الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / تأمل معي / بقلم: د. ريم سليمان الخش

تأمل معي / بقلم: د. ريم سليمان الخش

تأمل معي / بقلم: د. ريم سليمان الخش

ــــــــــــــــــــ

الشعر هو روح اللغة …ولكن هل الشعر عاطفة وفقط!؟

هذا ماسأجيب عنه في المقال التالي:

في الحقيقة : الشعر هو عاطفة مع بناء فكري محكم ومتراص…

هو في الواقع انسجام الجهاز الحوفي في الدماغ (قلب الدماغ)

المسؤول عن الغرائز

والمشاعر والحدس مع القشرة الدماغية (العقل)

المسؤولة عن البناء والهندسة والتحليل والربط والمنطق.

(عباقرة كالمتنبي كانت القشرة الدماغية متميزة ..إضافة إلى المنطقة الحوفية

التي ألهبت فيضا من عواطفه)

فلو لم تكن عند الشاعر القشرة الدماغية متطورة ..

لكانت عاطفته بدائية غريزية ساذجة ولو كانت قوية متدفقة …

مثلا الشمبانزي حيوان غريزي شديد العاطفة ولكن الوعي عنده بدائي .

-والسؤال: هل يستطيع أن يفهم الشمبانزي الإنسان المفكر إن وجه له الحديث؟

طبعا لا …سيضرب على صدره ويصدر أصواتا عالية أشبه بالضوضاء

كي يثبت وجوده !

– ولكن كيف للشمبانزي أن يُصبح صنما إيمانيا في عرف بعض الجماعات؟

هذا سهل جدا فالجماعات البدائية لجأت إلى تجسيم وعيها الإيماني

الذي هو جزءا من وعيها البشري بابتكار أصنام شتى من حجر وتمر

وحتى البقر جعلت رمزا للعبادة (حالة من الوعي المتدني)

فمن باب أولى أن يصبح الشمبانزي المتطور نسبيا

هو أيضا رمزا (دينيا) محتذى!

بمعنى قد نجد جماعات من البشر تلتف حول (مبشر عاطفي بدائي )

وتقيم طقوس الطاعة بوجود الكهنة والأضاحي…

****

أريد أن نتأمل معا نصا عاطفيا ( بل وتفيض العاطفة البدائية منه)

كي نبين أن العاطفة لاتكفي للحصول على نص شعري ناضج ومكتمل:

**********************

1-حنانيكِ، إنّ العمرَ أقفى وأدلجا . . وقلبك غرّاً ما يزال وأهوجا

.

-أقفى فعل غير مناسب ولو قال أغشى لكان أسلم أي أن العمر أظلم ثم أدلج ..

أما العجز فهو أقرب إلى لغة العوام كوصف أم لصبيها الفتي.

.

2-تتيهين في غُنجٍ عليّ، وإنّما . . لمثلك حقٌّ أن يتيهَ ويَغنجا

لاحظ تكرار التيه والغنج في الصدر والعجز وكان من الأجدر أن يقول :

تميلين في غنج عليّ

لأن التيه لايحتاج علي

.

3-عيونُ يحاكي اللازَوَردَ بريقُها . . وتحكي الشفاهُ الظامئات البنفسجا

الصدر (بريق اللازورد) مستخدم جدا عند بودلير …

أما العجز فكيف (تحكي )الشفاه البنفسج؟

لو وضع الفعل (تُحاكي) لحصل التوافق .

.

4-طلعتِ على عمري الذي ضاع نصفُهُ .. وقد كنتُ قبلَ اليومِ للحبِّ أحوجا

(طلعت) لغة العوام وكأنه يستحضر من اللاوعي(طلعت باليانصيب)…

ثم يستمر بنفس اللهجة

(وينك أنت لهلأ !؟؟ مابتعرف إنو عم استناك ومحتاجك!!)

.

ومن ثم يشعر بالأسى أنه ربح (ورقة اليانصيب) الآن فقط! كالتالي:

.

5-مريرٌ مجئُ الحبِّ في غيرِ وقتهِ .. كضيفٍ عزيزٍ زارَ في الليلِ محوِجا

هنا مع انتظاره وحاجته له فهو يشعر بأسى شديد

(لأن عنفوان الشباب قد فارقه) صورة جميلة

ولكن فقط أتساءل إذا كان المضيف مفتقرا لمال الضيافة فهو كذلك

صبح مساء فعلام خصص الليل؟!!

-إما لأن زيارة الليل أصعب فهو لايستطيع طرق الأبواب …

أو لأنه كما هو واضح متأثر جدا بمعلقة امرئ القيس…

(الليل لن يفارقه من أول القصيدة لآخرها في نواح شتى)

***

ثم لو سلمنا جدلا أنه وقت (غير مناسب) فكيف نفسر البيت السادس؟:

6-نبيّاً كأنّي صرتُ حين حَبَبتِني .. وأحسستُ قلبي للسماواتِ عرّجا

العجز جميل مع عاطفة بدائية :

أتذكر صديقتي المراهقةكانت تقول لي (أحسست أن قلبي طار)

إذا تكلم معها من تحب

.

7-وأسرى اشتياقي بي إليكِ صَبابةً .. إذا كان غيري نحو عينيكِ (أسرجا)

بيت ركيك من حيث الربط والقافية …الشاعر يعطي أفضلية لسيره ليلا

بصبابته إليها من الذي يسرج (….) نحو عينيها

ومنطق الكلام يقول أن الأقرب لها هو الآخر

(من جديد لاحظ ارتباط النظم بالليل والتأثير اللاواعي لمعلقة امرئ القيس عليه)

.

8-تلومينني أنّي قليلٌ قصائدي ! .. كأنّكِ لا تدرينَ ماذا بمنبجا !؟

تراود لذهني (تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا — فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ)

ولكن للأسف جواب شاعرنا طفولي جدا:

( كأن تسأل الأم طفلها لم علامات الإمتحان ضعيفة؟

فيجيبها ألم تعرفي أن حسن وقع على الدرج؟

ثم إن مأساة منبج ( أيّ مأساة ) تولد ضخا هائلا من المشاعر

تجعل الشاعر يحلق في ملكوت الشعر الذي هو

أصلا سادن الآلام والأوجاع الإنسانية .

يتابع الشاعر شارحا لحبيبته:

9-توخّى ذويَّ القتلُ من كلِّ جانبٍ .. ولم يثنِ ملْكَ الموتِ نوحٌ ولا رجا

العجز ضعيف للغاية :

أولا حتى يصبح الفعل يثني بمعنى أعرض عليه أن يقترن ب عن …ثم ماعلاقة

نوح هنا (يريد أن يقول أن الموت لم يستثنِ أحدا من البشر ولا حتى نوح .

…ولكن تبقى القافية رجا زائدة (حشو)

لأن ملك الموت هو الفاعل فعلام يرجو ومن سيرجو؟

* لاحظ تركيب العجز كيف أن طفلا صغيرا يستطيع أن يعبر بأفضل منه!

حتى ولو أخذنا نوح مشتقة من ناح ينوح …وهذا جائز وفق النظرية التفكيكية لأن هناك عدد لانهائي من التأويلات الممكنة للنص الواحد ….يبقى المعنى ضعيفا فمتى كنا نقف أمام ملك الموت نائحين نترجاه أن لا يذهب بالأرواح ؟

.

.

10-وعاد اليهودُ اليومَ في ثوبِ صاحبٍ .. كذلكَ عدنا (نحن) أوسا وخزرجا

هنا عجز جميل لو لم يحشر( نحن )حشرا دون ضرورة

.

11-بطيئا يمرّ الليل عند أحبتي .. كشيخٍ كليلٍ هدّه العمرُ أعرجا

يدور ويلف حول الليل ( دوما باللاوعي وليل كموج البحر…)

جاء بصورة شيخ أعمى هدّه العمر والمسكين أعرج أيضا !!!

كيف لوى عنق الصورة كرمى للقافية !!!

.

12-رمانا على بابِ اللئامِ زمانُنا .. لنرجو الذي ما كان يوما ليُرتجى

بيت جميل ـأشجاني

.

13-وشعبٍ تحدّى الذلَّ غيرِ مدجّجٍ .. يقارعه الموتُ الزؤامُ مدجّجا

لا يوجد توافق باستخدام زؤام مع مدجج …ثم

لاحظ تكرار الشاعر مرارا وتكرارا لنفس الكلمات

(عبر القصيدة) في الصدر والعجز الثقافة الحوفية

ذات المعجم المحدود مع العاطفة المشبوبة .

.

14-يُريدُ بلوغَ المجدِ في غصنِ وردةٍ .. وليس يريد الحربَ للمجد مدرجا

هنا استخدام كلمة (المجد) غير مناسب :

ولو قال الحق لبلغ المراد…فالشعب خرج مطالبا بحقوقه بطريقة سلمية .

.

15-ورأسٍ لغيرِ اللهِ ما ذلّ خاضعا .. تَراهُ على شطّ الفراتِ مدَحرجا

صورة غير مكتملة : لعلنا نسأل مابال بقية الرؤوس التي لم تتدحرج

على شط الفرات والتي استشهدت هل هي ذليلة مثلا؟!!!

.

16-وطفلٍ بعمر الياسمين تخالُه .. بكلّ ورود الغوطتين مضرجا

بيت مؤلم وجميل جدا الورود كناية عن اتشاحه بدمائه الطاهرة ..

.

لكنه فقد جماله حين أتبعه هذا

البيت :

17-كأنّ سموم الكائناتِ تكالبتْ .. على رئيتَيْهِ الغضّتينِ فحشرجا

أولا لاحظ ركاكة (كأنّ!!!) : ثانيا:

كأنه مات اختناقا متحشرجا …وكيف له ذلك وهو المضرج بدمائه؟؟؟

.

18-فياربّ قد ضاقت علينا بوسعها .. فهيّئ لنا من ضيّقِ الأمرِ مخرجا

.

هنا أقول : أنّ ( الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه…)

فكيف تستجاب دعوته إذا تصيدنا

إخوتنا في غم الغربة وضيق الحال فضلا على أنّ

لهم أيادٍ بيضاء على اللغة الشعرية :

(فاللغة الشعرية ليست عاطفة وفقط بل هي نظام تفكير) .

وبهذا أكون قد أثبت أن قوة العاطفة هي شرط لازم للشعر ولكنه غير كاف.

 

عن Joody atasii

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

(حينَ عشِقْتُ روحَكَ… / بقلم: سلوى الغانم

كان لي مع عينيك رحلةً طويلة حكاية خيال.. ومُزُنِ حُبٍّ.. لا أرتوي ...

عاشقتي… /بقلم: سلمان إبراهيم الخليل

مدي ذراعيك وعانقي احلامي يشدني الحنين في غربتي يغوص في شغف أيامي ...

يثقلني الهدوء…/ بقلم: فوزية اوزدمير

تقتحمني حمى الليل برعونتها السردية غير المتأججة ، بعينين لامعتين حانقتين ، ...

عيناكَ… / بقلم: راميار سلمان

عَيْنَاكَ أمطار صَيْفِيَّة تراتيل عشق صوفية وَ دهشة قبلة هَارِبةٌ مِن لهفة ...

قبيل انسدال الستار/ بقلم: أنور يسر

لأحكي من السرد كل الرواية قبيل انسدال الستار ضعوا في جيوب (الأنا) ...

سأمقت كل اجزائي/ بقلم:سهام الباري

  سأمقتُ كلّ أجزائي وأدفنُ ذلك الجوهر وأنقشُ ريشتي السودا لتطمس عيده ...

يا حبيبتي../ بقلم : محمود صالح

أثِقُ بالقصيدةِ عندما تُلقي برأسِها المُجْهَدِ على صدرِك لدَيها من الوفاءِ .. ...

أجنحة اليقين / بقلم: رشا فاروق

على ثوب الليل حفرت آهتي كانت الريح تحمل وحدتي قصيدة تتلوها العواصف ...

واحة الفكر Mêrga raman