الرئيسية / حوارات / الكاتب المغربي عبد الله المتقي: الشعر لا يرتدي بذلة عسكرية ولا يضع خراطيش في جيوبه

الكاتب المغربي عبد الله المتقي: الشعر لا يرتدي بذلة عسكرية ولا يضع خراطيش في جيوبه

الكاتب المغربي عبد الله المتقي: الشعر لا يرتدي بذلة عسكرية ولا يضع خراطيش في جيوبه

 

حوار مع الكاتب المغربي عبد الله المتقي/ عائشة كمون

 

لا طقس محدد للكتابة عنده، عندما تكتمل القصيدة في داخله، تصرخ في أي وقت تشاء إنه الشاعر والقاص المغربي عبد الله المتقي الذي يخرج منتصرًا بأناقة لغته من شقوق سرية يعرف أبوابها وحده فقط، إنّه يحمل في داخله حنينا جارفا … وكأنه يُضاعف اختراق متخيّله بفاعلية متوهجة بحنين لا يضل طريقه نحو الينابيع ارتواءً للمجهول واللايقين، وخصوبة ضد المحو والنسيان المكثف. يمتلك قوّة المفردة، يرسم صورا مميزة في كتاباته وفي موضوعاته أتقن أدواته بمهارة عالية، جسد ذاته من خلال الشخصيات التي يختارها، هو اسم مغربي ومغاربي وعربي، من آخر إصداراته ديوانه ” على عجل “، وبالمناسبة، كان لنا معه هذا الحوار:

حاورته: عائشة كمون شاعرة وإعلامية تونسية

 

في البداية حبذا لو تعطي قراءنا نبذة عن سيرتك الذاتية، وتُطْلعهم على نشاطك وإنتاجك؟

قاص مغربي ومتورط في القصيدة حد الغرق في مجازاتها واستعاراتها، عضو المجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب، حائز على تنويه من بيت الشعر في المغرب، وجائزة احمد بوزفور الوطنية في القصة القصيرة، في جبتي أربع دواوين شعرية:” قصائد كاتمة الصوت ” و” مساؤك بارد كالخيانة ” و” ثقيل هذا الريش ” ثن أخيرا ” على عجل ” وهو قصائد هايكو، ويصدر لي قريبا ” أمسك الشيطان من ذيله “.

 

تطل علينا بديوان ” على عجل” هل لك أن تخبرنا بهذه التجربة؟

“على عجل” هي تجربة في شعر الهايكو، وتحتفي بالإيجاز والتكثيف وخبايا الدهشة والتفاصيل اليومية، هي حصيلة دربة شعرية وانفتاح على العالم، إذ من حق الشعراء فتح نوافذهم على الرياح الشعرية أنى كانت جغرافيتها، لكن، شريطة ألا تقتلعهم من الجذور

 

نلاحظ أن الشعراء يتجهون إلى الانتشار عبر الإنترنت مبتعدين عن الطباعة، فهل أنت منهم؟

هروب الشعراء إلى العوالم الزرقاء والافتراضية، ليس سوى هروبا من تكاليف الطبع الباهظة والخيالية، ومن تسويفات الناشر، علاوة على غياب ثقافة التوزيع لدى دور النشر، وبذلك يكون اللجوء إلى الأنترنت ضمانا للانتشار الكوني، وغياب التكاليف المادية التي ليست في المتناول، وعليه، أحبذ الانتشار بكل لغات التواصل رقمية وورقية، كي تلقي كتاباتي القبض على القارئ أنى كان وكيفما كان ورقيا أو رقميا

 

من القارئ الأول لقصائدك الشعرية، وما درجة ثقتك فيه؟

لا أحد يقرأ قصائدي بعد خروجها من ورشتي الشعرية غيري، لأني لا أثق في سواي، هكذا أنا أحبني بجنون

 

إلى متى ستظل تنثر إبداعا بعيد عن الضوء؟

سأظل كذلك، لأني أخاف أن احترق كما الفراشات حين تقترب من الضوء، لدى من يحبني فليحفر وينبش ويقينا سيجدني شاعرا مكتظا بالمجاز والحقيقة والجنون، ويحلم بالذي ينبغي أن يكون، لا الذي هو كائن ومتداول ومبتذل.

 

لو طلب منك أن تكون ثنائيا مع شاعر فمن هو الذي تختاره !؟

لن يكون سوى أصيل “توزر ” الشاعر التونسي محمد بوحوش، الذي أنجزت وإياه الأعمال الشعرية الكاملة للراحل محمد شكري ميعادي، ونحن بصدد انجاز كتاب عن ” توزر في قلوب الشعراء”، والبقية تأتي، وقد تكون شراكة شعرية وقصصية، وشكرا للأيام القادمة

 

بعد ظهور كثير من الشعراء الشباب هل الشعراء الرموز المعروفين لم يعودوا وحدهم في الساحة؟

أولا، أنا لا أؤمن بشاعر شاب وآخر من الرموز، بل أؤمن إيمانا أعمى بأجمل القصائد، فكم من شاعر رمز لحقت وجه قصائده تجاعيد الشيخوخة، فقط بقيت حروف ماضيه الجمالي، وكم من شاعر شاب بدأ شاعرا بشاربيه، وكتب أروع القصائد، وأخيرا، المجد للقصائد الرائعة ولا يعني أنها لرمز شعري أو مبتدئ.

 

من الشاعر الذي وقفت معه على المنصة ودمت تكرر بعض قصائده الى هذا الوقت ؟

لن يكون سوى الشاعر المغربي ” عبد الله بن ناجي “، الذي أصدر لحد الأن ثلاثة دواوين، ” هزيم المنخفض” الحائز على جائزة القناة الثانية المغربية، ثم ” كأني به التيه “، وأخيرا ” شيء ما يقع في العلية “، وأذكر أن روضة أبي القاسم الشابي التي جمعتنا ذات نسخة من المهرجان الدولي للشعر بتوزر، مازالت وشما في ذاكرتي الشعرية، حتى ما زلت أردد في جلساتي بعضا قصائده ” صديقي اليساري ”

 

الكتابة الشعرية انخراط عنيف في الإنصات لعوالم الداخل المشبعة بالجرح والحلم، تعرية لتضاعيف الذاكرة بِشعلة القصيدة. هل تؤمن بأن الشعر قادر على تغيير العالم إلى ما هو أنقى وأصفى في ظل السلم والسلام بعيدًا عن الحروب وقتل الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال؟

الشعر لا يرتدي بذلة عسكرية ولا يضع خراطيش في جيوبه، ولا ينبغي أن يكون له، كما ألا يكسر الأبواب، لذلك فهو لا قدرة له على التغيير، لكنه يعبد الطريق للقارئ كي يغير، يضيء له الطريق، ويحفزه كي يحلم بما هو أنقى مما هو موجود، لكن، لن يسمح له أن يتسلل من النافذة كما يقول ” أرنست فيشر”.

 

شاعر تتوقع له مستقبل مزهر في الشعر ؟

ولم لا تكون شاعرة؟ فتكون الشاعرة المغربية سكينة حبيب الله الحائزة على جائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب مناصفة مع الشاعر الأردني أبو بكر عبد الله في إحدى نسخ مؤسسة منتدى أصيلة، شاعرة تتميز “بإبداع شعري في كتابة الذات-العالم، يزاوج بين شعرية النص المنفتح وقصيدة النثر، وأتوقع لها مستقبلا ماطرا بأجمل القصائد ”.

ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك سريعًا عند لقائك بها في مُنحدر اللغة؛ باب الطفولة، باب الحنين، باب الحب، باب النسيان، باب المرأة، باب المكان، باب الأم، باب الدهشة، باب الذكرى، باب الوجع، باب الأمل… وللشاعر في أبوابه أسرار وألغاز؟

الجملة الأولى دوما ملتبسة، لأنها لا تكتفي بباب واحد، هي كما الجنة لها سبعة أبواب، وبذلك حين ألتقيها وغالبا في الليل، لان الليل مهنة الشعراء، تفتح لي كل تلك الأبواب على مصراعيها: باب الطفولة لأن الطفولة قصيدة ثانية يقول بودلير، باب المرأة لأنها ملح الحياة والقصيدة، باب الذكريات الموشومة في الذاكرة، باب الأمل حتى لا يأكلني اليأس، باب النزيف لأني مجروح، وكذا باب الدهشة وكل الابواب التي من شأنها أن تدخلني إلى عوالم الجنون المعقلن والذي لا يعني سوى القصيدة

 

ماذا عن الطقس الكتابي لك وخاصة وأنت معروف بأنك شاعر وقاص ولك العديد من المجموعات الشعرية والقصصية؟

طقوسي عادية جدا، ولا تشبه طقوس السحرة والمنجمين، تكفيني عزلة ذهبية وبحرية، ألحان الموسيقار والسياسي اليوناني ميكيس ثيودوراكيس الذي رحل أخيرا، ضوء خافت، وبعدها أمطر شعرا أو قصيدة.

 

في ظل الخراب الذي يعم العالم، هل ما زالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها؟

القصيدة عدوة الخراب والدمار بامتياز، إنها كون من البناء، بناء عوالم ضد ثقافة الموت والتشويه والقتل، هي تحيي العظام وهي رميم، هروب من الأرض ثم العودة إليها وتحت إبطها أجمل الأحلام والبدائل، وستظل القصيدة دائمة الحضور كل يوم وحتى في أيام العطل، لأنها الحياة كنا تبعث الحياة

 

ماذا عن قراءاتك الآن؟

ديوان شعري للصديق الشاعر المغربي عبد الحميد شوقي ” متاهات برائحة الفجر” صدر ضمن منشورات بيت الشعر في المغرب، تجربة شعرية أدخلتني في متاهات فجرها الأنيق والصافي، حد أنها فتحت شهيتي لأقرأها بعشق، حتى أني ألقيت القبض على ” شعرية القلق ” في هذه الدوامات المفتوحة التي تجيد المعنى، والتي جاءت فجرا، كما الفلسفة تأتي مساء يقول هيجل.

 

رسائل الشعراء والمبدعين فيما بينهم كنز عظيم، وتراث إنساني عميق، لماذا تغيب عنا أدبيات جمع الرسائل ونشرها على غرار رسائل محمود درويش مع سميح القاسم، جبران خليل جبران مع ماري هاسكل، أو مي زيادة، غادة السمان مع غسان كنفاني، فرناندوا بيسوا مع حبيبته أوفيليا الخ…؟

الرسائل غير غائبة في مشهدنا الأدبي، بيد أنها نادرة وبعدد رؤوس الأصابع، ومنها رسائلي مع المبدعة التونسية فاطمة بنمحمود، والتي لقيت احتفاء من القراء في الوطن العربي، وخاصة تونس والمغرب، وآمل أن تكون هذه الرسائل قريبا بين أيادي القراء، كما كتابنا المشترك ” أحلام تند أصابعها “، وبخصوص ندرة الرسائل لدى الشعراء والمبدعين بصفة عامة، فقد يعود إلى أننا مازلنا نعاني من الحدود الجمركية لثقافة البوح.

 

المهرجانات الشعرية، هل تخدم متخيل الشاعر، أم مجرد لقاء للأحباء والأصدقاء من جغرافيات متعددة، يجمعهم قلق القصيدة، وتفرقهم وحشة المسافة؟

قليلة هي المهرجانات الشعرية والقصصية التي تخدم النص وتساهم في حياته، وكثيرة هي المهرجانات التي تحولت إلى ما تجمعات عائلية وما يشبه السياحة، كما أنها أصبحت مكتظة بالفضوليين، بل حولها البعض إلى وكالة للاسترزاق، وإلا ما معنى أن يكون بعض المشرفين على هذه المهرجانات، لا يربطهم بالشعر سوى الخير والإحسان.

 

  • متى تقول : فليذهب الشعر إلى الجحيم؟

لن أقولها، ولن تكون، فقط، لأن الشعراء أنبياء.

 

كلمة أخيرة ..

“لا ماء

ضوء فحسب

تلاشى الطريق في الضوء

وظل الحائط من حديد”

قال الشاعر اليوناني “ريتسوس” وغناها بروعة وبصوت عجوز المناضل والموسيقي العالمي ” ميكيس ثيودوراكيس”:

 

حاورته: عائشة كمون شاعرة وإعلامية تونسية

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman