الرئيسية / مقالات / لاوعي الشعوب، طريق تسلط الحكومات / بقلم: جوتيار تمر

لاوعي الشعوب، طريق تسلط الحكومات / بقلم: جوتيار تمر

 لاوعي الشعوب طريق تسلط الحكومات

بقلم: جوتيار تمر / كوردستان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

يرى فرويد أن اللاشعور أو اللاوعي هو جميع ما تكبته النفس، حيث أن اللاشعور يعتبر من وجهة نظره واقعاً ديناميكياً مرتبط بتجربة العلاج الإكلينيكي، ويمكن للاوعي أن يصبح معلوماً للوعي بفضل التحليل النفسي، وذلك عند حدوث تجاوز للمقامة والتي تظهر بدورها بعض المعاني اللاواعية للإنتاجات النفسية، بذلك يكون كل إنسان على – الخراب المسمى بالأرض – يملك مستويات من العقل الواعي والعقل اللاوعي، فالعقل الواعي هو الذي يحكم تصرفات الأنسان وقناعاته، بعبارة أدق هو مكان تخزين الأحداث، ومركز الانفعالات العاطفية السلبية والإيجابية، أما العقل اللاوعي -الباطن – فيفهم بالحدس أو البديهة، وهو متعلق بذات الإنسان، وهو في الأغلب لا يفرق بين الصواب والخطأ، على الرغم من كونه تابع للعقل الواعي، وينفذ ما يقرأه الأخير، دون أن يبدي أية ردة فعل على أي امر يتلقاه، كما انه لا يفضل شيئاً على آخر، وذلك ما يحيلنا إلى النظر بصورة اعمق إلى الوعي باعتباره يعبر عن حالة الإدراك التي يصل اليها العقل من خلال تواصل الفرد مع المحيط، ويكون ذلك من خلال حواس الإنسان، كالإحساس بالذات، والإدراك الذاتي، والحالة الشعورية، والحكمة أو العقلانية، والإدراك الحسي بين الفرد والبيئة كما ورد في موسوعة العقيقي، بالتالي فالوعي هو مجموعة من الأفكار، المعرفة، وحصيلة التجارب التي شكلت لدى الفرد مفاهيمه حول كل ما هو حوله، فحين يمارس الفرد أنشطة ذهنية متعددة في الوقت ذاته فهو يعيش ضمن دائرة الوعي العفوي، وحين يقوم بالتركيز على نشاط ذهني يتطلب مستوى من الذكاء فهو يكون ضمن حدود الوعي التأملي، أما حين يتعرض لحالة فجائية لا يمكن الاستدلال عليها فان ذلك الوعي يكون حدسياً، وحين يتعلق الأمر بمنظومة من المعايير الأخلاقية التي تصدر أحكامنا على ما حولنا، من حيث القبول والرفض فذلك ما يسمى بالوعي المعياري الأخلاقي (موسوعة العقيقي)، بالتالي نحن أمام تراكميات معرفية واضحة حول الوعي، فاين يكمن اللاوعي أو العقل الباطن، أن اللاشعور يشير إلى كل ما يشكل شخصية الأفراد دون إدراكهم، وبعيداً عن تحكمهم، فاللاوعي مخزن لتجارب الأفراد المترسبة نتيجة للكبت والقمع، مما أدى لبقاء ذلك المخزون بعيداً عن الذاكرة في أماكن لا يدركها الفرد بوعيه، فاللاوعي يمكن أن يكون أيضا مخزناً للطاقة الجنسية والنفسية والعدوانية( فيروز هماش، مفهوم الوعي واللاوعي في الفلسفة)، وهنا نكون نحن أمام عتبة الفكرة الأساس للمقال، الفردية، والجماعية، ضمن الاطار العام للعقل الواعي ولعقل اللاوعي، ووفقاً ل – كارل جوستاف يونغ – هناك أنواع لللاوعي،كاللاوعي الشخصي الذي يتعلق بكل الجوانب المكبوتة والخفية التي نشأت عن التفاعل بين الشخص وبيئته، بما في ذلك الأشخاص الذين يتصلون به ، وهناك أيضا اللاوعي الجماعي الذي يحتوي على عناصر تاريخية وجماعية تعدل الطريقة التي يفكر بها البشر ويشعرون ويتصرفون على وجه التحديد، وتشمل بنى نفسية مبنية على أسس اجتماعية موروثة تسمى النماذج الأصلية.

وذلك ما يوضح بشكل كبير التضاد بين الوعي واللاوعي عند الإنسان على الرغم من كونهما مرتبطان بشدة بحاجات الإنسان، فالوعي يمثل الشعور واليقظة بالنسبة للإنسان وينفذ فعلياً ما هو مخزون في اللاوعي المكبوتة لدى الفرد، وذلك ما يجعلنا أمام حقائق غريبة لاسيما للأفراد والحكومات  في مجتمعاتنا التي نعيشها، فبدل أن يكون لهما اليد الطولي في تقدم المجتمعات نجدهما يخضعان لمنطق اللاوعي تلك الصور القديمة التي تعلقت في اللاشعور لديهم وأصبحت أحلاما، وبعضها تحولت بفعل الوازع الديني إلى فكرة ميتافيزيقية واحياناً طوباوية يحملها الفرد فيجد نفسه دائماً يرجع للماضي ويبني حاضره وفق معطيات الماضي دون التفكير في الغد – المستقبل – إلا من خلال منظور الميتافيزيقيا  – نقصد بها هنا الغيبيات- فلا يجد لنفسه مكاناً، ولا حافزاً مادياً ملموساً سوى بعض الحوافز المعنوية التي لا توقف عجلة التطور، بذلك ينتظر إلى أن يصبح الواقع ملائماً لفرزها لتكون سبباً في الفوضى وتأخر المجتمع، مبتعدين عن القيمة الفعلية والمحورية للوعي في تقدم المجتمعات ، يقول احمد عبد ربه في مقال له بعنوان محورية الوعي في تقدم الشعوب : في تاريخ كل الشعوب والحضارات لحظات تاريخية فارقة لا يكون ما قبلها مثل ما بعدها ابدأ، تلك اللحظات ترتبط عادة بأحداث قومية ضخمة، كانتصار أو هزيمة في حرب، ثورة شعبية أو انتفاضة فئوية أو طبقية، قرارات زعماء وملوك ورؤساء، أو أطروحات أكاديمية أو اكتشافات علمية تؤدي في النهاية إلى تغييرات اجتماعية وسياسية وثقافية كبرى، لا يشترط أن تكون النتائج المباشرة بالإيجاب، بل قد تكون نتائج شديدة السلبية، لكن تكون المحصلة على الأجلين المتوسط والطويل إيجابية على نسبية الكلمة.

وهنا لا نريد إعادة ما يحدث في مجتمعاتنا سوى من قِبل الأفراد أو الحكومات، بالطبع الأمر برمته يتعلق بالوعي واللاوعي، ولكن مع ذلك السؤال الذي يتبادر للذهن من هو المسؤول عن خلق الوعي للاوعي الشعبي والحكومي..؟، بحق الإجابة عن هكذا سؤال ليس بسهل، و ذلك لصعوبة إعطاء إجابة قطيعة لمفهوم الوعي واللاوعي إلا من خلال المفاهيم التي سبق وان طرحناها والتي كانت وليدة دراسات في مجال علم النفس والسيسيولوجيا والفلسفة وغيرها من المجالات، ومع وضوح مساراتها الدلالية إلا إنها في الإجمال تجعلنا تحت مقصلة التناقض الحاصل في بنية مجتمعاتنا، فهل لاشعورنا أي المخزون الذي نمتلكه هو الذي يدفعنا للخضوع للحكام – الحكومات – بطوعية لامتناهية، حتى ننسى المطالبة بحقوقنا بصورة متحضرة تواكب القيمة الإنسانية للإنسان دون النزوح للفوضى والتخريب والدمار من حرق الممتلكات وسرقة المتاجر وقطع الطرق على المارة وشتم ونعت الأشخاص بكلمات بذيئة لا تتناسب إنسانيتنا فضلاً عن بعث الغوغائية الإعلامية التي تؤثر سلباً على نفسية الفرد، وفي المقابل هل لاشعورية السلطان – الحكام – الحكومات مخزونها متوقف على أن تقتات على حقوق الشعب، وتهدر الأموال العامة في مصالحها الحزبية والشخصية بعيداً عن القيم الإنسانية الوطنية التي تعطي للفرد أن يعيش على اقل تقدير فوق خط الفقر، وان يعيش الأمن والاستقرار دون فوبيا الأزمات التي تعصف به بسبب لاسياسة السياسة الحكومية..؟.

يقول عبد الكاظم محمد حسون وعي الشعوب كيف يخلق؟ إن زيادة وعي المواطن إلى درجة تمكنه من إيجاد نفسه وإيجاد الطريق الصحيح الذي يمنحه الحياة الكريمة لا يأتي بجهد المواطن وحده، وإنما هي مسؤولية الحاكم أيضا من خلال زيادة الاهتمام بالمواطن للاهتمام بالتعليم وتطوير مناهجه واحترام النظام الديمقراطي وفرض القانون المنصف الذي يتماشى مع متطلبات التطوير ومحاسبة المشعوذين والفاسدين والاهتمام بإيجاد فرص العمل والتركيز على الإعلام الذي يساهم في نشر الوعي الخلاق وتعاون كل من الحكومة والشعب على وضع برامج الغرض منها رفع مستوى الوعي الجماهيري ورفع مستوى أداء الحكومة للنهوض بالبلد على كافة المستويات، وعلى المواطن أن حريص على إنجاح هذه البرامج.

ومحصلة الرؤية أننا للأسف نعيش في مجتمعاتنا نسبة اللاوعي فيها تزيد بشكل واضح ومؤثر عن نسبة الوعي بشقيه الفردي والجماعي، أو بعبارة ادج الفردي والحكومي، وذلك ما نحصد نتائجه ليس الآن فحسب أنما الآن هو تحصيل حاصل للامس، كما سيكون الغد نتاج طبيعي لليوم، فالفرد لدينا يريد حقوقه ولكنه لا يريد أن يعي أن الموجودات التي يسعى للحصول عليها تخضع لقوانين داخلية وأخرى إقليمية وأخرى خاضعة لمصالح المنظومة الدولية التي لا يهمها سوى كسب مصالحها ليس على حساب الأراضي فحسب أنما على حساب الأقوام والإنسانية اجمعها، في حين الحكومات نفسها تعيش حالة من الفوضى العارمة بسبب عدم التخطيط المستقبلي والاعتماد على الكسب الآني، دون التفكير بالبدائل التي تمنحها الاستمرارية في حال انفلات الأمور وتقلب مصالح الدول الإقليمية ومصالح المنظومة، وبذلك اللاوعي الجمعي الحكومي يؤثر على اللاوعي الفردي، وسلوكيات الطرفين تكون نتائجها كارثية، فالأخير – الفرد – يلجأ إلى الفوضى وتساهم الشبكات الإعلامية الغوغائية في إثارة النعرات لديه فيتحول إلى كائن مدمر للكيان، سواء من خلال تدمير الممتلكات وتخريبها وحرقها أو حتى اللجوء إلى البدائل غير المنطقية لديه لاسيما في اللجوء إلى المناوئين لوجود كيانه القومي الوطني، في حين تلجأ الحكومات إلى أدوات القمع والسجن لإعادة الأمور لنصابها وعدم الانفلات الأمني، ومحصلة ذلك استمرار الأزمات، استمرار التفكك الاجتماعي، استمرار الخضوع لمنطق المصالح سواء الحزبية أو مصالح المنظومة أو دول الجوار، وبالتالي ضياع القيمة الفعلية للوجود الإنساني داخل تلك الدائرة – الكيان -، ناهيك عن ضياع التفاهم بين اللاوعي الفردي والجمعي واتساع الهوة بينهما.

وذلك ما يفرض حتمية التناقض التي سبق وان نوهنا عنها فيما يتعلق بمفهوم الوعي واللاوعي، لأن علماء النفس مثلا في الغالب يلجؤون إلى مخاطبة اللاوعي لتشكيل وعي حقيقي للإنسان، وفي المقابل أن الفصام السياسي الذي يعيشه المواطن لا يتم التعامل معه من خلال مخاطبة لاوعيه – مخزونه – لخلق وعي لديه، فهو يعيش مشاكله اليومية بالمكايدة اللاعقلانية وليس بالتفكير وفي معطيات الموضوع، وفي المقابل لا نجد في الأنظمة الحاكمة إدراكا لمواجهة اللاوعي بالوعي، بالعكس تماماً فان المواجهة تكون باللاوعي للاوعي، يقول حسين أبو السباع في مقال له بعنوان تشكيل الوعي بمخاطبة اللاوعي: “أن الأنظمة الأكثر وعياً هي التي تشجع القوى الناعمة لبث فنونها – مسرح الشارع انموذجاً – إلى اللاوعي العام لشعوبها “، وهذا ما يجعلنا ندرك تماماً أن الفرد والحكومات لدينا لا تمتلك ادنى فكرة عن العقل التنبؤ النموذج الثوري المخالف لنموذج فرويد، يقول ستيف أيان أن العلميات التلقائية تعلب دوراً مركزياً في العقل، وهو ما يسمح لنا بالتنبؤ بالأحداث بسرعة ودقة حالما تنشأ، أي أننا لا نعيش فقط ضمن دوائر اللاشعور المخزونة لدينا، ونثيرها بسبب محفزات آنية، بالتالي فأننا نستوعب ما يفرزه اللاشعور بسرعة لكوننا نملك العقل التنبؤ الذي يجعلنا نلجأ لردة فعل تجاه ذلك الإفراز اللاشعوري بسرعة، وهذا ما يجعلنا نرى بأن المخزونات التي لدينا سواء أفراد أو جماعات – حكومات – يمكننا أن نتنبأ بمضامينها اذا ما ادركنا وجودنا الإنساني بعيداً عن التكهنات الافتراضية الانتمائية المبغضة التي تحيدنا عن مسارنا الإنساني الواعي، وهنا يمكننا استغلال مساحة اللاشعور اللاوعي، لخلق أنموذج يسخر مقولات فرويد، ويؤكد على انطباعات ستيف أيان في الوقت نفسه، فكأفراد نساهم في تطوير المجتمع من خلال ممارساتنا الإنسانية المتحضرة بعيداً عن الانحراف السلوكي المؤدي إلى العنف، والمسبب في الوقت نفسه لمواجهتنا بالقوة والعنف، أي عدم إعطاء المبرر للمقابل الجمعي – الحكومي – باستخدام القوة، فان لجأت الأخرى للقوة وقتها تكون الصورة واضحة تماماً فيما يتعلق عدم امتلاك الحكومات تلك، الوعي اللازم للسير بالمجتمعات نحو ضفاف آمنة ومستقرة، ومن هناك يمكن للوعي الفردي أن يتخذ قراره المناسب من خلال الانتخابات مثلاً بعيداً عن الضغوطات والنعرات المتحزبة، فإن استطاع الفرد من خلق ذلك الأنموذج الواعي للوعي الفردي فانه يساهم في إخضاع اللاوعي الجمعي لمنطق أخر، ليس مبني على المخزونات السلطوية الساعية لإخضاع الفرد بالقوة والحرب الناعمة وذلك بغسل مفاهيمه بالشعارات البراقة وغير ذلك، لأن عقله التنبؤ – الحكومي – سيجبره على اتخاذ مواقف تتناسب مع وعي الأفراد لكي لا يخرج الأمر  عن سيطرته وتحدث الفوضى والانفلات والتخريب والتدمير، فيلجأ إلى القمع والسجن.

27-3-2022

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman