الرئيسية / قصة / النّدم …/ بقلم: عزة بوقاعدة

النّدم …/ بقلم: عزة بوقاعدة

 

 

 

 

 

النّدم …/ بقلم: عزة بوقاعدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدتُ إلى المنزل منهكاً من العمل الّذي بِتُّ أكرهه أكثر من رائحة البيض الّتي إن التقطها أنفي المفلطح رجفت حواسي في لحظةٍ واحدةٍ ثُمّ تقيّأت، أفقت من غيبوبة نومي على صوت المؤذّن وهو يكبّر، توضّأت وخرجت مسرعا إلى المسجد، كان الظلام قد بدأ يحط بأجنحته السوداء على القرية الريفية الجميلة الرابضة على مشارف البحر، ارتدت مؤخرا حلًّة صفراءُ مخمليّة،

في طريق العودة للبيت رنّ هاتفي لمرّة واحدةٍ، نظرت إليه فإذا بها والدتي، فأعدت الاِتصال لأرى ما تريد، غير أن الخط كان مشغولاً، فقلت في نفسي أظنّها تحتاج إلى غرضٍ ما وهي لأن تتصل بأبي الّذي أعتقد بأنّه موجودٌ هنا أيضاً لتأديةِ صلاة المغرب، وضعت الهاتف في جيب سترتي وقفلتُ راجعاً للمنزل، فور فتحي للباب فاجأتني والدتي المنتصبة خلفه تحمل سكيناً لا يسرّ منظره ولا وجهها المتجهّم الغائرُ في تجاعيد الكربِ والخورِ، شعرت بأنّ المضغة الّتي تقع في شقيّ الأيسر قد توقف نبضها في لحظات التيه، اِبتلعتني بقعة ضوء تلمع على ظهر السكين أعادتني حين قالت أمي

– سامي، عليك بذبحه الآن! الليل فرصتنا الوحيدة، كما أن النّهار يجعله متمرداً أكثر ولا يمكن الإيقاعَ به مهما حاولنا،

أردت الهرب لأول مرة في حياتي ومن والدتي الواقفة أمامي تحرضني على القتل، في تلك اللحظة رجع أبي يحمل أكياساً بلاستيكية سوداء في الغالب تخصُ القمامة، وضعها في يد أمي وقال سأدخل لأنتظر نشرة الثامنة لا أريد أن يزعجني أحد وحتّى رنين الهاتف، فقد سمعت في المسجد أن الرئيس ظهر اليوم في اجتماع مجلس الوزراء بعد الظُّهْرِ! ذهبت أمي للمطبخ وبقيت أفكّر في هذا الحِمل الثقيل الّذي كلفتني به والدتي، مشيت إلى غرفتي تحاصرني الهواجس الممتدة في زمن ولّى، فقد رأيت فيما يرى النائم أنني أذبح ابني الذي كان في المهد، أذكر أنني استيقظت هلِعاً، مرتجفاً، متعرقاً، سمعت طرقاً خفيفاً على باب غرفتي، فعرفت أنّ الوقت قد حان، استلمت السكين الرّهيب من يدها الواثِقة، ومشيت أولا وهي تتبعني كجنديين في مهمةٍ واحدةٍ والهدف معروف لكِلينا، مررنا بغرفة المعيشة، سمعنا قهقهات والدي تصدح وصوت (صالح أوقروت) يردّد:

(الحمد لله ابني طلع سراق ويتاجر فالمخدرات ماشي من المعارضة)

أخذت نفساً عميقاً  لم أستطع إخراجه زفيراً علّني أتمالك رباطة جأشي وتتوقف فرائصي عن الاِرتعاد ، في تلك اللحظة سبقتني أمي وهي تشير إلي بالتقدم بسرعة، سحبْتهُ من أحضان زوجاته الخمس، سلّم بالأمر وكأنّه كان يتوقع حضوري بلا مقاومة ، دون إطالة وضعت قدمي على رجليه  ومررت السكين على عنقه، فسقط مباشرة، تلوثت يداي بدمائه وحذائي وبضع بقع على بنطالي، رميت السكين وعدت أدراجي فيما تكفلت أمي بالباقي، اغتسلت من آثار جريمتي وغيرت ملابسي وجلست في غرفتي أدخّن سيجارةً بطعم الدم، تناولت قرصاً عله يخفف ألم رأسي المفاجئ ، تمدّدت على سريري، أحدّق في السقف، ألبستني هواجسي ثوب الغادر الّذي تحدَّ نفسه فقط من أجل إسقاط رأسٍ ومحاولاً أن يلجم غضب أمه ، ضعيف أنا، وحقاً بلا قوة، خارجا نعقت بومة تبشر بطول اللّيل، علّقتُ صورة المغدور على جدران ذاكرتي ، فرقصت نسوته رقصة دائرية مذبوحة على جثته التي أصبحت الآن في الثلاجة، نعم لقد أرهفت السمع، كانت أمي تقطعه بساطور عجزي، و لفته في ذات الأكياس التي احضرها والدي، تلك الأكياس البلاستيكية السوداء التي تخفي الموت، في كبد هذا الليل سأموت ألف مرّة، لكن لابأس.. لن يعرف النّاس أنّني شريرٌ، ولن يحمل لي أحد أي حقدٍ، النّاس تعترف بالأقوياء وأنا قويٌّ، وقفت أنظر بحسرة المغلوب، بقدمينِ حافيتينِ، وبجسدٍ نحيلٍ مرتعدٍ وعارٍ، انبعث من الجدار رذاذٌ من نورٍ، فاستردّ النّهار من الظلمة حق المكان لا الزمان، سمعت صوتي يأمرني

_مُرَّ. وإيّاكَ أن تقعْ! ثُمّ فتح في الجدار طريقاً طويلاً يمتدّ ويمتدّ، فذرفت دمعاً حين قرأت على اللفتة هذا مدخل الصراط، في أذني همس صوتي مجدّداً (لا يُخفى عنه اليد التي طالت بالغدر)، فانتحبت ورددّت (غفرانك ربي…غفرانك ربي لقد أطعت أمي)، أعادتني رائحة زكية إلى غرفتي، سمعت نباح الكلب وصياح الدجاج، وصراخ الأطفال، لم أنتبه أن دلال ابنتي تحضنني حتى سمعتها تقول:

هيّا انهض يا أبي لقد نمت كثيراً، لقد أعدّت جدّتي طبقا شهياً، (شخشوخة مع الديك) هل صحيح أنّك ذابحه.

 

الشخشوخة: طبق تقليدي جزائري

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman