الرئيسية / مقالات / هل أصبحنا مصابين بمرض الإسقاط النفسي؟ / بقلم: جوتيار تمر

هل أصبحنا مصابين بمرض الإسقاط النفسي؟ / بقلم: جوتيار تمر

هل أصبحنا مصابين بمرض الإسقاط النفسي؟

بقلم: جوتيار تمر/ كوردستان

13/1/2022

ـــــــــــــــ

ما الذي يدفعنا دائماً إلى إلقاء اللوم على غيرنا حين تتحول طموحاتنا إلى هزائم ليس في واقعنا فحسب، أنما في ذواتنا، وحتى في أحلامنا..؟ ، هل يتحكم بنا الإسقاط النفسي أم نحن من نتحكم به ونوظفه لأغراضنا التي نسعى لتحقيقها ولو على حساب قضايانا المصيرية..؟ ، وبالطبع لا نعني بالإسقاط هنا إسقاط المنافس السياسي أو تسقيطه كما يقول قاسم حسين صالح، كما لا نعني به الخطأ في الحساب والقول، أو: زَلَ ، اخطأ، وتحير ، والسقيط يعني الناقص العقل، كما في القاموس المحيط، وما نقصد به من الإسقاط هو من المنظور السيكولوجي باعتباره فعل لاإرادي يقوم من خلاله الشخص بنسب أفكاره أو انفعالاته لآخر أو آخرين لاسيما السلبية منها أو غير المرغوب فيها أو التي تسبب له التوتر ( السياسيون وسيكولوجيا الإسقاط)، وتاريخياً ينسب إلى علي بن أبي طالب قوله : ” إن الفتى من يقول ها أنا ذا  – ليس الفتى من يقول كان أبي ” (ينظر: ابن زكري الفاسي الفوائد المتبعة في العوائد المبتدعة)، وكأن مقولته تلك أسقطها الساسة بشكل معكوس، بحيث لا إراديا اصبحوا يتغنون بتاريخهم السابق ويسيقون أفعالهم الحالية وفق نظرية الحق الإلهي، باعتبارهم أصحاب  – كان أبي – ، فكل الأخطاء والزلات ليست لها أهمية، لأنها سقطة لأن ليس هناك من لا يخطأ، ولكن ادعاء أن تلك السقطات سببها آخرين، ذلك من صميم الفعل الإسقاطي النفسي القائم على إلصاق الفشل بالغير، وقيل قديماً ” قد يفشل المرء كثيراً في عمله ولكن لا يجب اعتباره فاشلاً إلا إذا بدأ يُلقي اللوم على غيره..”، وبالتمعن في واقعنا على جميع الأصعدة السياسية والشعبية والاقتصادية والإعلامية، سنجد مدى انغماس شعوبنا بكل تلك الشرائح في الفعل الإسقاطي، بحيث نراهم تجاوزا حدود التبرير أي بمعنى الكذب الصريح  على الذات، إلى قمة الإسقاط النفسي، دفاعاً عن ذواتهم المنغمسة في المصلحوية الشخصية والحزبية والطائفية الدينية والقومية.

لقد أجاد علماء النفس في الوقوف على طبيعة الإسقاط النفسي وأعراضه، وبينوا بشكل واضح  وصريح كيف يحدث الإسقاط النفسي  فذهبوا إلى أنه يحدث في اللاشعور بشكل بحت، حيث يجد الشخص نفسه يتصرف آلياً دون أن يفكر أو يشعر، فيهاجم من حوله ويلصق عيوبه ونقائصه بهم رغبة في حماية نفسه من أن يتهم بهذه العيوب – يرى فشل الآخرين ويجهر به على الملأ ولكنه لا ينظر إلى فشله الشخصي، الجماعي -، ويعتمد دائماً على لوم الآخرين على الأشياء التي فشل أن يفعلها، ويوقع عليهم التهم، بأنهم هم من عرقلوا طريقه في الوصول لها، وأنهم هم من أوقعوه في تلك الأخطاء، وفي الوقت نفسه يحاول هذا الشخص أن يقول بأن شخص ما يكرهه، على الرغم من كراهيته هو لذلك الشخص – كما نرى في فعل الغوغائية الفوضوية الإعلامية التي تستغل سخط الناس على الحكومات في الأزمات فتعمل على إثارة النعرات والاتهامات من خلال انتقاء بعض الأشخاص الساخطين لينتقدوا الحكومات ليس للإصلاح أنما فقط لبث الفوضى -، وذلك بغرض إخفاء مشاعره الدفينة تجاه الغير، مما يخفف من شعوره بالذنب، ولعل من قارئ يرى أن تلك الأفعال هي تبريرية في الواقع، ولكن الحقيقة أن التبرير يختلف عن الإسقاط النفسي ،ونحن حين نقرر مفهوم وطبيعة الإسقاط النفسي، فإننا وبحسب علماء النفس نرى الإسقاط يكون سلاح يتخذه الفاشل المهزوم  دفاعاً عن النفس، وينتج عنه شعور كبير بالذنب حتى يصل للهلوسة والهذيان، أما التبرير فانه حالة من كذب الشخص على ذاته، حتى يستطيع تحمل خطأه.

ومن خلال ذلك المنطق يمكن النظر إلى آليات الدفاع التي تنتهجها جميع الشرائح داخل مجتمعاتنا، وكيفية تعاملهم مع الحقائق، التي خرجت من دوائر التبرير – الكذب على الذات – إلى دوائر أوسع دفاعية تحاول أن تُلقي باللوم دائماً على مجهول خفي جبار مُتحكم ومُسبب لكل صور فشله، بعيداً حتى عن المنطق السياسي الذي قد يُقدم شخص واعي على ربط العوائق بالمصالح التي تنتهجها المنظومات الدولية وكيفية الانسياق ضمن مساراتها، أو الابتعاد عنها فتكون درجة العوائق هنا متعلقة بالأثار التي تحدث حين تسير وفق المسار أو خلافه، لأن الأصل في الإسقاط النفسي الموجود في غالبية مجتمعاتنا هي ناجمة من خضوع السلطة السياسية بالدرجة الأساس لموجبات الفشل غير المتعلقة والصادرة عن القوة الذاتية، وذلك لان الفرد السياسي لم يدخل في صميم العملية السياسية من باب سعيه التدريجي، أو وعيه التدريجي التطوري، ولكنه وجد نفسه سياسياً فاراد أن يمنطق وجوده وفق ألآلية التي ينتهجها الساسة، فكان الفشل ذريعاً في كل الخطوات، كما أن الفشل كان مدمراً على جميع الأصعدة، فالبنية الاجتماعية أصابها التفكك وشرخ كبير، فاصبح كل الأفراد ساسة ويُقَيّمون الحكومات وفق نظرياتهم الخاصة المبنية على القوت وتوفير القوت بعيداً عن المُحكَمات الأخرى للسياسة، من فهم وادراك واقعي لتبعيات وجود الحكومات وبرتوكولاتها وواجباتها وحقوقها ضمن اطار تكاملي، ناهيك عن الخضوع لتيارات المعارضة التي تستغل الأزمات والفوضى السياسية في الغالب وتحاول إلقاء لوم الفشل – فشلها – في تحقيق ذاتها على الحكومات واتهامها بالعمالة لأجندات خارجية إقليمية ودولية، أو اتهامها بأنها لا تصلح لقيادة الأمة، لكونها لا تستطيع أن تدافع عن سيادة الوطن أمام تحديات وانتهاكات الآخرين لاسيما الدول الإقليمية التي تسعى دائما لنقل جبهاتها داخل حدود الآخرين، لتقدم لنفسها كذباً تبرير خرقها للقوانين الدولية وانتهاكها لسيادة الآخرين سواء باقتحام حدودها أو التدخل في سياستها، كل ذلك يخلق شرخاً اجتماعياً واضحاً في بنية المجتمعات، وتزداد الهوة بين المنطق والعقلانية وبين الفوضى الواهمة التي تتبناها الغوغائية الفوضوية،  أما البنية الاقتصادية فهي تجميلية ظاهرية إعلامية وفي جوهرها ديون وخضوع تام للااستقرار – فقدان الأمني الغذائي -، وبروز طبقة أرستقراطية متحكمة بمصادر الأموال، ومتحكمة في آليات العمران الداخلي غير المنظم العشوائي – البناء العشوائي – الذي دائماً يتسبب بأزمات حقيقية للمجتمعات كما انه في المستقبل القريب لن يكون إلا فوضى أخرى حتمية، وكلما اتسعت الهوة بين طبقات المجتمع اقتصادياً كلما كانت خضوع الناس للإسقاط النفسي اسهل واكثر تأثيراً وتأثراً، فإلقاء اللوم يتجه دائماً نحو الحكومات التي لا تستطيع أن تحقق مطاليب الشعوب بسبب الأزمات الخارجية التي تؤثر فيها، وبسبب انتشار الفوضى داخلياً،  أما البنية الإعلامية  فهي في الأصل غوغائية فوضوية تعيش على مخلفات وفتات الأزمات والأعمال الفاشلة للساسة، على الرغم من كون أصحاب نظرية الإعلام تلك هم في الأصل فاشلين قولاً وفعلاً وليس لهم أي  برنامج إصلاحي شمولي، سوى معاداة الأحزاب المنافسة والأشخاص ضمن صورة اقل ما يقال عنها أنها عداءات شخصية، لأنه هؤلاء لم يمروا بمراحل السعي والفشل ومن ثم السعي والنجاح، بل ظهروا فجأة ودخلوا المعترك السياسي وهم يمتلكون قوة اقتصادية مادية إعلامية كبيرة، هدفهم الأساسي إثارة الفوضى، ولا يُعرف عنهم مرورهم بمراحل وتجارب سياسية سابقة ليتعلموا من تجربتهم وفشلهم السابق، لذا نجدهم يبنون صرحهم فوق فتات فشل الآخرين، ومُخلفات الفوضى الناجمة من الأزمات، فاصبحوا  كما يقول عبدالله الجعيثن في مقال له ” الفاشل من يُلقي فشله على غيره”، أن القوة الذاتية في الإنسان تتراكم عبر تعلمه من أخطائه وفشله في بعض المراحل، ولا يمكن أن توجد قوة ذاتية في إنسان لم يفشل ابدأ، لأن الذي لم يفشل ابدأ لم يعمل عملاً حقيقياً ابدأ – كتلك الفئات الاقتصادية التي تحولت إلى أحزاب سياسية مدعومة بالمال والإعلام، حيث نجد أساس وجودها قائم على تنفيذ ما يُؤمرون به بشكل حرفي، وهم دقيقون في التنفيذ ولكنهم غير ممتلئين من الداخل ولا محصنين ضد مختلف المواقف والتغيرات والتحديات لأنهم لم يمروا بها من قبل ولم يواجهوهها ويعالجوها فيفشلون في ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثاً وينجحون عشرات المرات، وقد بنوا نجاحهم على دروس فشلهم، وكسبوا في داخلهم الإحاطة بجميع المحاذير والظروف، والمحاذير هي أهم ما يواجه أصحاب القرار، فإن كل قرار قوي له وجه براق إذا لم ننظر إلى محاذيره، وهؤلاء قراراتهم براقة ولكنهم لا يملكون أية مقومات لحل الأزمات التي سبب قوتهم، ووجودهم منوط بتنفيذ ما يُطلب منهم، ونجدهم دائماً في جانب المعارضة التي تُلقي باللوم على الآخرين، وتُرجع أسباب فشلهم سواء كأفراد أو مجموعات – فشلهم الذاتي – وفشل المنظومة التي يعمل تحت سقفها إلى أشخاص آخرين أو جماعات أخرى.

وعلى ضوء ذلك فان المحاذير أو الموجبات التي نراها ونتعايش معها قسراً هي في الأصل مخلفات اللاوعي واللاشعور العدائي القائم لتلك الشرائح داخل مجتمعاتنا والتي تحاول إلقاء اللوم على غيرهم في كل الأزمات التي نعيشها، في حين أن الواقع والتاريخ والحقيقة تؤكد بأن الكل مساهم وبنفس الدرجة في مسببات الفشل ، وبالتالي فإن الحتميات الناجمة من ذلك والتي قلما ندركها هي أن الإسقاط بوصفه آلية حتمية من آليات الصراع، يفضي إذا تَحكّم إلى الانتقام، والمُفضي بدوره إلى المشاحنات العنيفة على صعيد العلاقات الاجتماعية، فكيف اذا كان على صعيد الصراع السياسي ( قاسم حسين صالح، السياسيون )،  وبالتالي فإن تفشي مشكلة الإسقاط تؤدي إلى عدوان مادي في صورة جرائم، فالمواطن الذي يحمل مشاعر عدوانية نحو قياداته قد يسقط تلك المشاعر من خلال القيام بأعمال فوضوية، تخريبية، دعائية  هدامة، ويهاجمهم في كل الأحوال والأماكن مستغلاً كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من اجل إيذائهم، وهكذا تدفع تلك الحيلة النفسية لخلق مجموعات تحاول أن تنسب فشلها في واقعها إلى الحكومات، فتتعامل معها على ذلك الأساس، ومن ثم يقومون بارتكاب جرائم فعلية، على ارض الواقع، فتزيد الفوضى فوضى، واللا استقر .

وذلك ما يحتم علينا أن نقف على جوهر بعض المفاهيم التي اصبحنا نوظفها لغير أغراضها، حتى اصبحنا بمنظور علماء الاجتماع والنفس مرضى حقيقيين، مما يعني ضرورة إخضاع ذواتنا للتجربة والسعي ومن ثم الأخذ بالمعايير التي من خلالها نُطلق الإحكام على الآخرين وفق منظورنا الشخصي، وأن نحاول تَقييمها بمنظور اكثر حيادي علمي، فمن منا ليس مصاباً بداء الإنكار والتشكيك بكل ما حولنا، ومن منا ليس مصاباً بمعضلة التشويه وبعبارة أدق تغيير واقع المواقف حتى تتناسب نظرتنا وحاجتنا، ومن منا ليس مصاباً بالعدوانية تجاه أي شيء ليس من مصلحتنا الشخصية، ثم آليات القمع ليست دائماً هي استخدام القوة والعسكر، أنما تتضمن بالدرجة الأساس التستر ومنع المشاعر والعواطف، فبدلاً من التصالح معها والاعتراف بها، يتم معاداتها وكبتها، لتتحول إلى قوة هدم ذاتية اجتماعية، فضلاً عن حالة التفكك النفسي، كل ذلك موسوم بها جباهُنا، ومتفشي في دواخلنا، ومن خلالها نحاول نحن المرضى أن نُقَيم الواقع، فتأتي تقييماتنا سلبية دائماً، وكأن المجتمع بكل تفصيلاته جامد غير متحرك، بل الأسوأ انه يتراجع للخلف دوماً ولا يتطور وليس له أية برمجة مستقبلية، فتكثر التساؤلات فينا، وتختفي الإجابات وحتى إن وجدت فإنها لا تتلاءم مع مرضنا النفسي، فتظهر لدينا حالة عدم الرضا الدائمة، وإلقاء اللوم على غيرنا، وكأن بؤرة فشلنا ليست منا، أنما من غيرنا.

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman