الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / “حبر من الجلنار” للشاعرة سعاد بازي المرابط / بقلم: بوسلهام عميمر

“حبر من الجلنار” للشاعرة سعاد بازي المرابط / بقلم: بوسلهام عميمر

       الكتابة عن الشعر بالشعر؛ جماله، ماهيته، شروطه وغائيته

                                                                               

بعد دواوينها الثلاثة “تأشيرة باب الحياة”، “ثلاثة أرباع قلب”، “حب على ربابة فقدان” تتوج الشاعرة سعاد بازي المرابط من تطوان، عقدها الشعري بديوان رابع “حبر من الجلنار”، عنوان موح و معبر، لا يحتاج إلى كبير عناء للربط بينه دوالا ومدلولات وبين قصائده  التسعة عشر مترجمة إلى الفرنسية كتجربة متميزة.

قد لا أبالغ إذا زعمت وجازفت بتصنيفه ضمن خانة الشعر الانفعالي أو الوجداني. إنها على امتداد صفحات الديوان الخامسة بعد التسعين، ظلت تتجول بين تباريح ذاتها ومنعرجات روحها و ردهات نفسها، تفننت في رسم لوحات آية في جمال القول والتعبير، جلها عن علاقتها الحميمة بالشعر؛ لغة ونظما وطقوسا وغائية. وما كلماتها في ديوانها هذا سوى مرآة فنية جميلة تعكس ما يعتمل في دواخلها من لواعج وأحزان لا تجد غير الكتابة ملجأ وملاذا.

فالشعر شعور ومشاعر وأحاسيس وأشجان تؤرق الشاعرة، تترجمها بحبر راق رائق من جلنار. لذاتها حضور لافت بقوة في كل قصائدها، تفننت في التعبير عنها. وإن كان كما يقول أدونيس ف”الشعر كالحب يصعب تعريفه”.

حبر من الجلنار” من الدواوين القليلة تنبئك عتباتها الرئيسية عن فحواها ومعانيها. فالشاعرة تجسد بحق التزام الشاعر بالعقد الذي يبرمه مع المتلقي من خلال عتبات منجزه، بما أنها تشكل اللافتة الإعلامية له، قد تجعل المتلقي يقبل عليه أو يحجم. فعتباته تكمل بعضها لتعطينا صورة واضحة عنه، ابتداء من عنوانه إلى خلفيته، مرورا بلوحة الغلاف وحتى الإهداء.

الشاعرة لم تختر “الجلنار” في عنوان ديوانها عبثا ليكون منه حبر حروفها وليس شيئا آخر. إنه زهر الرمان بما يرمز إليه من جمال، فضلا عن مفعوله في حماية البشرة من الجفاف وترطيب الجسم وتعزيز الدورة الدموية وتجديد الأنسجة والخلايا ومحاربة الشيخوخة. شعراء كبار تغنوا به لقرون خلت، نشير إلى البحتري أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي على سبيل التمثيل، في بيت له يقول:

   صبغ ُ خدّ يكاد يَدمى احمرارا       وردُه في العيون، أو جلنار

ولنا أن نتصور أي نوع هذا الحبر الذي تكتب به الشاعرة أشعارها. فالشاعرة في ديوانها في أكثر من موضع بجمالية تؤنسن حروفها وتشيئها لتمرير رسائلها. صور بديعة تفتقت عنها قريحتها الشعرية. تقول في ص11 “كلما رأى النور ،، نص جنين من رحم الحبر ،، أريده أن يطفو فوق المطية ،، أريده أن يكون سائس خيول ،، تواق لنتف ريشة من جناح الحرية“. إنها تحسم منذ البداية بما لا يدع مجالا للشك عن مذهبها في الشعر. تردفه بما يكشف عن شخصيتها قائلة بأوضح عبارة وجزالة لفظ في ص49 “أي نعم ،، لست على قدر كاف من الحكمة ،، لأدير دفة القيادة ،، لكني أملك منها ،، ما يؤهلني كي لا أصبح منقادة“.

والتزاما منها بما نذرت نفسها له في هذا الديوان من حديث عن الشعر بالشعر يتلبسها كما لو أنه جني في المخيال الشعبي، تقول في ص50 “هي ذي أنا ،، لا أشكو من خمود الشغف ،، لأني أتيت من أقصاه ،، ولا يثنيني الغبش ،، رغم الظلام ،، أرى كل قط  أسود ،، فيتلبسني الشعر بدل الذعر“، مؤكدة أن القصيدة تكتبها حتى بغير إرادة منها. فالشعر ما يأتي على عواهنه بدون تكلف يذكر. جموح خيال شعري لا شاطئ له، لنتصور معها قولها ص31 “أصنع من الكلمات نوافذ ،، أطمئن منها على البعض ،، المتربع فوق رابية الذاكرة ،، أطل منها على الحصى ،، الذي كنت أمشي فوق نتوءاته الهوينا ،، بجورب خشية إزعاجهم“. من هنا اختيارها للجلنار ليكون حبر حروفها. عالم سحري جميل، نوافذه من كلمات.

وما اختيارها لكتابة عنوان ديوانها باللون الأبيض إلا تيمنا بما يرمز إليه في ثقافتنا الشعبية من خيرات وبركات وصفاء ونقاء، وكذا ما يدل عليه نفسانيا من مثالية وسلمية وإشراق وبراءة وتصالح مع الذات و الآخر، و الميل إلى الهدوء. ومن يدري أو لعله من وحي بياض مدينة تطوان المعروفة بالحمامة البيضاء، فللجغرافيا تأثيرها في الفكر بوعي أو بدونه، تقول عنها في أحد حواراتها “نعم أنا ابنة الحمامة البيضاء. مدينتي تسكنني أكثر مما أسكنها“. إنه يتساوق في انسجام تام مع شمس مشرقة في أعلى لوحة الغلاف باللون الأبيض على غير العادة، بدل الأصفر أو البرتقالي، تنبعث أشعتها من بين فرث الغيوم الكالحات ودمها. فالليل مهما طال واستطال، فهو إلى زوال. والألم مهما اشتد لا بد أن يذوب على صقيع حرارة الأمل “فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا”. يتماهى هذا المعنى بجلاء مع ما جاء في الإهداء.

الشاعر لسان قومه”، كلمة لا تقال باللسان وحسب. إنها التزام. برهافة مشاعره لما يحب فبصدق، ولما يلتزم فبتفان غير متناه. تقول في الإهداء “إلى كل من يحاول إزالة لعنة الجدب بقلب أخضر كنجمة علم بلادي ،، إلى كل من يطرد أيائل الحزن من ساحة الآخر، ويقبض على الفرح ولو كان كالزئبق في حالة فرار”.

صورة في غاية الجمال. لنتصور طرد أيائل الحزن بما يشتهر به هذا الحيوان من قدرته الكبيرة على الجري والقفز. وببراعة شعرية تؤكد رسوخ حبها الخير للآخر، لما تهدي كلماتها لمن يطارد الفرح حتى وإن كان كالزئبق الذي يستحيل القبض عليه. إنه مضرب المثل في التفلت، يقال شخص زئبقي لما يكون كثير التهرب أو يقال وعود زئبقية. أو كما قال أحد الشعراء مستنكرا على السياسيين تقلباتهم وحربائيتهم ووعودهم العرقوبية:

لا يستقر على السياسة مبدأ          إن السياسة زئبق رجراج

فحب الخير للغير لم يكن لديها شيئا عابرا تشير إليه من بعيد. فردفا على ما سبق، لنتأمل هذه الصورة التعبيرية الجميلة، مؤكدة على هذه القيمة الإنسانية التي أصبحت اليوم، أنذر من بيضة الديك. تقول في ص57- 58 “أعود تلك الشاعرة المبتدئة ،، التي تتحدث عن أنغام تستحق الإصغاء ،، عن غصن يفتخر بترنيمة عندليب ،، عن شجرة تخاف من الريح ،، كي لا تهتز الأعشاش” صورة آية في الجمال عن التضحية من أجل الآخر، عن شجرة لا تخاف من الريح على تكسر أغصانها أو اقتلاع جذورها. إنما تخشى من الاهتزاز على أعشاش الطيور على ظهرها. يصل بها المقام أكثر مما سبق وأكبر، فتقول “شيء ما يجعلني أحمل أوجاع غيري ،، وأجر ذيل أوجاعي”. قمة التضحية أن توثر حمل أوجاع غيرها وتكتفي بجر أوجاعها.  

بذا تؤكد سعاد بازي أن للشعر رسالة سامية، تخرجه من زمرة شعر الزيف لأولئك الذين شدد القرآن في تعزيرهم بقوله في سورة الشعراء “والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون”.

إلا أنها بقدر تأكيدها بصريح العبارة على قصدية شعرها وغائيته، بقدر اهتمامها بشعريته و جماليته و انزياحية لغته وانسيابيتها. إنها الفيصل الأساس بين فنون القول والتعبير. تقول في عتبة ديوانها الرابعة المتعلقة بما اختارته على صفحة خلفيته، “الحياة تلبس قميصا من زئبق ،، وأنا لا زلت أمام قصائد كثة لم أشذبها ،، وأخرى قفراء لم أرض عنها ،، وأزهار أرميها إن لم يكن لها مكان في هارمونية التناغم ،، سأبقى فقط على ما يستقر عميقا في ذاكرة القارئ” إنها ليست في عجلة من أمرها. إنها، و تقديرا منها للقارئ أو المتلقي، لا تسمح لقصائدها بالظهور، و لا تفسح لها طريق الخروج إلى العلن و معانقة النور، إلا بعد أن تكون في منتهى عمقها معنى و مضمونا، و في كامل زينتها الشعرية مبنى و شكلا.

تحد غير مسبوق. أن يلزم كاتب نفسه بهكذا شرط “سأبقى فقط على ما يستقر عميقا في ذاكرة القارئ”، حتى لو لزم الأمر رمي كل ما لم تتوفر فيه شروط الإبداع اللائق. تذكر بفحول الشعراء لما كانوا يستغرقون حولا كاملا ينقحون ويشذبون قصائدهم. هاجسهم الأساس أن يرضى عنها أكابر الشعراء وفطاحلته، لتشرف بالتعليق بأهداب الكعبة المكرمة.

تفننت الشاعرة في نظم قصائدها، ورسم لوحاتها، مستندة إلى محسنات لغوية، أوردتها في سياقات مختلفة، بدون تكلف أو إقحام. لنتابع معها هذه المقابلة البديعة، و إن كان ليس أقسى على النفس من رد التحية بدونها أو بضدها، وما أصعب عليها من مقابلة الإقبال بالجحود والإقدام بالصدود، تقول في ص 32 من قصيدة “أنا الحياة”، “كنتُ الحياة ،، أبث نفخة مني ،، في أسماك روحك التي ،، لم أدر أنها نافقة ،، ،، كنتِ الموت بأسمائه كلها ،، ،، يترصد ،، يقتلع ،، ،،  كنتُ النسيم ،، الذي يخاف أن يخدشك ،، وكنتِ القدر الذي يعقد صفقة ،، مع الريح ،، لإطفاء ضوئي“.

وفي قصيدة “لا عزاء للخاسر” ص27، مطلعها “أرسم قبلة على جبهة الغياب” بمرارة تصف الأثر العميق الذي يخلفه التحول من النقيض إلى النقيض، من معسول الكلمات إلى قسوة الغياب و عذاب الهجران. تقول، “أتذكر ،، أيام عودتك متعبا من تعاطي المسافات ،، تناديني: ،، يا ملعقة العسل ،، هل أعددت وجبة فرح؟ ،، تتناولها بنهم ،، تقول لي: ،، دعي أصابعك للقبلات ،، سأتطوع للجلي ،، يوما ما ،، كنتَ ريحا وكنتُ الورقة ،، تأخذني ،، ولا أسأل إلى أين“.

قمة الشاعرية، قصيدة تجمع فيها بين جمال المبنى وعمق المعنى. بتعبير جميل مدهش. لنتصورها كيف ستتحكم في الوقت وتجرده من ضغطه وتسخره ليقطع دابر الملل ويفسد بيوضه حتى لا يفرخ فيتسع خرقه على الراقع، لتحتفظ بحصتها من الفرح. تقول، “سأكتب ،، لأجرد الوقت من ضغطه ،، لأفسد بيوضا يضعها الملل ،، في حصتي من الفرح”

“الفنون جنون”، للملل بيوض تتكاثر كما لو أنه جراد منتشر لا يبقي ولا يذر، لا بد من قطع دابره بإفساد بيضه، تحصينا لفرحتها من الإجهاض. لا تترك نفسها فريسة للملل يفعل فيها ما يشاء. وتجعل للكآبة لحية زرقاء وللألم صهوة تركبها، تتحكم في توجيه بوصلته، حرصا منها على الطفلة التي كانتها.

إنه التحدي الشامخ. فقد تشيخ الأجساد وتترهل، ولكن تظل الطفولة فينا نابضة لما نعرف كيف نحافظ عليها غضة، بشغفها وانطلاقها وإقبالها على الحياة والانعتاق بدون كثرة حسابات. تقول، “أكتب ،، كي لا تداهمني الكآبة بلحيتها الزرقاء ،، كي أركب صهوة الألم ،، أبعده إلى نقطة ما ،، كي لا يزعج طفلتي الداخلية ،، التي دثرتها هنا”73 -74.

ويبقى أجمل ما في الديوان فضلا عما سبق، تناصات وظفتها بتلقائية المتمكن من صرة صنعته. لنتأمل قولها “كي لا تداهمني الكآبة بلحيتها الزرقاء“، في سياق حديثها عما تشكله الكتابة بالنسبة إليها. إنها الحصن. إنها العلاج. إنها التطهير بالتعبير الأرسطي. إنها الملاذ الذي تعتصم به ضد كل أنواع التشظيات والمثبطات. إنها تِرْسُها المتين ضد الكآبة مرض العصر. وليست كأية كآبة. إنها بلحيتها الزرقاء كناية على درجة خطورتها وفتكها. هي إشارة إلى أسطورة صاحب اللحية الزرقاء. تتقاطع مع قصة شهريار في أكثر من نقطة، تأتي الدموية في حق النساء على رأسها. تقول الأسطورة أن رجلا فاحش الثراء تزوج ست مرات دون أن يعلم أحد مصير زوجاته، إلى أن تزوج السابعة تطوعت للزواج منه طمعا في ثروته، حصل أن جاءه سفر فتركها بالقصر بعد أن أكد عليها أن كل أجنحة القصر في متناولها إلا غرفة صغيرة حذرها من أن تقربها، لكن الفضول دفعها لاكتشاف سرها.

يا لهول ما وجدت ! كل زوجاته السابقات مذبوحات ببشاعة متناهية ومعلقات على الحائط. من هول ما رأت سقط مفتاح بابها فتلطخ بالدماء، لم ينفع مع إزالته أي منظف لأنه كان مسحورا، وبعد عودته كشف أمرها فكان مصيرها الحكم عليها بالقتل. احتالت عليه بأن يتركها قليلا لتدعو الله وتصلي. وبقدرة قادر حضر إخوتها في اللحظات الأخيرة وهو ممسك بشعرها يهم بذبحها، فأردوه قتيلا. فبقيت قصته مضرب المثل على الدموية.  وظفتها الشاعرة أبلغ توظيف.

عود على بدء، للتأكيد على التزام الشاعرة بالتناغم التام بين عتبات ديوانها ومضامينه. فهاجسها الأساس الذي لم تنفك عنه كان هو الكتابة، إن تصريحا أو تلميحا أو بما يلزمها كالحبر وغيره. تفننت في الكتابة عن الكتابة بالكتابة. فجعلت للحبر رحما “كلما رأى النور ،، نص جنين من رحم الحبر”، وعمدت لليوم الجموح لتجعله مطية لقصيدتها “عبثا أردته أن يكون يوما جموحا ،، لأجعل منه مطية لقصيدة” 90، وركبت التحدي لتنخرط في الكتابة حتى والفشل مآل المكتوين بنارها “قالوا ،، نكتب لنبكي بلا دموع ،، وقال “صمويل بيكيت” ،، أن تكون كاتبا معناه أن تفشل ،، كما لم يفشل قبلك أحد ،، أنا سأكتب إذن ولو لألحق ،، بهذا الموكب من الفاشلين” 73-74، و تكتب فالكتابة بالنسبة لها حرز ضد كل أنواع التوترات والكآبة “أكتب ،، كي لا تداهمني الكآبة بلحيتها الزرقاء“.

الديوان حافل بهذه المعاني، حتى لما الصبر نفسه يئن، لا تجد أنسب من الأوراق البيضاء تسودها بحبرها الجلناري  تقول، “عندما يئن الصبر ،، يستدرجني بياض الورق ،، ،، عندما يئن الصبر ،، أدفن رأسي في رمل الرمل ،، كنعامة غبية ،، أرجم بالحروف الشيطان الرجيم ،، أصدر أمرا لجيش الجرائم ،، أن يتفرق على الثغور“84. ولولعها بالكتابة وعشقها لها تنصهر هي نفسها قصيدة تقول في ص8 “الحروف أصبحت عصافير ،، وأنا انصهرت قصيدة“. وليس غريبا عنها إنها تقول في حوار جميل تحسم في علاقتها بالإبداع الشعري،  “سعاد المرابط امرأة تفضل التجوال بين أروقة الحروف أكثر من التجول بين أروقة الأسواق. تفضل أن ترتدي ثوب المجاز، وأن ترفل في عباءات القصيد بدل عباءات الحرير. امرأة من أنغام وليست من أرقام“.

لما تتحدث بهذا الوله عن الكتابة فإنه لا يفوتها أن تذكر بين الفينة والأخرى بنوعية هذه الكتابة. إنها تتحدث عن الكتابة الهادفة، الكتابة الشجاعة لا تخشى لومة لائم. الكتابة عندها التزام. تقول، “آمر أسراب العصافير أن ،، تتجرد من القاموس ،، وتنطلق من أصابعي ،، لا فزاعة تكون فوق الورق” 78 -79. هي كما سبق تريد لحروفها أن تكون سائسة لا مسوسة. نصوص تولد في الزوابع فلا تخشى الرياح “تواق لنتف ريشة من جناح الحرية”. بفنية عالية وبعمق، تربط بين أسراب العصافير وحروفها، تأكيدا منها على حريتها في الكتابة، كما العصافير تصول وتجول بكل أريحية في الحقول لما تكون خالية من الفزاعات. تقول في ص 11 “يحبطني أن أراه متواريا ،، وراء طوفان رمادي ،، يرتطم بمناوشات مع حراس أشداء ،، يحاول الهرب من الأبواب الخلفية ،، كر ،، و ،، فر ،، ويعود مقتادا كنعجة إلى الحظيرة

ويبقى الشعر مهما التزم فيه الشاعر بالتعبير عن مشاعره وشعوره، فإنه جزء لا يتجزأ من هموم قومه، يفرح لفرحهم ويأسى لأساهم أضعافا بحكم رهافة حسه. فتأثره يكون بالغا. في قصيدتها “على مسمع الحياة” ص 17-18، تقول فيما يشبه تأملات وجودية وفلسفية “النجوم أحيانا تسقط قبيل ظهورها ،، فماذا إن أفل العمر ،، هو سؤال طاعن في القلق ،، ترتجف عند بابه الأجوبة ،، لا أتوجس خيفة ،، إن عادت الأمواج إلى صعودها ،، ،، ففي رغيها وزبدها ،، لحن على مسمع الحياة ،، أتساءل ،، كم لبث اللقلاق ،، يتأمل من عل ،، يتأرجح بين حكمة واستنكار ،، يستنكر ثلة أوغاد توضؤوا من جشع ،، يستنكر قبائلا لا تقري السذج ،، لعله ينزل إلا بعد ،، أن يعرف الحكمة بين ،، فضيلة ورذيلة ،، ماذا إن أفل العمر ،، ولا زال حبري يغلي كمرجل؟

ولفرادة الديوان وغناه، بالكتابة عن الكتابة الشعرية شعرا، يبقى مفتوحا على قراءات متعددة من زوايا مختلفة. إنه أكبر من أن تسع عباءته الفنية قراءة واحدة.

 

 

 

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman