيها ممتلئتين بدموعٍ لم تنهمر بعد.

وجهها الموناليزا، لوحة من فن وجمال وحزن، حزن الفراق، ولوعة البعد.

يصيبها الشوقُ له في مقتل.

مضت سنتان، لم تره، ولم تتنفس عطره، ولم تلمس بشرته السمراء المفتونة بها.

الحرمان قتل فيها الفرح، ترددت قليلًا، ثمّ أمسكت هاتفها المحمول وأرسلت لهُ:

على أوتارِ شراييني أرقص معك…

مع كل نغمة حب، مع كل لحن، أتمايلُ بثوبِ زفافٍ أبيض، وأضواء ساطعة ونور  يمحو ظلام خوفي وحيرتي، ويقضي على انهزامي للأبد.

سأقتل بكل تمايلٍ فكرة، وألغي بكل خطوةٍ تردد، فتخيل كم لحنًا سمعت خلال عامين، وكم مرةً زففتُ إليك؟

 

وصلته الرسالة وهو ينحت آماله على شرفةِ الحلم المستحيل، ويخلق ألوانًا غريبة صعبة في زمن الأسود والأبيض،وكأن غيتاره بدأ يُلملم أشلاء ظلهِ المتكسر، فيسقط يمينه عن شماله ويُغني الوتر لحنًا منقوصًا، ترقص عليه أطياف مجهولة،وأشباحٌ مرعبة.

هو أيضاً يشتاقها أكثر، وحزنه وإن صمتَ كل ذاك الزمن وأخرس لسانه، إلا أنه يرافقهُ كما يرافق الدم الأوردة.

رد عليها بشوق، وبكل عزم وتصميم وثقة:

سآتي غداً، انتظريني، لم أعد أطيق الصبر أكثر، لن تعيقني الحدود المغلقة، ولا البراميل المفخخة، والأوضاع التي أنتظرها منذ دهرين لتهدأ، عبث ومضيعة للوقت والعمر،

فلن أنتظر أكثر، سينتصر حبنا، سأكون معكِ ولكِ غداً، أوليس الغدُ بقريب؟

 

أسرعت السعادة تخترق حروف رسالتهِ، لتحلّق نحوها بأجنحة قوية قد تكون مخالب صقرٍ جارح.

اتجهت إلى خزانتها تطمئن على فستانها الأبيض المعلق،ناصع كاللؤلؤ، يقف بكبرياء،ينتظرها لترتديهِ.

استسلمت للنوم…

أغمضت عينيها المتعبتين، وهي تهشُ غمام اليأسِ عن كتفِ الأمل، وتنحر كبشَ الحزن على قارعة الفرح،

تنتظر الغد بلهفةِ العمر الذي مضى والذي سيأتي.

في صباح اليوم التالي، على قناة مشؤومة، خبر عاجل:

مقتل شاب ثلاثيني، وهو يعبر الحدود المغلقة، على يد قناص مجهول الهوية والانتماء.

عنان محروس، قاصة وروائية

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman